سوناك في واشنطن: استقبال "رئاسي" لا يخفي الأزمات الداخلية

سوناك في واشنطن: استقبال "رئاسي" لا يخفي الأزمات الداخلية

07 يونيو 2023
بايدن وسوناك بقمة أوكوس في كاليفورنيا، مارس الماضي (ليون نيل/Getty)
+ الخط -

يصل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى واشنطن اليوم الأربعاء، في زيارة رسمية تستغرق يومين، هي الأولى له إلى الولايات المتحدة منذ وصوله إلى "داونينغ ستريت" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وعلى الرغم مما تكتسبه الزيارة من أهمية سياسية واقتصادية بعد أكثر من عام على الغزو الروسي لأوكرانيا وبعد أشهر قليلة من التوصل إلى "اتفاق وندسور" بشأن الترتيبات التجارية عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن المراقب للشأن البريطاني لن يستطيع النظر إلى هذه الزيارة بمعزل عن إخفاقات حكومات حزب المحافظين المتعاقبة. كما أن سوناك لن يتمكّن من السفر بمعزل عن "الفضائح" المتوالية منذ استقالة الرئيس الأسبق للحكومة وحزب المحافظين بوريس جونسون وخليفته ليز تراس، والأزمات المرتبطة بحكومتيهما.

أزمات داخلية تلاحق سوناك

وليس شبح جونسون ولا الاستقالات من حكومة سوناك ولا التحقيقات الأخيرة المرتبطة بسلوك الحكومة أثناء وباء كورونا، هي المخاوف الوحيدة التي تطارد سوناك في المحافل الدولي، بل أيضاً استطلاعات الرأي التي تشير باستمرار إلى أن أكثر من نصف الناخبين البريطانيين يعتقدون أنه فشل في منصبه كرئيس للحكومة، وأن 34 في المائة فقط يؤمنون بقدرته على تحسين الأوضاع وفرض الحلول الملائمة.

تشير استطلاعات الرأي باستمرار إلى أن أكثر من نصف الناخبين البريطانيين يعتقدون أن سوناك فشل في منصبه

وكان لافتاً أن تطغى الأزمات الداخلية والوضع المعيشي المتردّي على خبر الزيارة "التاريخية" التي يقوم بها سوناك إلى الولايات المتحدة، بالضبط كما طغت خلال الأسابيع الماضية على مشاركاته في القمم الدولية في أيسلندا واليابان وغيرها.

وفي حين احتفت بعض وسائل الإعلام المحلية بزيارة واشنطن وبـ"انعكاساتها الإيجابية" على الأوضاع الاقتصادية وعلى الاستثمارات وأيضاً على "الدور القيادي" للمملكة المتحدة، اختارت صحيفة "نيويورك تايمز" أن تغطّي خبر الزيارة عبر التذكير بإخفاقات الزعيم البريطاني وبمآزق حكومات "المحافظين" المتعاقبة وبالمصائب الداخلية التي لن تمحوها المسافة الطويلة بين البلدين.

معاملة رئاسية لسوناك

في مقابل هذه الصورة القاتمة التي تلخّص المشهد الداخلي لبريطانيا العظمى، سيحظى سوناك بمعاملة "رئاسية" خلال زيارته، إذ سيستقبله البيت الأبيض في مقرّ بلير التاريخي المعروف بـ"بيت ضيافة الرئيس" حيث أقامت الملكة إليزابيث الثانية عام 2007، ليكون أول زعيم بريطاني يقيم هناك منذ ديفيد كاميرون. كما سيحضر سوناك مباراة بيسبول بين فريقي واشنطن ناشونالز وأريزونا دايموند باكس بعنوان: "يوم الصداقة البريطانية الأميركية". كما سيكون أول رئيس حكومة بريطاني يلقي كلمة في "الطاولة المستديرة للأعمال" وهي قمة سنوية مهمة جداً للرؤساء التنفيذيين الأميركيين.

وسيعقد الرئيس الأميركي جو بايدن مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع سوناك، في خطوة "ترحيبية" تعكس رغبة الإدارة الأميركية في "تعزيز العلاقات"، إذ إن بايدن مقلّ جداً في المؤتمرات الصحافية (الأقلّ بين أسلافه منذ رونالد ريغان) ولم يعقد هذا العام سوى خمسة منها.

إلا أن هذه المظاهر "الاحتفالية" بقدر ما ترمز إلى أهمية الدور الذي يؤديه سوناك، بقدر ما تحيل إلى "الخيبة" الأميركية من حكومتي جونسون وتراس القريبتين من الرئيس السابق دونالد ترامب والمتسبّبتين بتوترات بين البلدين حول بروتوكول أيرلندا الشمالية المتنازع عليه. كما أن هذه الزيارة "التاريخية" تأتي بعد الانتقادات التي تعرّض لها بايدن بسبب عدم حضوره مراسم تتويج الملك تشارلز بداية الشهر الماضي واكتفائه بزيارة أيرلندا في إبريل/نيسان الماضي احتفاء بذكرى توقيع اتفاقية السلام "الجمعة العظيمة".

متحدث باسم سوناك: الزيارة تتيح فرصة ثمينة لتأكيد دعمنا لأوكرانيا

من جهته، قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني إن الاجتماعات التي سيعقدها الزعيمان "ستكمل ما بدآ به في الأشهر الأخيرة من مناقشات حول تعزيز مستوى التعاون والتنسيق بين البلدين بشأن التحديات الاقتصادية التي ستحدد مستقبلنا بما في ذلك تأمين سلاسل التوريد لدينا والانتقال إلى اقتصادات خالية من الكربون". وأضاف أن الزيارة تتيح فرصة ثمينة "لتأكيد دعمنا لأوكرانيا بينما نبني على نجاح قمة مجموعة السبع في الفترة التي تسبق قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يوليو/تموز المقبل".

كما نقل المتحدث عن سوناك قوله إن "أي زعيم بريطاني لم يعقد هذا الكمّ من الاجتماعات مع رئيس الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية"، في إشارة إلى الاجتماعات الأربعة التي جمعتهما منذ تولّيه الزعامة قبل أقل من 8 أشهر، مضيفاً أن الولايات المتحدة هي "أقرب حليف بالنسبة إلينا وأكبر شريك تجاري".

ومع أن اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة لن تكون على جدول الأعمال في الوقت الحالي، إلا أن المتحدث باسم سوناك اعتبر أن "البلدين حقّقا 279 مليار جنيه إسترليني على الرغم من عدم وجود الاتفاق"، وأن الحكومة تدفع لمعالجة قضايا تجارية محددة وتسعى لإقامة شراكات أوثق مع القوى الاقتصادية الخاصة بكل ولاية مثل كاليفورنيا أو تكساس أو أوكلاهوما.

ومن الجدير بالذكر أن الحكومة البريطانية تعرّضت للسخرية العام الماضي بعد توقيع أول اتفاقية اقتصادية "مصغّرة" مع ولاية إنديانا، إضافة إلى اتفاقيات مماثلة مع نورث وساوث كارولاينا. إلا أن المسؤولين المعنيّين في الحكومة أشادوا بمثل هذه الصفقات على اعتبارها "قوة دفع" للشركات البريطانية ولعقود الشراء.

حشد الدعم لوالاس

وإلى جانب التحديات الاقتصادية والشراكة التجارية والملف الأوكراني، ستتطرّق النقاشات إلى أمن الطاقة وأزمة المناخ و"مراجعة التطورات" في أيرلندا الشمالية، بعد أشهر من التوصل إلى "اتفاقية وندسور" وطيّ صفحة الخلاف حول بروتوكول أيرلندا الشمالية المتنازع عليه منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما سيكون للذكاء الاصطناعي حصّة من المواضيع التي سيأتي سوناك على ذكرها، خصوصاً ما يتعلق بـ"الخطر الوجودي" الذي تمثّله هذه الصناعة مثلها مثل الأوبئة والحروب النووية.

من المتوقع أن يستثمر سوناك رحلته لحشد الدعم لتعيين بن والاس أمينا عاماً جديداً للناتو

ومن المتوقع أن يستثمر سوناك رحلته إلى واشنطن لحشد المواقف المؤيدة لتعيين وزير الدفاع البريطاني بن والاس أميناً عاماً جديداً لحلف شمال الأطلسي، كما فعل خلال مشاركته في قمة مجموعة السبع في هيروشيما الشهر الماضي. وكان والاس قد عبّر عن رغبته بتولي منصب الأمين العام في "تحالف الدفاع الغربي" عندما يصبح شاغراً في سبتمبر/أيلول المقبل، قائلاً في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية إنها "الوظيفة التي أطمح للقيام بها حتى وإن كنت أحب أيضاً العمل الذي أقوم به".

يُذكر أن والاس يتمتّع بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة كما في بلاده بفضل الدور المركزي الذي أداه في الوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد الغزو الروسي، ورفعه الإنفاق الدفاعي إلى 2,25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وتعهّده بالضغط من أجل الوصول إلى 3 في المائة بحلول نهاية العقد الحالي. ذلك يجعل حظوظه أوفر ربما من منافسته رئيسة الوزراء الدنماركية ميتا فريدريسكن، التي التقت الرئيس الأميركي قبل يومين ضمن مساعيها للوصول إلى المنصب، مع أن بلادها لم تصل إلى 2 في المائة من الإنفاق الدفاعي وقواتها المسلحة تضم أقل من 20 ألف فرد.