ماذا حدث في الكوخ؟

ماذا حدث في الكوخ؟

25 ديسمبر 2017
+ الخط -
نبتة نتنة انبثقت على حافة واد ملوث، في غفلةٍ من عمال تكرير مياه الصرف الصحي، صبار انشقت الأرض، لتتنفس فخرج قسرا، طفيلي بزغ في ماء راكد، خطأ غير مقصود من شخصين وجدا في علاقة إشباع غريزة، مطر أسود لامس أرضا ملوّثة، تجرّع حليب أم لا يعرفها قبل حليب أمه البيولوجية كعلقم أو عصير زقوم أو حمم بركانية مصفاة أو قيء صدئ.. ما الذي تنتظره منه، أن يكون عالما؟ مفكرا؟ أديبا؟ فنانا؟ بعدما أُغلقت كل السبل الجميلة في وجهه، بعدما لونت حياته بالشقاء.
يستيقظ كل صباح، ليتبول على الأساطير والخرافات التي بنيت بعرق جبين أمثاله، خدمة لآخر يملك الواقع والخيال والخرافة. يلف سجائره بوثائق تاريخية، تمتهن القوادة خدمة لأسرٍ عاشت هناك، وامتد أثرها إلى هنا، القليل من الحشيش وبعض الجمل المركبة لينسى أنّ وجوده لملء الفراغ فقط. قنبلة اجتماعية موقوتة، صنعها المجتمع، لتنفجر في وجه أعدائه يوما ما. نضجت القنبلة، وتشكلت ذريةً كافرة بدين المجتمع، علمت من العدو قبل جر خيط التفجير بلحظات.
قبل تناول غدائه، ينظر إلى الفراغ المكتظ بذكريات العظماء الاصطناعية، يسخر منهم، يقزمهم، يصفهم بالشذوذ في بعض الأحيان، لأن من وضعهم هناك، أقصى أمثاله باعتبارهم بيادق في رقع شطرنج، لا دور لهم إلا التضحية من أجل خلود العظماء.
عند خروجه إلى العمل، يشمئز من لفظة البروليتاري التي صنعت من أجل أن يتبادل بعضهم الأدوار، من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين، بينهما فترات توافق ومسرحيات تمثيلية وحفلات تنكرية. الراقصة تغيّر ثيابها باستمرار، والجمهور أعينه شاخصة في الجسد، لا يهمه شكل الثياب أو ثمنها، ولا رمزية الحركات، كل شخص يتخيلها جاريته، لكن الجميع جواري في خيمة الخليفة. من يدفع ثمن كل شيء؟
يعتصر الطفيلي من القوانين ماء حياة، يشربه أسفل كفتي ميزان المحكمة، لعله يتوصل إلى سبيلٍ لفهم قانون وضعه بعضهم ليطبق على آخرين. لا عيب في الميزان، ما دام المتحكم فيه يتقمص دور الأعمى، أو على عينيه غشاوة مصرفية.
يتأفف الطفيلي من الدعاء، كي لا يزاحم كهنة المعابد الذين يسترزقون بصلواتهم، ربما تكون دعوته تعترض طريق دعوة تمثل اللبنة الأخيرة في منزل أحدهم، أو عجلة في سيارة، أو قنينة مرصعة باللازورد بعد نوم الملائكة. أو عازلا طبيا لهتك عرض مؤمنةٍ بعد غسل دماغها بالطلاسم.
قبل أن يغفو الليل في المخدّة، وأن يجف ذوبان النجوم في السرير المشع بنور النيازك، يحرّر جيوش تشبهه كانت على أهبة الاستعداد للخروج إلى الحياة. قطع وعدا على نفسه، منذ تمكّن من معرفة "القالب" المعنوي المزروع في مؤخرة ظهره ألا يكرّر خطأ والديه. لا داعي لإغراق العالم برؤوسٍ لا تصلح إلا لعدّ الأصوات وعمليات إحصاء القطيع وملء الكراسي في المهرجانات الخطابية. وضعهم في الطريق المؤدي إلى المجاري المائية وأنشد: اذهبوا أبنائي، أنتم طلقاء، لتنعموا باللاوجود، استمتعوا بالانفلات من الخروج إلى الورطة، أخبروا جدكم أني أصلحت زلته.
يقتات على الهامش، يتجرّع النفايات الاجتماعية، يلد الكوابيس وأفلام الرعب. لغم ينتظر من يضع رجله عليه، لينفجر في وجهه، قلبه مضخة حقد اجتماعي، يمقت الميسورين ماديا، وحتى الفقراء يكرههم لأنه منهم. يتمنى لو يستيقظ، ويجد العالم بدون فقراء، أخذتهم رجفة مثلا، كي يشعر الأغنياء بمدى رتابة الحياة بدون انعِكاسهم المشوّه.
مشاعره اسوّدت، قصة حبه الغريبة شاهد من أهلها على صدق أقوال الراوي، أحبّ فتاةً لا يعرفها ولا تعرفه، التقيا كثيرا في خياله، تصارحا بالحب، التهمَا الرضاب، نزعَا الثياب، وغاصَا في بيت شعري جميل، تجرّدا من قيود اللغة، ومارسا الحب تحت سماء الاستعارة. تبخّرت الكلمات، تلاشت رمزيتها، حل اللقاء في الواقع، اشمأزت الفتاة من حالته الرثة. لعبَت الطبقية الاجتماعية لعبتها، تحرّك المنطق في رأس الفتاة قبل أن يستيقظ الوجدان، فتحول منطاد الحب داخله إلى كره مميت. ارتفع مؤشر البغض في بُورصته، كبر وشاخ، واكتسب تجربة. الطفيليات مثله تعيش على ما خلّفه المجتمع من أحاسيس مستعملة، وغالبا ما تكون بالية.
وجد الحل ربما، الهروب في ثقافةٍ شعبيةٍ بصمت في جناته ضرب من الشجاعة، اتجه إلى غرفة مظلمة مهجورة جانب روضة اكتظت بالأموات الأحياء، قرّر شنق نفسه وترك حصته من الأوكسيجين لغيره، يعتبر نفسه عالة على العالم، حمل زائد، ورم سرطاني يجب اجتثاثه. في غياب المكلف بذلك، وانشغال العالم بالماركات التجارية، قرّر الورم اجتثاث نفسه قبل أن يصاب بوباء الحياة. تعاقبت الدقائق، والموت ينتظر خارج الكوخ أن يتوغل الخيط عميقا في جيده، لم يمت الطفيلي، وخاب أمل الموت.
خرج من الكوخ إنسانا آخر، حيّا ربما، انقلبت حياته رأسا على عقب، أصبح مطمح كل فتيات العالم. من نفاية اجتماعية ارتدى عباءة الأمراء، من طفيلي تحول إلى زهرة اللوتس. من رائعة القيء والبراز والأزبال إلى رائحة الياسمين الزئبقي.
لكن، ما الذي جرى في الكوخ بالضبط؟ هو السؤال الذي حيّر الراوي.
13A7D85F-A336-4E2A-9594-0D759F5F666F
13A7D85F-A336-4E2A-9594-0D759F5F666F
المغرب
المغرب
المغرب