Skip to main content
عنصرية وكراهية وقتل... أتراك يخشون اللاجئين السوريين
عدنان عبد الرزاق ــ إسطنبول
يخشى بعض السوريين في تركيا الترحيل القسري (أوزان كوسه/ فرانس برس)

لم تحدّ المساعي إلى التوعية حول خطورة خطاب الكراهية الذي يتعرض له السوريون في تركيا من الحوادث العنفية. وحمّل بعضهم الحكومة والمنظمات المسؤولية بسبب عدم اهتمامها الكافي بالحد من هذا الخطاب.

تزداد مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا في ظلّ تنامي خطاب الكراهية ضدهم إلى حدّ بات يهدّد حياتهم، وقد سجّلت البلاد حوادث قتل عدة، كان آخرها في السادس من يونيو/ حزيران الجاري إذ أقدم ستة شبان أتراك على قتل اللاجئ السوري شريف خالد الأحمد (21 عاماً) في منطقة باغجلار في إسطنبول، والذي تلا الاعتداء العنصري مطلع الشهر الجاري على ليلى محمد (70 عاماً) التي تعرضت للضرب على وجهها بولاية غازي عنتاب.

ويخشى سوريون الترحيل القسري لأسباب يعتبرونها "مدبّرة" كإقامة دعاوى قضائية ضدّ لاجئين بسبب إزعاج الجوار أو إقامتهم بولايات غير تلك التي لجأوا إليها ومنحتهم بطاقة الحماية المؤقتة. في هذا الإطار، يطالب هؤلاء بمن يدافع عنهم وحقّهم بالعيش بعيداً عن مخاطر الاعتقال أو القتل في مناطق سيطرة النظام السوري أو "رميهم" إلى شمال غرب سورية، حيث تغيب الخدمات ومقومات العيش.

في هذا الإطار، يقول الناشط السوري في الدفاع عن حقوق اللاجئين طه غازي إنه يجب حماية اللاجئين السوريين وكشف الأكاذيب والحد من خطاب العنصرية والكراهية الذي يهدّد المجتمع التركي. ولا يقع الأمر على عاتق الحكومة التركية فحسب، على الرغم من دورها الأساسي كونها الناظمة للقوانين والعقوبات ويتوجب عليها حماية وإنصاف كلّ من هم على أرضها، بل تتحمّل المنظمات الحقوقية والإنسانية جزءاً كبيراً من المسؤولية كونها أكثر قرباً من الشارع وتمثّل كلّ أطياف المجتمع وليس النهج الحكومي فقط. ويشير إلى عشرات اللقاءات والندوات التي أقيمت أخيراً وشارك فيها سوريون وناشطون ناقشوا قضايا اللجوء وحقوق السوريين، وقد نظمها تجمع ومنتدى حقوق الإنسان والأمن الاجتماعي في إسطنبول. كما بحثت القرارات التعسفية التي أصدرتها بعض الجهات التركية الرسمية (إدارة الهجرة) كتجميد بطاقات الحماية المؤقتة (الكملك) والترحيل القسري.

لا بدّ من الحد من خطاب الكراهية الذي يهدّد المجتمع التركي (أوزان كوسه/ فرانس برس)

ويوضح غازي في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّه عقدت لقاءات عدة ضمت ناشطين مع أحزاب معارضة ونواب في البرلمان، بهدف تغيير رؤية وسياسة تلك الأحزاب حول ملف اللاجئين السوريين، ومناهضة خطاب الكراهية والعنصرية، مؤكداً على ضرورة استمرار اللقاءات والحوار للحد من الكراهية التي أججها البعض من خلال استغلال الحالة الاقتصادية بتركيا وفترة الانتخابات، وقد غاب تمثيل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية".

ويؤكد غازي أنّ جميع تلك الجهود لا تثمر في حال استمرت الحكومة بالتغاضي عن عنصرية البعض، وغياب تطبيق القانون في حال كان الضحية سوري إلى درجة خشية كثيرين من مراجعة مراكز الشرطة خوفاً من تعرضهم لاعتداء أو الترحيل. كما أنّ جل اللقاءات التي عقدت سابقاً لم تكن نتائجها تصل إلى المواطنين الأتراك كونها باللغة العربية أو تتم بين السوريين أنفسهم.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وفي هذا السياق، ترى الباحثة بجامعة محمد الفاتح، عائشة نور، أنّ اعتماد اللغة العربية يؤثر على تفاعل الشارع التركي، مشيدة في الوقت نفسه بتغيّر اللغة والخطاب وبدء تعاطف الأتراك مع اللاجئين. وتلفت نور خلال حديثها لـ "العربي الجديد" إلى انتشار المعلومات المضللة حول السوريين في الشارع التركي، متهمة الأحزاب المعارضة وبعض شخصياتها البارزة بتأجيج خطاب الكراهية، على غرار رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان ورئيس حزب النصر، أوميت أوزداغ، المعروفين بعنصريتهما وحقدهما على الأجانب الموجودين على الأراضي التركية. وترى أن تلك المعلومات وتصويب الأخطاء وإعادة تقع أيضاً على عاتق المجتمع الأهلي والمنظمات السورية والتركية، مؤكدة أن غالبية الشعب التركي يعارض خطاب الكراهية. إلا أن هذا لا يلغي أن قلة تتبنى خطاب العداء والكراهية، لكنّها الأعلى صوتاً والأكثر جلبة وضجيجاً والأقدر على الحشد، وخصوصاً بين الشباب والعاطلين عن العمل.

ولا تستبعد نور استمرار الأحزاب باستغلال قضية السوريين، بل تصاعدها كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية منتصف العام المقبل، وبالتالي يتوجب على الحكومة والمنظمات العمل على محاربة الكراهية وخطاب العنصرية، وخصوصاً بعد بلوغه مرحلة خطرة في ظل مقتل سوريين وأتراك، وبالتالي تهديد النسيج الاجتماعي وعدم إنصاف المظلومين، وهذا ليس من صفات المجتمع التركي. وتدعو الحكومة والمنظمات إلى ردم الهوة بين السوريين والأتراك لأنّ السوريين مظلومون ولا يمكن إجبارهم على العودة إلى بلادهم مع استمرار القتل والحرب والاعتقال ببلدهم.

ناشطون يتظاهرون ضد النظام السوري في إسطنبول (محمد إيسار/ الأناضول)

وسعياً للحد من خطاب الكراهية، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مؤخراً، لقاء مع عدد من أعضاء المنظمات والمؤسسات السورية والتركية المتخصصة بقضايا وشؤون اللاجئين في تركيا، لمناقشة اتجاهات خطاب الكراهية على المستويين السياسي والاجتماعي، والبحث في أثر وجدوى الجهود المضادة لخطاب الكراهية والمقترحات والحلول الممكنة.

ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عمار قحف لـ "العربي الجديد" إنّ اللقاء ركز بداية على توعية اللاجئين بحقوقهم، وماهية الوسائل القانونية التي تمكنهم من مواجهة ما يتعرضون له من خطاب كراهية، وحوادث عنصرية، وإيجاد تمثيل كتشكيل تجمع للمحامين لدراسة قضايا الانتهاكات التي أثيرت من قبل، والإجراءات التي اتخذت في هذا الصدد وجدواها. وتضمنت الحلول مواجهة الدعاية السلبية التي تشنها بعض الشخصيات والأحزاب المعارضة لوجود السوريين على مواقع التواصل بطريقة متوازنة وعملية، تحد من تأثيرات هذه الدعاية، لأنّ نشر المعلومات والحقائق هو عدو المحرضين الأول لدعاة الكراهية، كما أن العالم الافتراضي يتضمن مبالغات كثيرة "ولا ننكر التقصير بهذا المجال من الجميع، الأتراك والسوريين".

ويشير قحف إلى أنّ بعض المنظمات التركية التي شاركت في اللقاء بينت مدى التضليل على وسائل التواصل، خصوصاً على موقع تويتر، حيث تكثر الحسابات الوهمية. وتحدث بعض المشاركين الأتراك عن خلاصة لقاءاتهم في أحد المؤتمرات حول شبكة الأمان وعدم اللجوء إلى العنف، ودور الهيئات التركية المعنية بتلقي الشكاوى وحماية اللاجئين، بالإضافة إلى البرلمان ورئاسة الجمهورية.

وكان مركز حرمون للدراسات المعاصرة قد استضاف أخيراً، أكاديميين وسياسيين ومحامين أتراكاً معنيين بقضايا اللاجئين وحقوق الإنسان وناشطين وباحثين سوريين، للبحث في أزمة السوريين في تركيا والسيناريوهات المستقبلية.

ويقول الباحث في المركز سمير عبد الله لـ "العربي الجديد" إنّ اللقاء كان مهماً للغاية، كونه استضاف مدير هجرة سابقاً ومديري منصات معنية بالمهاجرين ودحض العنصرية، بالإضافة إلى أكاديميين لتحديد أسباب تنامي خطاب الكراهية قبل البحث بالحلول والتوصيات. يضيف أنّ معظم المنظمات التركية، وخصوصاً تلك الحكومية أو القريبة منها، تركز على الاندماج والمساعدات والتدريب وتعليم اللغة. وهذه المناحي مهمة وضرورية لكنها غير كافية في ظل تصاعد خطاب الكراهية وصولاً إلى القتل. لذلك، لا بد من تفعيل دور المراكز البحثية والمنظمات الأهلية المعنية بتكريس التعايش وتخفيض حدة الكراهية التي تستفيد منها الأحزاب من خلال استغلال الشارع والتركيز على تردي الواقع المعيشي وتحميل اللاجئين السوريين وزر ذلك. كما يلفت إلى تفشي الأكاذيب حول السوريين في تركيا، خصوصاً على وسائل التواصل. ويتحدث عن دراسة يعدها مركز حرمون يوثق فيها تبدل المزاج في الشارع التركي تجاه اللاجئين، وانتشار الحسابات الوهمية التي تبث الكراهية والمعلومات المغلوطة حول السوريين.