الاحتلال يخنق القدس والأقصى

الاحتلال يخنق القدس والأقصى

10 أكتوبر 2015
نشر الاحتلال آلافاً من جنوده بالقدس (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
تتسع نار الانتفاضة الفلسطينية لتصل إلى حدود غزة ومعها يتزايد القمع والإجرام الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. ومع مرور المزيد من الوقت على انتفاضة القدس والضفة الغربية، بات مؤكداً للجميع أن هذه الهبة الشعبية مستمرة بالتوسّع، على الرغم من استمرار سقوط شهداء بشكل متزايد إضافة إلى مئات الجرحى.

وكان المشهد، أمس الجمعة، في القدس المحتلة، وخصوصاً في البلدة القديمة، أشبه بمعسكر للاحتلال، مع نشر الجيش الإسرائيلي سبعة حواجز على الطريق، التي توصل إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى، إضافة إلى انتشار حشود كبيرة من الجنود والمجندات، قالت الشرطة الإسرائيلية إن عددهم يربو على أربعة آلاف.

هذه الإجراءات الإسرائيلية المشددة لم تسمح سوى لأقل من سبعة آلاف مصلٍّ بالوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه، وجلّهم من كبار السن ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين والستين عاماً، في حين انتظر شبان يقطنون بجوار الأقصى الدخول إلى المسجد، من دون جدوى. أحد المصلين الشباب الذين التقيناهم عند باب المجلس، ويدعى محمد صندوقة، لم يفلح في الدخول وهو يجادل أحد الجنود بأنه جاء ليصلي. وقرر أن يصلي في الشارع، لكن بجوار الأقصى. قبل ذلك، كان محمد قد اجتاز بصعوبة، هو ومئات المقدسيين، حواجز جيش الاحتلال.

للجندي، كما قال أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية، أن يحتجزك وأن يوقفك المدة التي يريدها. كانت أعداد كبيرة من الشبان تنتظر الدخول إلى الأقصى لكنهم منعوا. وكان الجنود الإسرائيليون في كل زاوية أضعاف عدد المصلين، وبدت البلدة القديمة معسكراً كبيراً لجنود ومجندات الاحتلال، الذين انهمكوا بالأحاديث الجانبية، أو بتناول المشروبات والأطعمة الجاهزة، وتركوا مهمة التفتيش لاثنين أو ثلاثة من زملائهم.

مقابل التعامل الصارم مع المقدسيين والمصلين، كان هناك مشهد آخر من فتح الحواجز الحديدية أمام المستوطنين. وبدا ذلك واضحاً حين اخترقت مسيرة عنيفة للمستوطنين البلدة القديمة من جهة باب الخليل، قبل أن تصطدم بالتجار الفلسطينيين هناك، وتشتبك معهم.

وعلى الرغم من أن المدينة المقدسة بدت أمس كمعسكر كبير يعج بآلاف الجنود، كانت تشهد على خط تماسها الفاصل مع القدس الغربية حدثاً جعل كل هذا الاستنفار بلا قيمة أو فائدة. فقد تمكّن شاب فلسطيني من طعن مستوطن في منطقة "شموئيل هنفيم"، وهي المنطقة التي تعج بالمستوطنين المتطرفين. هذه المنطقة شهدت قبل يومين انفلاتاً عنصرياً ضد عمال فلسطينيين، ومنها ينحدر المستوطنون، الذين لاحقوا الشهيد فادي علون واعتدوا عليه قبل أن يستشهد برصاص دورية لشرطة الاحتلال، كان قد التجأ إليها طلباً للنجاة.

وقامت قوات الاحتلال باعتقال الشاب الفلسطيني، الذي نفذ عملية الطعن أمس، فيما نُقل الجريح الإسرائيلي إلى المستشفى، مما ضاعف التوتر لدى الجنود عند بوابات القدس السبع، حيث نُكِّل من جديد بالمواطنين الفلسطينيين. ويقول ناصر الهدمي، من سكان واد الجوز: "تصرفوا معنا بوحشية، وحين كانت تصلهم المعلومات عن عملية الطعن عبر أجهزة الاتصال، كانوا يغلقون حواجز الحديد تماماً، ويرغموننا على الوقوف طويلاً".

اقرأ أيضاً: عشرات الإصابات برصاص الاحتلال في "جمعة الغضب"

وكانت عدة أحياء، تتاخم البلدة القديمة، قد عُزلت عن المدينة المقدسة والمسجد الأقصى منذ ساعات الصباح الأولى. فقد أغلقت قوات الاحتلال مدخل كل حي بأكثر من حاجز، ومنعت الشبان من اجتيازها، كما قال مهند قراعين من سلوان، والذي وجد نفسه محتجزاً داخل تلك الحواجز، قبل أن يضطر للعودة إلى بيته مع شقيقه واثنين من أبناء عمومته.

مع ذلك، سار آخرون في مواكب حتى وصلوا إلى حي الطور المجاور. ومن هناك سلكوا طرقاً فرعية أوصلتهم إلى باب الأسباط، لكنهم اصطدموا بحواجز جديدة، وعند تلك الحواجز استقر بهم المقام، وبدأوا ينصتون لخطبة يوم الجمعة التي ألقاها الشيخ، اسماعيل نواهضة، الذي ذكّر في خطبته أمس، بمجزرة الأقصى الشهيرة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول من عام 1990، وهي المجزرة التي سقط فيها 18 شهيداً وأصيب المئات. كما ذكّرهم بذكرى ثانية مرت في الثاني من هذا الشهر وهي ذكرى تحرير القدس على أيدي صلاح الدين الأيوبي، حاثاً إياهم على التفاؤل وعدم فقدان الأمل، على الرغم مما يشعرون به من ألم إزاء عجز الأمة.

لكن الكثيرين من المصلين وبعد انتهاء الصلاة، كانوا غاضبين من خطيب الأقصى، معتبرين أنه كان عليه أن يخصص كامل خطبته للحديث عن واقع القدس والأقصى، وعن معاناة أهل المدينة وما يتعرض له أبناؤهم من قتل، وما تتعرض له أيضاً بناتهم من سحل وضرب. كما عبّر الكثير منهم عن غضب أكبر وأعظم على الزعماء والقادة. وقال أحدهم، ويدعى ابراهيم الصالح نجم، من سكان حارة السعدية: "وين العرب؟ وين المسلمين؟ اتقوا الله فينا وفي أولادنا وفي بيت الله". وحاول مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، أن يمتص غضب المصلين، فلم يجد أمامه إلا أن يحث مخاطبيه على الصبر، وهو شاهد العيان اليومي على ما يتعرض له الأقصى والقدس.

ومع القمع الإسرائيلي في البلدة القديمة والأقصى وسط حشود كبيرة من جنود الاحتلال، الذين انشغل بعضهم بملاحقة فتية رجموهم بالحجارة، كان مخيم شعفاط على موعد مع مسيرة ضخمة انطلقت باتجاه الحاجز العسكري على مدخل المخيم، بعد أن ودّع أهالي المخيم أمس شهيدهم، وسام جمال المنسي، فيما يدعون بالشفاء لأربعين جريحاً من أبنائهم أصيبوا في مواجهة عنيفة مع قوات الاحتلال بعد أن أحبطوا محاولة مئات الجنود اقتحام منزل الشاب، صبحي أبو خليفة، منفذ الهجوم بالسكين على مستوطن في الشيخ جراح. وكان المخيم على موعد مع مواجهة هي الأعنف يخوضها الشبان هناك، أصيب خلالها تسعة من الجنود، في حين وصفت المتحدثة باسم شرطة الاحتلال المقاومة العنيفة للشبان بأنها وحشية.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يعلن التأهب في القدس وينشر آلاف الجنود بالضفة

المساهمون