اعتقال المحامية سنية الدهماني وإضراب عام في تونس وسط تنديد واسع

اعتقال المحامية سنية الدهماني وإضراب عام في تونس وسط تنديد واسع

13 مايو 2024
محامون تونسيون يتظاهرون في تونس العاصمة، 02 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في تونس، نظم المحامون إضرابًا عامًا احتجاجًا على اقتحام الشرطة لدار المحامي واعتقال المحامية سنية الدهماني بسبب انتقادها الأوضاع في تونس، مما أثار تضامنًا دوليًا.
- الحادثة أثارت موجة من الإدانات والتضامن من مؤسسات ومنظمات تونسية ودولية، بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة العفو الدولية، معتبرينها تصعيدًا خطيرًا وانتهاكًا للحريات.
- الاعتقال والإضراب يعكسان توحيد المواقف ضد تراجع الحريات والحقوق في تونس، مشيرين إلى لحظة مفصلية في النضال من أجل الديمقراطية والحريات، وسط توقعات بتصاعد القمع.

ينظم المحامون التونسيون، اليوم الاثنين، إضراباً عاماً في كل محاكم البلاد، احتجاجاً على اقتحام قوات الشرطة لدار المحامي، يوم السبت، والقبض على المحامية سنية الدهماني التي كانت متحصنة في المقر، بسبب ملاحقة قضائية على خلفية تصريح صحافي انتقدت فيه الأوضاع في تونس. واحتمت سنية الدهماني بدار المحامي بعد قرار قاضي التحقيق الأول بالمحكمة الابتدائية في تونس بإصدار بطاقة جلب قضائية في حقها، وقال محامون إن الشرطة التونسية أحاطت بمقر عمادة المحامين منذ مساء الجمعة واقتحمت المقر وألقت القبض على الدهماني.

وعرضت المحامية سنية الدهماني اليوم الاثنين، على قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بتونس، وسط حشد كبير من المحامين الذين رفعوا شعار "حريات حريات لا قضاء التعليمات"، وقررت المحكمة إيداعها في السجن. وفي تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة، أكد رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس، العروسي زقير، أن الإضراب العام الحضوري اليوم للمحامين كان ناجحاً بنسبة 100 في المائة". وتوسعت دائرة التضامن مع المحامين التونسيين، وجاءت بيانات مساندة من هيئات المحامين في فرنسا وإيطاليا. وكان مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس قد قرر في اجتماع طارئ، أمس الأحد، تنفيذ إضراب عام وطني لقطاع المحاماة في جميع محاكم الجمهورية، وتنفيذ يوم غضب ووقفة احتجاجية الخميس القادم، وندوة صحافية غدا الثلاثاء.

مؤسسات تونسية تندّد باعتقال سنية الدهماني

ودان الإتحاد العام التونسي للشغل "بشدة هذا الاعتداء السافر وغير المسبوق على المحاماة التونسية"، واعتبره أنه "إحدى المقدّمات لإرساء دولة الانتهاكات والاستبداد، خاصّة أنّه جاء بعد موجة من الشحن والتحريض وترويج خطاب الكراهية والتقسيم والتخوين". وسجّل الاتحاد في بيان له، أمس الأحد، "تصاعد موجة محاولات خنق وإهدار الحريات العامة والخاصة المكفولة بالدستور وبالمواثيق الدولية".

من جهته، اعتبر حزب العمال، أن هذه الخطوة "التصعيدية تؤكد انفلات النّهج القمعي لنظام قيس سعيّد"، واعتبرها، في بيان له الاثنين، "منعرجاً خطيراً في تعاطي السّلطة مع المجتمع المدني وتهدف إلى إلغائه، ومؤشّراً على تصاعد القمع والإرادة الممنهجة لتصفية حرية التعبير ونشر الرعب في المجتمع". ودعا، كلّ القوى التقدّمية أحزاباً ومنظمات وشخصيّات، أن "توحّد جهودها لمواجهة الانحدار المُفزع لوضع الحريات والزّحف المتصاعد للدكتاتورية والفاشية". وأعلن الحزب الجمهوري عن "تضامنه التام مع المحاماة التونسية في مواجهة الهجمة القمعية التي تهدف للنيل من دورها المركزي في الدفاع عن الحقوق والحريات المواطنية، ودان الاعتداء السافر الذي طاول دار المحامي".

وطالبت منظمة العفو الدولية، أمس الأحد، السلطات التونسية بإطلاق سراح المحامية سنية الدهماني. ودانت المنظمة في بلاغ نشرته بصفحتها على موقع فيسبوك "اقتحام دار المحامي واعتقال الدهماني بالقوة على خلفية مداخلة إذاعية"، مندّدة بـ"الاعتداءات التي طاولت مجموعة من المحامين والمحاميات والصحافيين والصحافيات". ووصفت المنظمة ما حدث بـ"السابقة الخطيرة في تاريخ تونس"، معتبرة أنها "تترجم تصاعد وتيرة التضييقات على الحريات، وخاصة حرية التعبير".

وفي بيان مشترك، مساء الأحد، قالت منظمات وجمعيات تونسية، إن هذا السياق الخطير "يتسم بارتفاع نسق الايقافات ضد عدد من الناشطات والناشطين في العمل الجمعياتي والمجال الإعلامي والحقوقي، بغاية تكثيف المساعي من أجل ترسيخ حكم فردي عبر تقويض مبدأ استقلالية السلطة القضائية وضرب ضمانات المحاكمة العادلة، والتعدي الواضح على الحقوق والحريات، بهدف قمع أي صوت حر ومختلف وقمع الإعلام وتفكيك الهيئات المستقلة ومحاصرة القوى المدنية والسياسية وتضييق مجال المشاركة في الشأن العام وخلق مناخ من الترهيب".

ومن بين المنظمات التي وقعت على البيان، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وجمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، والأورومتوسطية للحقوق، ومحامون بلا حدود- تونس، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والمنظمة التونسية للأطباء الشبان، والجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، وغيرها. وطالبت الجمعيات والمنظمات الموقّعة "بإطلاق سراح جميع معتقلي حرية الرأي والتعبير فوراً دون قيد أو شرط"، ونددت بـ"الخروقات الجسيمة لضمانات المحاكمة العادلة وترهيبها للقضاة واضطهادها للمحامين، في سياق خطير لم يسبق له مثيل في تاريخ تونس". واستنكرت المنظمات "التمشي الذي يستهدف إخماد أصوات الفاعلين والفاعلات في الحقلين المدني والسياسي بهدف التحكم والسيطرة على الفضاء العام والتفرد به".

ومع تصاعد التضييقات والملاحقات من السلطة للمعارضين، جاءت حادثة اعتقال سنية الدهماني في دار المحامي لتوحّد المواقف بشأن أوضاع الحريات. ويعتبر مراقبون، أن اقتحام دار المحامي ربما يدفع بعض المنظمات إلى الخروج من حيادها الذي حاولت أن تلتزم به تجاه السلطة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، وقد يسهم أيضاً في تقريب مكونات المعارضة. وتداول ناشطون تدوينة للأمين العام للتيار الديمقراطي، نبيل حجي، قال فيها إنّ "المأساة بدأت حين هللت النخب بغلق مجلس النواب المنتخب بدبابة"، ما اعتبروه تحولاً مهماً في صفوف المعارضة.

الشعيبي: سعيّد يواجه استحقاقاً مصيرياً

من جانبه، اعتبر عضو جبهة الخلاص الوطني، رياض الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بات واضحاً أن التوتر الذي تعيشه السلطة بسبب ضغط الموعد الانتخابي الرئاسي القادم جعلها تضيق ذرعاً بكل نقد يوجه إليها. لذلك نراها اليوم تصعّد انتهاكاتها واعتقالات النشطاء والإعلاميين. وما حصل مساء السبت من اقتحام لدار المحامي غير مسبوق رغم عهود الاستبداد التي مرت بها البلاد". وقال الشعيبي: "لقد برهنت جبهة الخلاص الوطني في مسيرتها، الأحد، أنها لاتزال قادرة على تعبئة الشارع السياسي، وباستطاعتها تعديل موازين القوى الشعبية لصالح الديمقراطية ضد مشروع السلطة الشعبوي".

واعتبر الشعيبي أن "السلطة تواجه اليوم استحقاقاً مصيرياً بالنسبة لها، فاهتراء شعبية الرئيس وتردي خياراته، والفشل الذي مُني به مشروعه، لا يؤهله للفوز بالانتخابات القادمة". وأوضح أن "الانتخابات الرئاسية في تونس تجري على دورتين، وعجز الرئيس الحالي على الفوز منذ الدور الأول أصبح مؤكداً، الأمر الذي سيفتح المجال لالتقاء الجميع في الدور الثاني لدعم مرشح ديمقراطي، وبالتالي طي صفحة المسار الحالي (...) السلطة تعرف أن هذا السيناريو سيجعل مرشحها غير قادر على تجاوز حاجز الـ40 بالمائة من الأصوات، وعندها ستكون الهزيمة محققة".

وأضاف المتحدث أن "الأمر تحوّل إلى كابوس بالنسبة للسلطة وأنصارها، لذلك نراها اليوم تمارس أقصى مستويات القمع وإسكات كل الأصوات الناقدة، وسيتصاعد ذلك حتماً بمحاولة المصادرة على كل ترشيح جدي وربما حتى إجراءات تعسفية أخرى". ويتوقع الشعيبي أن "تفشل السلطة في مخططها في مصادرة نتائج الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي سنجد أنفسنا أمام الفصل النهائي لهذا الانقلاب. فالسلطة المترهلة والمتهالكة غير قادرة على مواجهة كل القوى الحية في المجتمع التونسي، مهما كانت كلفة التصعيد الذي ستسلكه".

وكانت سنية الدهماني قد قالت في رسالة مفتوحة للرأي العام نشرتها على صفحتها في منصة فيسبوك إنها "تعرّضت لمظلمة جديدة تجاوزت كلّ حدود المنطق وخرقت أدنى ضمانات المواطنة فضلاً عن حقوق الدفاع وشروط المحاكمة العادلة، في خطوة جديدة من مسلسل الاستهداف القضائي".

المساهمون