فيتون سوروي.. مفارقات كوسوفية أمام الإبادة

فيتون سوروي.. مفارقات كوسوفية أمام الإبادة

13 ابريل 2024
فيتون سوروي أثناء محادثات السلام في باريس بين كوسوفو وصربيا عام 1999 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فيتون سوروي، بارز في الثقافة، السياسة، والصحافة الألبانية، استفاد من نشأته المثقفة وتجاربه الدبلوماسية خلال تفكك يوغسلافيا وحرب كوسوفو. أسس جريدة "كوها ديتوره" وحزب "أورا"، وتوجه لاحقًا نحو تأسيس "نادي السياسة الخارجية".
- ساهم بكتابات وتحليلات حول الشرق الأوسط، مشاركًا في محاولات التفاوض بين "فتح" و"حماس"، واستضافة المعارضة السورية، وأثرى المكتبة الألبانية بروايات وكتب تحليلية حول كوسوفو والعدالة الانتقالية.
- في مقالته "أوكرانيا وغزة: بحثا عن المبدأ"، ينتقد سوروي موقف كوسوفو من الحرب في أوكرانيا وغزة، مشيرًا إلى التناقض في دعمها لإسرائيل مع تجاهل حقوق الفلسطينيين، ما يعكس تحديات السياسة الخارجية والهوية الوطنية.

فيتون سوروي Veton Surroi اسمٌ معروف في العالَم الألباني بخبرته الغنيّة في الثقافة والسياسة والصحافة، بحكم نشأته في أسرة مثقّفة ونشاطاته الدبلوماسية، خلال تفكّك يوغسلافيا وصولاً إلى حرب عام 1999 واستقلال كوسوفو. ولد فيتون سوروي عام 1961 في بريزرن (عاصمة ولاية كوسوفو العثمانية)، لأب صحافيٍّ وروائي معروف هو رجائي سوروي. أصبح سفيراً ليوغسلافيا التيتوية في إسبانيا، والمكسيك، وبوليفيا وكوستاريكا، ونائباً لوزير الخارجية اليوغسلافية خلال 1981-1983.

هكذا ترعرع فيتون في أميركا اللاتينية، وتخرّج من قسم اللغة الإنكليزية وآدابها في "الجامعة الوطنية المكسيكية". وبعد عودته إلى يوغسلافيا، اشتغل أولاً في الصحافة، ثمَّ شاركَ في النشاط السياسي لتأمين الانتقال الديمقراطي ليوغسلافيا. في عام 1997، أصدر ورأسَ تحرير جريدة "كوها ديتوره"، التي أصبحت ولا تزال الصحيفة الكوسوفية الأوّلى، كما شارك في مفاوضات "رامبوييه" بفرنسا لتجنّب الحرب في 1999. وبعد الحربِ، شارك في تجربة كوسوفو الديمقراطية، حيث أسّس في 2002 حزب "أورا"، الذي حمله إلى البرلمان خلال 2004-2008، ولكنّه اعتزل العمل السياسي بسبب الأجندات الشخصيّة لأحزاب السلطة.

في الفترة اللاحقة، أسّس "نادي السياسة الخارجية"، الذي استضاف فيه شخصيّات من "مناطق النزاعات"، كما زار عمّان في 2009، للمشاركة في ندوة لـ"مركز القدس للدراسات السياسية"، وزار الأراضي الفلسطينية، حيث قدّم خلاصة تجربته التفاوضية للفلسطينيّين. ومع تأكيده على توظيف العامل العسكري في المسار السياسي التفاوضي، حاول جمع ممثّلي "فتح" و"حماس" في ندوة في بريشتينا خلال 2011، ولكنّه فشل في ذلك، واستضاف وفداً للمعارضة السورية في 2012 للتعرّف على واقع الحال، وكتبَ عن قضايا الشرق الأوسط خلال السنوات اللاحقة في عمود الرأي الذي احتفظ به في جريدة "كوها ديتوره"، ومن ذلك "الدرس البلقاني لسورية المبعثرة" وغيره.

إضافة إلى ذلك كله، عُرف عن فيتون سوروي انشغاله في الكتابة سواء في الروايات، مثل: "الميلياردير" (2013) و"تحديد حب ماري جوني" (2016)، إضافة إلى العديد غيرها. كما أنه ألّف كتباً يشرّح فيها الواقع الكوسوفي بعد الشعارات الكبيرة التي حملتها السلطة الجديدة، مثل: "أرجل الثعبان" (2014)، إضافة إلى أُخرى عن تجارب العدالة الانتقالية بالاستناد إلى حالة يوغسلافيا، مثل: "الغوريلات التي لم نرها" (2017).

من هنا، كان كلّ ما يكتبه فيتون سوروي يُقرأ باهتمام في المحيط الألباني خصوصاً، والأوروبي عموماً، لا سيما أنه مستشار لرئيس الحكومة الكوسوفية ألبين كورتي، الشخصية اليسارية التي بقيت في المعارضة حتى عام 2021.

وفي مقالته الأخيرة بعنوان "أوكرانيا وغزّة: بحثا عن المبدأ"، الذي نُشر في جريدة "كوها ديتوره" بتاريخ الثالث من آذار/ مارس 2023، ينطلق فيتون سوروي من "الموقف العجيب" الذي تتبنّاه كوسوفو الرسميّة من الحرب الدائرة في أوكرانيا وغزّة ، مع تسليمه بأنَّ هاتين الحربين "يمكن أن تنتهيا إلى توازنات جيوبوليتيكية جديدة لأجل طويل".

كاتب ودبلوماسي مخضرم يرمي حجراً في المياه الراكدة
 

كان الموقف الكوسوفي من الحرب في أوكرانيا فوريّاً بسبب عاملين متداخلين. فهناك، أوّلاً، التناغم بين روسيا وصربيا التي لا تزال ترفض تطبيق العقوبات الأوروبية على روسيا، والذي يقوم على أنَّ "روسيا وُلدت في أوكرانيا، وصربيا وُلدت في كوسوفو"، وأنَّ كلّ دولة تستعيد تاريخها بسعيها لاحتلال الدولة المجاورة لها. ومن ناحية أُخرى، فإنَّ الدولة الكوسوفية مدينةٌ بوجودها المستقّل إلى تدخّل الولايات المتحدة، ودول أوروبا الأعضاء في "حلف الناتو" في حرب عام 1999، لوقف المجازر التي ترتكبها القوات الصربية في كوسوفو، وإنشاء إدارة دولية أفضت إلى إعلان كوسوفو استقلالها في عام 2008.

ومن هنا، فإنَّ أيّ موقفٍ سياسيّ للتحالف الغربي يسري فوراً على كوسوفو التي تعتبر نفسها جزءاً من هذا التحالف. أمّا المفارقة في "الموقف العجيب" لكوسوفو بين الحرب في أوكرانيا والحرب في غزّة، فهي أن كوسوفو أدانت فوراً العدوان الروسي على أوكرانيا ورحّبت بكل من يأتيها من لاجئين، على الرغم من أنَّ أوكرانيا لم تعترف باستقلال كوسوفو ولا تقيم معها أية علاقة دبلوماسية. والأهم من ذلك أنَّ الرئيس الروسي بوتين صرّح بعد استقلال كوسوفو في 2008 أنَّ الأمر نفسه يمكن أن تقوم به القرم وأقاليم أخرى في أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا، وهو ما حصل لاحقاً بإخراج روسي.

وضمن هذا السياق بالانتماء إلى المعسكر الغربي، سارعت كوسوفو الرسمية في يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى إعلان تأييدها "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، على حين أنَّ كوسوفو صمتت في اليوم التالي "إزاء العقاب الجماعي للفلسطينيّين". فقد "تعرّض الأطفال والنساء والرجال للقصف وقتلوا بواسطة البنادق والقنّاصة وطردوا من منازلهم بعد أن سوّيت بالأرض، كما مات من الجوع الأطفال الذين ولدوا لتوّهم، والأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس، والأطفال المسجّلون في المدارس لأنّه لم تعد موجودة المدارس ولا البيوت ولا المدينة، بل أكوام من الأنقاض التي كانت تؤوي مليونين من السكان".

ويستغرب فيتون سوروي هنا من أنَّ كوسوفو التي أعطت "إسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها" في اليوم الأول "لم تعط خلال الأيام والأسابيع اللاحقة "الحقَ بالحياة للفلسطينيّين أولاً، ثم الحق بالحياة الكريمة حسب رغبتهم الجماعية".

بالاستناد إلى خبرته السابقة، التي جعلته يصرّح في عمان عام 2009 بأنَّ المستوطنات الإسرائيلية لم تدع مجالاً كافياً للفلسطينيّين ضمن "حل الدولتين" المرفوع من سنين، يقول فيتون سوروي أنَّ ما تقوم به الدبابات الإسرائيلية في غزّة قد بدأ قبل أكثر من سبعين سنة، ولكن الفارق الآن في غزة "انهم يقومون أمام كاميرات التلفزيون بممارسة العنف غير المسبوق ضمن العقاب الجماعي للفلسطينيّين". وهكذا في الشهر الأول من الحرب على غزّة، وبذريعة "الحرب ضد حماس"، كما يضيف سوروي، فقد "قُتل من المدنيّين الآلاف، أي أكثر مما قتل خلال سنتين من الحرب في أوكرانيا، وخلال سنتي الحرب في كوسوفو" 1998- 1999.

سفارة كوسوفو في القدس تتناقض حتّى مع "هويتها الأوروبية"
 

في هذا السياق، يرى سوروي أنَّ الألبان في كوسوفو الذين يعتبرون أنفسهم ضحية لـ"الإبادة الجماعية" خلال 1998- 1999، لو لم تتدخّل قوات الناتو، يجدر بهم ألّا يؤيدوا "إسرائيل" في ما تقوم به في غزّة "بل أن يؤيّدوا حق الفلسطينيّين في الحياة". ولكن إذا كان البعض يتلكأ بحجّة أنَّ السلطة الفلسطينية لا تعترف بعد باستقلال كوسوفو لأجل مراعاة صربيا، فإنَّ هذه الحجّة لا تستوي نظراً لأنَّ الموقف الكوسوفي المؤيّد لأوكرانيا، منذ اليوم الأول، قد استمر بحرارة على الرغم من أوكرانيا لم تعترف حتى الآن باستقلال كوسوفو.

يخلص سوروي لحلّ هذا التناقض في "الموقف العجيب" لكوسوفو إلى أنّه كما قامت قيادة كوسوفو بتأييد حق أوكرانيا و"اسرائيل" بالدفاع عن النفس، فيجب عليها أيضا أن "تؤيّد حقّ الحياة للفلسطينيين في غزّة، والحقّ بالتحرّر لكل الشعب الفلسطيني من الاحتلال".

وفي النهاية، يشير سوروي إلى مفارقة تتناقض فيها كوسوفو حتّى مع هويّتها الأوروبيّة المُعلَنة، ألا وهي افتتاح سفارة لها في القدس المحتلة في عام 2021 "التي وُضعت هنا في ظروف معقدة بضغط من الرئيس ترمب". صحيح أنه احتُفي آنذاك بافتتاح "أوّل سفارة لدولة مسلمة"، إذ في مثل هذه المناسبات تُذكر كوسوفو بكونها أوّل دولة أوروبية بنسبة 95 بالمائة من المسلمين، ولكنَّ سوروي يشير هنا إلى المفارقة الفاقعة: "لا توجد في القدس أيّة سفارة لدولة أوروبية، وهذا يتناقض مع الهوية الأوروبية لكوسوفو، ومع سياسة الاتحاد الأوروبي، التي ضمّها مؤخراً إلى منطقة الشنيغين".


* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

كتب
التحديثات الحية

المساهمون