سمنة الأطفال في عُمان... تفاقم احتمالات الإصابة بأمراض مزمنة

تكاليف باهظة تتكبدها السلطنة نتيجة السمنة والسكري
11 ديسمبر 2022
+ الخط -

تبلغ التكلفة التراكمية التي تتكبدها عُمان، نتيجة إخفاقها في معالجة مؤشر ارتفاع كتلة الجسم 5.7 مليارات دولار ما بين 2017 و2025، بحسب كتاب السمنة الصادر عن وزارة الصحة، والتي تحذر من تبعات الظاهرة على أطفال السلطنة .

- أصيبت الطفلة العمانية درة رشيد بالسمنة حتى وصل وزنها إلى 52 كيلوغراما وهي في عامها العاشر، جراء الإفراط في تناول السكريات المضافة والأطعمة المشبعة بالدهون حتى ظهرت عليها أعراض مثل العطش الشديد وكثرة التبوُّل والشعور بالجوع الشديد والإرهاق ورائحة فم شبيهة بالفاكهة، ما دفع عائلتها لعرضها على طبيب اختصاصي سكري وغدد صماء، تأكد من خلال قياس نسبة السكر العشوائي في الدم بأنه مرتفع عن المعدل الطبيعي بنسبة 11 مليمول/لتر بينما تتراوح مستويات السكر في الدم لدى الأطفال الأصحاء بين 70 و150 مجم/ ديسيلتر، وعقب استكمال إجراء التحاليل أبلغ العائلة بأن درة تعاني من مرض السكري من النوع الأول (حالة مزمنة يتوقف فيها البنكرياس عن إفراز الأنسولين).

وتعد الطفلة درة رشيد واحدة من بين 700 حالة تعاني من مرض السكري وتراجع المركز الوطني لعلاج أمراض السكري والغدد الصماء، بحسب إحصاء الدكتورة عائشة بنت محمد السنانية استشارية أولى بالمركز وهو ما تؤكده بيانات الجمعية العمانية لأمراض السكري كما يقول الدكتور حسام عاكوم، مدير عام مستشفى كميز عمان kimshealth الخاص، والذي تابع في إفادته لـ"العربي الجديد": "المصابون بمرض السكري من الأطفال أكثر من ذلك، إذ يوجد من لا يعلمون بإصابتهم بالمرض، فضلا عن أطفال مصابين يقيمون في مناطق نائية، تفتقر العائلات فيها للثقافة الصحية الجيدة، وخاصة في ما يتعلق بخطورة السمنة التي تعد من بين الأمراض المزمنة نتيجة دهون غير طبيعية أو زائدة في الجسم، ما يعزز عوامل خطر الإصابة بأمراض ومشكلات صحية أخرى، مثل مرض القلب وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم وأنواع معينة من السرطان".

تفاقم ظاهرة السمنة بين الأطفال

وتفرق منظمة الصحة العاليمة بين الوزن الزائد والسمنة، إذ إنه في حالة كان مؤشر كتلة الجسم أكبر من 25 أو يساوي 25 فإن الشخص يكون مصابا بزيادة الوزن؛ بينما تبدأ السمنة عندما يكون مؤشر كتلة الجسم أكبر من 30 أو يساوي 30.

وتفاقمت نسب الأطفال ممن يعانون من السمنة وزيادة الوزن بشكل ملحوظ في سلطنة عمان، إذ ارتفعت زيادة الوزن لدى الفتيان (من سن 5 إلى 19 عاما) في عام 2016 إلى 34.2%؜ والفتيات إلى 30.2%؜، وانتشرت السمنة بين 16.1% من الفتيان و13.3%؜ من الفتيات، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع العام 1975 في ظل أن معدل زيادة الوزن لنفس الفئة العمرية وقتها كان 2.7%؜ من الفتيان و4.7% من الفتيات، وكانت النسبة المئوية لمن يعانون من السمنة عند 0.4% من الجنسين، وفق تأكيد الدكتورة مريم بنت خميس البادية، استشارية أولى بالمركز الوطني لعلاج أمراض السكري والغدد الصماء بالمستشفى السلطاني الحكومي، والتي استندت لبيانات كتاب السمنة في سلطنة عمان الصادر عن وزارة الصحة في مارس/آذار2021، محذرة من أن هذه الزيادة في الوزن تعرض المراهقين لفرص الإصابة بالأمراض المزمنة، وعلى رأسها السكري، وتؤكد في إفادتها لـ"العربي الجديد" أن المراهقات أكثر عرضة للخطر بسبب نمط الحياة.

زيادة نسب الأطفال الذين يعانون من السمنة بشكل كبير في عمان

وسجلت وزارة الصحة من خلال المؤسسات الصحية التابعة لها في عام 2019، "إصابة نسبة 33.5% من الأطفال دون سن الخامسة بالسمنة من إجمالي 191 حالة سوء تغذية مسجلة في بيانات وزارة الصحة خلال عام 2019، حسب تقريرها الصحي السنوي". 

وبلغت نسبة السمنة بين 48197 طالبا من الصف الأول من التعليم العام والأساسي، الذين تابعتهم خدمات الصحة المدرسية في 1163 مدرسة حكومية 96.4%، كما وصلت نسبة زيادة الوزن إلى 84.3%، فيما بلغت نسبة السمنة بين 34501 طالبا من الصف السابع بالتعليم العام والأساسي 95.5%، ونسبة زيادة الوزن 88.2%، وبلغت نسبة السمنة بين 33235 طالبا بالصف العاشر من التعليم العام والأساسي، 96.9%، ونسبة زيادة الوزن 88.5%"، بحسب بيانات دائرة الصحة المدرسية والجامعية للعام الدراسي 2019 - 2020، والتقرير السنوي لعام 2020 الصادر عن وزارة الصحة. 

ووصلت نسبة الأطفال إلى 43% من سكان عُمان حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022، حسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات الحكومي، وتلعب أنماط الحياة غير الصحية المنتشرة بينهم، دورا أساسيا في زيادة السمنة، مثل العادات الغذائية المتمثلة في تكرار وزيادة استهلاك المشروبات السكرية الغازية ومشروبات الطاقة بالإضافة إلى الخمول البدني والجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز والألعاب الإلكترونية، وسهولة الوصول إلى المطاعم والوجبات السريعة، وبالتالي تزايد خطر الإصابة بمرض السكري، حسبما تقول لـ"العربي الجديد" فتحية بنت عبدالله الراشدية أخصائية التغذية العلاجية في المديرية العامة للرعاية الصحية الأولية، وهو ما تؤكده الدكتورة موزة بنت سعيد اليحيائي، الاستشارية بالمركز الوطني لعلاج أمراض السكري والغدد الصماء، قائلة لـ"العربي الجديد": "المشروبات المحلاة التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر والسعرات الحرارية، تسبب زيادة الوزن والسمنة وتعد تمهيدا للإصابة بمرض السكري، والإفراط في تناول المشروبات المحلاة يشكل أكثر من 50% من أسباب الإصابة بالسمنة والسكري لدى الأطفال"، ومن المشروبات الغازية التي تحتوي على نسبة كبيرة من السكر، كوكاكولا إذ إن عبوة حجمها 600 مليمتر فيها 64 غراما من السكر، بحسب دراسة إعادة التفكير في تناول المشروبات السكرية والغازية التي شارك في إعدادها 20 منظمة صحية ومجتمعية في أستراليا.

الصورة
زيادة وزن الأطفال

 

ما علاقة السمنة بمرض السكري؟

لم يكن للعامل الوراثي والتاريخ العائلي أي دور في إصابة الطفلة درة رشيد بمرض السكري، لأن جميع أفراد عائلتها غير مصابين بالمرض، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أنها تتلقى علاج الأنسولين لتخفيض السكر في الدم مع خضوعها لفحوصات كل ثلاثة أشهر في المركز الوطني لعلاج السكري والغدد الصماء، لمعرفة مستوى سكر الدم التراكمي، فضلا عن تقيدها بنظام غذائي متوازن. 

600 مليمتر من كوكاكولا تحتوي على 64 غراما من السكر

وترتبط سمنة الاطفال بالإصابة بمرض السكري من النوع الثاني (حالة مرضية متقدمة تتسم بارتفاع مستويات الغلوكوز في الدم بسبب نقص الأنسولين أو عدم قدرة الجسم على استخدام الأنسولين بكفاءة)، كما تقول الدكتورة مطلوبة أيوب الزدجالي، الاستشارية الأولى للصحة العامة وأمراض القلب والمؤسسة والمديرة التنفيذية لمركز القلب والأوعية الدموية الخاص في مسقط،.

و"تزيد نسبة إصابة الأشخاص الذين يعانون من السمنة بمرض السكري من النوع الثاني، بنسبة 80 مرة، مقارنة بمن لديهم مؤشر كتلة الجسم أقل من 22 كيلوغراما (وزن طبيعي)"، كما تقول الدكتورة الراشدية، مضيفة أن تراكم الدهون في منطقة البطن، يؤدي إلى زيادة فرص الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، إذ تؤدي الدهون المتراكمة إلى أن يصبح الجسم أقل حساسية للأنسولين الذي ينتجه عن طريق تعطيل وظيفة الخلايا المستجيبة، وهو ما يُعرف بمقاومة الأنسولين ويعتبر السمة المميزة لمرض السكري من النوع الثاني، وبالتالي يتراكم سكر الغلوكوز في الدم، كما تقول الدكتورة اليحيائي، مضيفة أن مرض السكري من النوع الأول (يظهر في مرحلتي الطفولة والمراهقة)، أكثر انتشارا بين الأطفال ويحدث نتيجة تدمير خلايا بيتا (توجد في البنكرياس ومسؤولة عن إفراز الأنسولين)، موضحة أن هرمون الأنسولين يساعد على إدخال سكر الغلوكوز الممتص من الطعام إلى خلايا الجسم. 

5 مليارات دولار تكلفة تراكمية لتبعات السمنة

"يعد الأشخاص المصابون بالسمنة، أكثر عرضة للإصابة بأمراض أخرى، مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم، وانقطاع النفس أثناء النوم، ما يشكل ضغطا على أنظمة الرعاية الصحية"، وفق كتاب السمنة في سلطنة عمان... تحد كبير للصحة العامة، والذي يحذر من أن "التكلفة التراكمية التي تتكبدها عُمان، نتيجة إخفاقها في معالجة مؤشر ارتفاع كتلة الجسم والوقاية منه، ستكون 5.7 مليارات دولار ما بين عامي 2017 و2025". 

ولمواجهة تفشي ظاهرة السمنة، "فرضت سلطنة عمان، في يونيو/حزيران 2019، ضريبة انتقائية (تفرض على السلع التي لها آثار سلبية على الصحة العامة أو البيئة) بنسبة 100% على مشروبات الطاقة و50% على المشروبات الغازية. كما فرضت السلطنة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 ضربيه 50% على المشروبات المحلاة التي تحتوي على السكر المضاف أو أي شكل من أشكال السكر"، حسب المصدر السابق.

ويقوم علاج السمنة ومن ثم السكري على نهج متدرج عبر تغيير نمط الحياة، والعلاج الدوائي، الأجهزة والخيارات غير الجراحية، وكذلك جراحة علاج السمنة، ودعم ما بعد الجراحة والعلاج الطبي للحد من زيادة الوزن، حسب الدكتورة اليحيائي، لكنها تقول إن معظم المناطق ما تزال تواجه صعوبات في الحصول على الرعاية المقدمة من خلال طبيب حاصل على تدريب جيد ومتخصص في طب السمنة أو حاصل على تدريب مكثف في استخدام الأدوية المضادة للسمنة وخيارات خطة المعالجة، إضافة إلى ضعف مساهمة الشركاء المعنيين وتحديدا في القطاعات الحكومية والخاصة، بمكافحة عوامل الخطورة المتسببة في زيادة السمنة، وعلى رأسها اتباع نمط حياة خاملة والأكل غير الصحي وعدم كفاية النشاط البدني بين الأطفال العمانيين.