لبنان: العونيون يستغلون الفراغ و"حقوق المسيحيين" لطرح تعديل الدستور؟

لبنان: العونيون يستغلون الفراغ و"حقوق المسيحيين" لطرح تعديل الدستور؟

07 سبتمبر 2016
تصريحات العونيين تشي بأنهم يتمسكون بالقانون الأرثوذكسي(حسين بيضون)
+ الخط -
لم يعتقد واضعو ما يُسمى بـ"القانون الأرثوذكسي"، بأن مفاعيله قد تستمر لسنوات في لبنان. فاقتراح القانون الذي يدعو لأن ينتخب كلّ مذهب ممثليه إلى مجلس النواب، أسّس لخطاب سياسي يتبناه التيار الوطني الحرّ بشكلٍ علني، والقوات اللبنانيّة بطريقة غير علنية. اللافت أن هذا الاقتراح خرج من "نخبة" أرثوذكسيّة، وهو ما يُعاكس مسار "الأوساط الأرثوذكسية" في المنطقة، التي نظرت على مدى عشرات السنوات للقومية العربية واليسار، وأسست أحزاباً مثل "البعث" في سورية والعراق.

أول من أمس، أعلنت وفاة جولة الحوار الأخيرة، التي امتدت على مدى 21 جلسة. ربما كان يُفترض أن تُعلن وفاة هذا الحوار منذ أشهر، بعد تحقيق هدف انشائه، وهو استيعاب حراك المجتمع المدني الذي انطلق الصيف الماضي. وأطلق رئيس مجلس النواب، نبيه بري، هذه الجولة الحواريّة في مهرجان تغييب الإمام موسى الصدر في 31 أغسطس/آب 2015، أي عندما كان الحراك المدني في أوجه، خصوصاً بعد تظاهرتي 22 و29 أغسطس/آب 2015.

شعرت معظم قوى السلطة حينها، بخطر من خارج منظومة الطوائف. لم تكن القاعدة الاجتماعيّة أو قدرة الحشد والتنظيم هي عنصر القوة للحراك، بل إن عدم معرفة طبيعته وكيفيّة تحرّكه، وانبثاقه من خارج السياق التقليدي للقوى السياسيّة، هو ما شكّل خطراً بالنسبة لقوى السلطة. اجتمعت هذه القوى حول طاولة الحوار رغم خلافاتها العميقة. انتهى الحراك، فلماذا يبقى الحوار؟

جاءت نهاية الحوار الوطني، مكملة لخطاب المشروع الأرثوذكسي. حديث عن الميثاقيّة، وحقوق المسيحيين، ومحاولة إلغاء جديدة للخصوم داخل الطائفة المسيحيّة، عبر القول إنهم لا يُمثلون سوى ستة في المائة من المسيحيين. وتوّج رئيس التيار الوطني، الوزير جبران باسيل، هذا الخطاب بتصريح لإحدى الصحف المحلية قال فيه: "نحن تعاقدنا مع الشريك المسلم على أساس قواعد معينة للشراكة، وأنا أريد أن أعرف ما إذا كان هذا الشريك لا يزال يحترم هذه القواعد أم لا"؟

يقصد باسيل "سنّة لبنان" عندما يتحدث عن "الشريك المسلم"، وليس "اللبنانيّين الشيعة". العلاقة مع حزب الله تكرّس هذا الأمر. وهناك "20 نائباً مسيحياً يُصادرهم تيار المستقبل"، يقول أحد أعضاء الحلقة الضيقة في صياغة سياسة التيار الوطني الحرّ. ليس مهماً إذا ما كان هذا الأمر صحيحاً أم لا. المهم في هذا المجال تكريس مقولة إن "السنيّة السياسيّة صادرت وتُصادر حقوق المسيحيين في لبنان". بدأ هذا الأمر برأي العونيين، منذ أن "صادر اتفاق الطائف صلاحيات رئيس الجمهوريّة وبدل أن يُعطيها لمجلس الوزراء، صادرها رئيس الحكومة".


يرفع العونيون اليوم شعار "حقوق المسيحيين". يختلفون في هذا الشعار مع قوى مسيحيّة أخرى. من أبرز خصومهم اليوم، تيار المردة، الذي كان الحليف المسيحي الأول لهم. لا يرى مسؤولون عونيون في ابتعاد "المردة" عنهم خسارة، "خصوصاً أننا كسبنا علاقة متينة ومباشرة مع القوات اللبنانيّة، بينما كانت العلاقة مع المردة انطلاقاً من كونه حليف حزب الله"، بحسب أحد المسؤولين العونيين. التقارب مع القوات اللبنانيّة بدأ عند طرح المشروع الأرثوذكسي على طاولة البحث. عندما توترت العلاقة بشكلٍ كبير بين "القوات" وتيار المستقبل"، ولا يزال مسار الاختلاف بين الحزبين متصاعداً، في ظلّ "ربط نزاع" بين "القوات" وحزب الله، وربما أكثر بعدما انتشرت صورة للقاء جمع نائباً من القوات اللبنانيّة مع آخر من حزب الله، وهي صورة، أكّدت ما كان يُقال في الصالونات المغلقة عن حوار بين الطرفين. لا بل إن النائب أنطوان زهرا، اعتبر في حديث إذاعي قبل أيام، أن البيئة الاجتماعية لحزب الله تتشابه مع بيئة القوات اللبنانيّة الاجتماعية.

يُردد المسؤولون العونيون أن لا بديل عن انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية وإقرار قانون جديد للانتخابات النيابيّة يحفظ حقوق المسيحيين. ما هو هذا القانون؟ لا يملك أحد جواباً واضحاً. فحتى اليوم لا تزال الاختلافات بين الكتل النيابيّة عميقة. ومن يطلع على مداولات اللجان النيابيّة التي ناقشت وتناقش قانون الانتخاب، يُدرك أن الاختلاف أكبر من أن يُردم من دون عامل غير استثنائي. أحد نواب تيار المستقبل، يقول إن العونيين لا يزالون مصرين على مشروع القانون الأرثوذكسي. تصريحات العونيين تشي بأنهم يرونه القانون الأمثل.

بعد أشهر قليلة، تحديداً في فبراير/شباط المقبل، يُفترض أن تتم دعوة الهيئات الناخبة من قبل وزارة الداخلية. هل ستتم الدعوة بناءً للقانون الحالي، أي قانون الستين المرفوض من مروحة واسعة من القوى السياسيّة؟ يؤكّد العونيون أنهم لن يسيروا في انتخابات وفق قانون الستين. في الوقت عينه، تبدو الانتخابات النيابيّة قبل انتخاب رئيس للجمهوريّة نوعاً من المغامرة، إذ إنه في هذه الحالة قد لا يُنتخب رئيس لمجلس النواب، ولا يُمكن تشكيل حكومة جديدة، بما أن رئيس الجمهوريّة هو المكلّف إجراء استشارات نيابيّة. بعض النواب بدأ يتحدث عن تمديد ثالث للمجلس النيابي. التيار الوطني الحرّ وحزب الكتائب يؤكدان رفضهما للتمديد. لا يُمانع العونيون وجود فراغ في المجلس النيابي، بعدما تحمّلوا مسؤولية الفراغ في رئاسة الجمهوريّة.

ما الحلّ إذاً، مع الإشارة إلى أن حكومة تمام سلام تعيش وضعاً صعباً مع تزايد الدعوات لاستقالتها وتهديد وزراء فيها بالاستقالة إذا أصر العونيون على خطابهم، مع العلم أنهم يُهددون بدورهم بالاستقالة؟ مؤتمر تأسيسي، يقول أحد المقربين من عون. يعتبر الرجل أن المسيحيين لن يتمسكوا بدستور لا يُعطيهم حقوقهم. لكن هل يُمكن تعديل الدستور في ظلّ الظروف الحالية؟ وهل هذا ممكن من دون جولات من العنف الأهلي؟ يجيب أحدهم ساخراً: يتصرف العونيون وكأن فائض القوة الذي يملكه حزب الله، مجيّر لهم.