أحمد رخيص... تونسي يحوّل الأشجار إلى أوانٍ خشبية

أحمد رخيص... تونسي يحوّل الأشجار إلى أوانٍ خشبية

16 ابريل 2024
أحمد رخيص في ورشته المتواضعة في محافظة جندوبة التونسية (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أحمد رخيص يدير ورشة لنحت وصقل خشب الأشجار في عين دراهم، تونس، مستهدفًا صناعة أوانٍ وأدوات مطبخية وقطع فنية، معتمدًا على حرفة تقليدية والثروات الطبيعية المحلية كالصنوبر والفلين.
- يواجه تحديات بيئية ولكن يستمر في إنتاج منتجات خشبية متنوعة تحظى بشعبية كبيرة في تونس، مثل ملاعق وكؤوس، مع التركيز على الجودة والزخرفة، خصوصًا من خشب الزيتون.
- يسعى لتوسيع مشروعه ونقل معرفته لأبناء المنطقة، مؤكدًا على الأهمية الثقافية والاقتصادية للحرفة التقليدية في صناعة الأواني الخشبية، رغم التحديات في الحصول على المواد الخام.

في مرتفعات مدينة عين دراهم، الواقعة في محافظة جندوبة شمال غربيّ تونس عند الحدود مع الجزائر، حيث المسالك وعرة والظروف الطبيعية قاسية، اختار التونسي أحمد رخيص إنشاء ورشته الصغيرة لإنجاز مشروع نحت خشب الأشجار وصقله بهدف صناعة أوانٍ وأدوات مطبخية وقطع فنية للديكور، علماً أنّ هذه حرفة مشهورة تتوارثها الأجيال في هذه المنطقة.
وعلى الرغم من قساوة العيش، لم يعمد أحمد إلى النزوح من المنطقة، ولا الانتقال مع عائلته للسكن في إحدى المدن، بل اختار البقاء في بيئة تزخر بالثروات الطبيعية، خصوصاً أشجار الصنوبر والفلين والبلوط أو الفرنان وغيرها.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وقد أقام رخيص ورشته المتواضعة في كوخ صغير شُيّد من حجارة والآجرّ، فيما السقف خشبي، وبالتالي لا يردّ عنه قسوة البرد ولا يمنع تسرّب مياه الأمطار، فيما يغطّي الطين أرضيته وتغمرها مياه الأمطار في فصل الشتاء. ويتشبّث الرجل التونسي بصناعة الأواني الخشبية التي تتوزّع في كلّ أنحاء البلاد، نظراً إلى الإقبال الكبير الذي تشهده. فالنساء في تونس كنّ وما زلنَ يُقبلنَ على شراء أوانٍ وأدوات خشبية يحتجنَ إليها في المطبخ، من قبيل الملاعق والكؤوس والفناجين والأوعية الخشبية الكبيرة.
كذلك صارت الأواني والمستلزمات الأخرى المصنوعة من الخشب تزيّن المطابخ وغرف الطعام في البيوت والنزل والمطاعم، بعدما صار الحرفيون بمعظمهم يتفنّنون في صنعها وزخرفتها وصقلها من مختلف أنواع خشب الأشجار، وخصوصاً أشجار الزيتون. ونجد فناجين قهوة وأطباقاً وقوارير حفظ الزيت وملاعق، فهذه الأدوات والأواني التي كانت معتمَدة في الماضي، قبل الأواني الفخارية والمعدنية، تلجأ إليها التونسيات في كلّ محافظات البلاد، وهي متوافرة في الأسواق والمعارض.

الصورة
أحمد رخيص صانع أوان خشبية في تونس 2 (العربي الجديد)
لا يخفي أحمد رخيص أنّه حصل على قرض لإطلاق مشروعه (العربي الجديد)

وتُعَدّ صناعة الأواني الخشبية في تونس حرفة قديمة جداً انتشرت في البداية بمحافظة جندوبة، قبل أن تمتدّ إلى قرى ومدن تونسية عدّة. وما زال حرفيون يتمسّكون بهذه الصناعة، إذ إنّهم توارثوها من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ منتجاتها تنتشر في الأسواق التونسية وفي الخارج، ولا سيّما تلك المصنوعة من خشب الزيتون. ويؤكد أحمد رخيص أنّ إنتاجه يلقى، في العادة، إقبالاً في الأسواق، من دون تعقيدات في الترويج، سواء في المحافظة أو في مناطق أخرى شارك في معارضها المخصّصة للمنتجات التقليدية الوطنية.
ويخبر رخيص أنّه يعمد بداية إلى صقل القطعة الخشبية لصنع المهراس المستخدَم في طحن التوابل، أو فناجين القهوة ذات الأحجام المختلفة أو الملاعق. بعد ذلك، يرطّب القطعة ويفركها لتصير ملساء جداً، ثمّ يطليها بالزيت المخصّص للخشب من أجل تشكيل طبقة تمنع تسرّب المياه منها أو امتصاص القطعة الخشبية المياه أو أيّ سائل آخر يوضَع فيها. ثمّ يضع رخيص القطع المصنوعة في الظلّ، بعيداً عن أشعّة الشمس، لتجفّ من دون أيّ تشقّقات. ويشير إلى أنّ كلّ قطعة تستلزم وقتاً معيّناً، ويرتبط ذلك بحجمها وشكلها وما تحتاج إليه من تفاصيل.

الصورة
أحمد رخيص صانع أوان خشبية في تونس 4 (العربي الجديد)
الأواني الخشبية حرفة تتوارثها الأجيال في مناطق عدّة في تونس (العربي الجديد)

ويستخدم رخيص في حرفته خشب أشجار الصنوبر والزيتون خصوصاً، مبيّناً أنّه يجب على الحرفي أن يكون ملمّاً بأنواع الخشب وميزة كلّ نوع منها، وكذلك بالأشجار التي يُستخرَج منها، إذ إنّ صلابة كلّ قطعة خشبية تختلف بحسب الشجرة. ويشرح أنّ من بينها ما يتحمّل درجة حرارة عالية، أو ما يتأثر بأيّ رطوبة عالية، مشيراً إلى أنّ "أفضل أنواع الخشب هو خشب أشجار الزيتون الذي تُصنَّع منه أنواع عديدة من الأواني الخشبية ذات الجودة العالية، ويُباع عدد منها بأسعار تتجاوز 50 دولاراً أميركياً للقطعة الواحدة". ويتابع رخيص أنّ "تلك الأواني تُستخدَم للأكل والشرب، فيما تُستخدَم قطع أخرى للعرض فقط في المطبخ أو المنزل عموماً".

ويخبر الحرفي التونسي أنّه حصل على قرض لإطلاق مشروعه، آملاً أن يعمل معه عدد من أبناء الجهة الذين يرغبون في تعلّم هذه الحرفة، خصوصاً أنّها سهلة ولا تتطلب تدريباً كبيراً. ويشير رخيص إلى أنّ ثمّة من يظنّ أنّ الحصول على الخشب أمر سهل وفي المتناول، أو أنّ الثمن بسيط، لكنّ الأمر ليس كذلك. ولا يخفي أنّه يواجه اليوم عوائق للحصول على المواد الطبيعية بسبب منع قطع الأشجار، أو حتى الحصول على ما تخلّفه الحرائق في غابات المنطقة، بالإضافة إلى افتقار الجهة حيث يعيش إلى أشجار الزيتون، وهذا ما يضطره إلى الانتقال إلى مناطق أخرى للحصول على خشب الزيتون الخام.

المساهمون