ألمانيا بعد الإخفاقات الأمنية: مطالبات بفك القيود عن الشرطة

ألمانيا بعد الإخفاقات الأمنية: مطالبات بفك القيود عن الشرطة

27 ديسمبر 2016
يحتاج المشتبه به إلى 30 شرطياً لمراقبته(بيرند ثيسن/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال ألمانيا مشغولة بحادثة الدهس التي استهدفت سوقا ميلاديا في برلين الأسبوع الماضي، وبعد تمكن منفذها التونسي أنيس العامري من الفرار، وسقوطه قتيلا على يد أجهزة الأمن الإيطالية في مدينة ميلانو الجمعة الماضي. وجاءت التقارير والمعلومات التي تم تداولها في الإعلام الألماني عن إخفاق السلطات الأمنية لتزيد من الضغط على الأجهزة الأمنية من جهة، وهي التي توالت إخفاقاتها أخيراً، والسلطة السياسية من جهة أخرى لتعديل القوانين والمراسيم المرتبطة بالأمن والسلامة العامة، وعدم الاكتفاء بخطابات الدعم من على المنابر.

ويبدو واضحاً أن هناك ضغطاً على السلطات السياسية المعنية لاعتماد تعديلات وصيغ قانونية جديدة لتسهيل عمل ودور الأجهزة في الظروف الحالية، ومنها مكافحة الإرهاب وزيادة مدة التوقيف الاحتياطي والمراقبة اللصيقة للأفراد المشتبه بهم، وزيادة عديد قوات الشرطة وتطوير معداتها وتسليحها لتعقب المشتبه بهم. وأظهرت التقارير أن كل مشتبه به بحاجة إلى 30 عنصر شرطة لمراقبته، في ظل قدرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية عبر مجموعات، أو عبر ما بات يعرف بالذئاب المنفردة، داخل ألمانيا وأوروبا، في وقت تقدر فيه السلطات الألمانية عدد الارهابيين المحتملين بـ 550 في ألمانيا، بينهم 73 في برلين، البعض منهم ما زال خارج البلاد أو قيد الاحتجاز، فيما عدد منهم قيد المراقبة.

وتأتي كل تلك المطالب بعد ما تبين، بحسب ما ذكرت تقارير صحافية، أن السلطات كانت على علم بتحركات العامري، وعلاقته بالشبكة السلفية التي يتزعمها ما يعرف بـ"أبو الولاء"، والتي تم توقيف أفرادها خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالإضافة إلى التوقف عن مراقبة العامري منذ سبتمبر/ أيلول. وتشير آخر التحقيقات حول عملية برلين إلى أن العمل منكب حالياً على تتبع خيوط تثبت تورط جهات أو أفراد كان الجاني على تواصل معهم قبل العملية وبعدها، كما واستكشاف الطريقة التي غادر بها برلين، وعما إذا ساعده أحدهم على الهرب. وتنسق برلين مع روما، التي استقبلت وفداً من مكتب مكافحة الجريمة الاتحادي للاطلاع على مزيد من المعطيات والمعلومات حول تحركات العامري، علماً أنه تم الإعلان أخيراً عن ضبط هاتفه الخليوي في مسرح الهجوم.


وذكرت القناة الألمانية الأولى، في تقرير بثته أخيراً، أن الاستخبارات الألمانية استطاعت تجنيد مخبرين ضمن الشبكة. واشارت إلى أنه وفي أحد التقارير السرية، أفاد الشخص الموثوق من قبل مكتب التحقيقات في ولاية شمال راين وستفاليا أن العامري أعلن عن رغبته بتنفيذ هجوم بسلاح حربي على الأراضي الألمانية. وذكر التقرير أيضاً أن منفذ حادثة الإثنين الدموي في برلين، وصل إلى العاصمة من مدينة دورتموند برفقة المخبر، الذي أبلغ مكتب الاستخبارات أن العامري سيقوم بفعلته "عملاً بأوامر الله". هذا مع العلم أن تقارير أشارت إلى أن الاستخبارات المغربية كانت حذرت السلطات الألمانية من العامري. كما تلقت خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تحذيراً مفصلاً من وكالة الأمن القومي الأميركي بشأن هجمات مخطط لها، وعلى وجه التحديد مع شاحنات، حسب ما كتبت صحيفة "فيلت" أخيراً.

أمام كل هذه المستجدات، يقول خبراء ألمان في شؤون الأمن والإرهاب، إنه إذا صحت تلك الأخبار فإن النقمة على المسؤولين ستزداد، وسيصار إلى الضغط من أجل تعديل سريع للقوانين والأنظمة السارية حالياً، لكون قادة الأجهزة والمكاتب الأمنية يشكون دائماً من القيود القانونية المتعلقة بالشق الأمني، والتي تعيق عملهم تحت مسميات الديمقراطية والحريات العامة. وأكد وزير الداخلية، توماس دي ميزيير، هذا الأمر، في مقابلته مع صحيفة "بيلد" أول من أمس، أن على المحققين العمل وفقاً للقوانين المعمول بها، مشيراً إلى أنه لا إمكانية كافية لمراقبة كل الأشخاص المصنفين خطرين على مدار الساعة. وقال إن "الحكومة تفتقر لبعض القوانين النافذة التي تتطلب المصادقة عليها من السلطة التشريعية، ومنها مسألة السوار الإلكتروني". وكشف أن السلطات وافقت أخيراً على عدد من التدابير التي سيتم تطبيقها للحفاظ على الأمن، منها تسهيل أعمال المراقبة بالفيديو في الأماكن العامة التي ستساهم بدورها وبطريقة هامة في مكافحة الجريمة، كما أن هناك توجهاً لاستخدام آلية التعرف على الوجه، مطالباً القضاء بإصدار أحكام قاسية. ووعد وزير العدل، هايكو ماس، في تصريح بعد اعتداء برلين، باتخاذ قرارات خلال يناير/كانون الثاني المقبل، تسمح بمراقبة الأشخاص الذين يشكلون خطراً على البلاد، بالإضافة إلى اعتماد آلية تسهل طرد المهاجرين الذين لا يملكون حق اللجوء.

وكان استطلاع للرأي، أجراه الأسبوع الماضي معهد "يوغوف لقياس مؤشرات الرأي"، بطلب من وكالة الأنباء الألمانية، بيّن أن 73 في المائة من 2083 شخصاً تم استطلاع آرائهم، أيدوا زيادة عديد قوات الشرطة، فيما أبدى 60 في المائة منهم موافقتهم على عمليات المراقبة بكاميرات الفيديو في الأماكن العامة. ودعا واحد من كل إثنين من المشاركين إلى توسيع صلاحيات الجيش الألماني لتشمل مهمات حفظ الأمن والنظام في الداخل، علماً أن القوانين تجيز ذلك إنما في إطار ضيّق ومحدد، في حال تعرضت البلاد لهجمات واسعة وخطر داهم، وبطلب من قوات الشرطة. يشار إلى أنه سينظم تدريب مشترك بين الجيش والشرطة خلال مارس/آذار المقبل، بهدف تنسيق التعامل مع هجمات إرهابية محتملة.

ويقول خبراء في الشؤون الأمنية والسياسية الاستراتيجية إن "تطبيق سيادة القانون يحتاج أولاً إلى الثقة التي لا يفترض أن تصطدم بالضرورات العملية للمبادئ القانونية والسياسية"، وذلك على غرار ما حصل من تجاهل للديمقراطية من قبل القضاة الأميركيين في حالات الطوارئ أيام حكم توماس جفرسون وإبراهام لنكولن، اللذين انطلقا من فكرة أنه "في حالات الطوارئ لا يمكن العودة الى سيادة القانون". ويضيف الخبراء "كيف لنا أن نحرر اللاجئين من الخطر من دون أن تكون بحوزتهم أوراق ثبوتية ونبقي على مشتبه بهم بالإرهاب بحجة عدم الاستحصال على أوراق أو عدم اعتراف دولهم بهم على حساب أمن المواطن". ويؤكدون أن الإرهاب يشكل تهديداً مشتركاً لجميع من يعيش في ألمانيا، وأن "الإرهاب الإسلامي" يتطلب التركيز والحفاظ على المعلومات المتاحة للوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة، مشيرين إلى ما جاء على لسان المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل أخيراً بأن قضية العامري ستبقى محل تساؤلات كثيرة، كونها لا ترتبط بالاعتداء فحسب، إنما منذ دخوله ألمانيا في يوليو/تموز 2015. لكن في المقابل، يؤكد المراقبون أن ما لا يمكن أن يفهمه الرأي العام بسهولة هو أن "الأنظمة القانونية هي المسؤولة عن ضمان إمكانية ارتكاب الإرهابيين جرائمهم، والمطلوب البحث عن الأخطاء الموجودة في أساليب السلامة، وعدم الشعور بالعجز أمام قوى الظلام". رغم ذلك تبقى ردة فعل المواطنين الهادئة محط تقدير من المسؤولين والمعنيين، وهو الأمر الذي برهنوا من خلاله عن التزام جريء بالحرية والإنسانية، بهدف عدم إفساد العيش المستقل في مجتمع منفتح حر من دون السماح للإرهاب بتقويض وزعزعة استقرار الديمقراطية الليبرالية.