Skip to main content
النجاح في الكويت يضرب التعليم... تساهل مبالغ فيه مع تلاميذ الثانوية العامة
خالد الخالدي ــ الكويت
أمام أحد مراكز الامتحانات في العاصمة (ياسر الزيات/ فرانس برس)

 

قبل أشهر، قام جدال في الكويت حول امتحانات الثانوية العامة وسط الوباء. ففي حين طالب كثر بإجرائها عن بُعد، أصرّت السلطات على جعلها حضوريّة. ورغم ذلك أتى النجاح "هائلاً".

سجّلت نسبة النجاح في الثانوية العامة بالكويت هذا العام رقماً قياسياً مقارنة بما كانت الحال عليه قبل أزمة كورونا، وهو أمر يراه تربويون ومهتمون بالشأن التعليمي في البلاد "كارثة كبرى" تستدعي تدخّل الجهات المختصة خوفاً من استمرار التسهيلات المقدّمة للتلاميذ في امتحانات السنوات المقبلة. وقد وصلت نسبة النجاح في الثانوية العامة لعام 2021 إلى 91 في المائة، في حين أنّ نسبة النجاح المعتادة في سنوات ما قبل تفشّي فيروس كورونا الجديد كانت تراوح ما بين 65 و75 في المائة، في أحسن الأحوال، علماً أنّ هذه النسبة كانت تبلغ 50 في المائة فقط في تسعينيات القرن الماضي. ويتّهم تربويون وخبراء في السياسات التعليمية وزارة التربية بتقديم تنازلات للتلاميذ الذين احتجّوا على إصرار الوزارة على إجراء اختبارات ورقية بدلاً من اختبارات بنظام التعليم عن بُعد كما كان مقرراً. يُذكر أنّ التلاميذ الكويتيين وأولياء أمورهم نظّموا وقفات احتجاجية متكررة أمام مجلس الأمة وأمام وزارة التربية، مطالبين بإجراء الاختبارات عن بُعد، وهو أمر من شأنه تسهيل النجاح ورفع نسبته بشكل كبير، لكنّ الوزارة أصرّت على الاختبارات الورقية.

عثمان الشمري، وهو مدرّس لغة عربية في إحدى مدارس الكويت الثانوية ومراقب امتحانات في الثانوية العامة، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما حدث كان مهزلة كبيرة، إذ إنّ أسئلة الاختبارات أتت سهلة جداً وفي متناول جميع التلاميذ، بالتالي لا يمكن من خلالها تمييز التلميذ الجيد من ذلك السيّئ، وهو ما يتنافى مع فكرة الاختبارات أصلاً لتحديد مستوى التلاميذ". يضيف الشمري: "كذلك سُمح للتلاميذ باختلاس النظر إلى أوراق زملائهم، وعندما حاولنا ردعهم، نبّهتنا الإدارة بأنّ ثمّة تسهيلات وليس علينا التشديد عليهم"، مؤكداً أنّه "من الواضح أنّ فكرة التسهيل تعني السماح للتلاميذ بالغشّ بسهولة، وهو ما سوف ينتج لنا تلاميذ لم يتعلّموا شيئاً في المدارس فيدخلون إلى الجامعات ويتسبّبون في كارثة تعليمية على المدى القريب وكذلك البعيد".

بدوره، وتعليقاً على نتائج اختبارات الثانوية العامة والارتفاع الكبير في نسب النجاح هذا العام على الرغم من الاختبارات الورقية، يقول إبراهيم الحوطي، وهو خبير في السياسات التعليمية المقارنة وأحد أبرز المهتمين بالشأن التعليمي في الكويت، إنّ "تضخم الدرجات والنسب الفلكية هو نتيجة لأيّ اختبار سواء أكان ورقياً أم إلكترونياً". ويوضح الحوطي أنّه "ببساطة، الجهة التي تحدّد مقرّر الاختبار هي نفسها التي تصيغه وهي نفسها التي تشرف عليه وهي نفسها التي تصححه وهي نفسها التي تعتمد نتيجته. وليس من مصلحة هذه الجهة أن تكون نسب التلاميذ متدنية، لأنّ من شأن ذلك أن يحمّلها مسؤولية الإخفاق في عملها، لذلك تحرص على أن تكون النسب مرتفعة بأيّ طريقة، حتى يكون الجميع راضين وسعداء. بالتالي، لا بدّ من أن تكون ثمّة جهة (مستقلة) مسؤولة عن الاختبارات الوطنية التي ما زالت غائبة وغير مطبّقة في الكويت".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ولعلّ أخطر ما أدّت إليه نسب النجاح المرتفعة والتساهل غير المبرّر في الاختبارات الورقية التي أجريت، هو أنّ نسبة كبيرة عادت إلى الدراسة في الثانوية العامة لضمان حصولها على درجات مرتفعة تؤهّلها لدخول الجامعات الحكومية والخاصة في الكويت مع منح وبعثات بناءً على الدرجات المرتفعة. على سبيل المثال، عمد أحد التلاميذ الذي يعمل كعسكري في الجيش الكويتي ويبلغ من العمر 34 عاماً، إلى إعادة الثانوية العامة بعدما فشل في الحصول على نسبة مرتفعة قبل 17 عاماً، علماً أنّ زوجته هي التي كانت تُعِدّ واجباته، إذ إنّ نظام التعليم كان عن بُعد من دون أن يتأكد المدرّسون من حضور جميع التلاميذ. ويخبر التلميذ، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، "العربي الجديد"، بأنّه "في خلال الامتحانات، كان التساهل كبيراً. وكنت أنقل من أوراق وبراشيم من دون أيّ رادع من قبل المدرّسين الذين كانوا يقدّرون ظروف التلاميذ". يضيف أنّه حصل على نسبة 93 في المائة، "وهي نسبة تؤهلني لدخول كلية الهندسة التي أرغب في التخرّج منها لأعمل في شركة نفط الكويت".

فحوص كورونا شرط للمشاركة في الامتحانات (ياسر الزيات/ فرانس برس)

جراح المحمد، تلميذ آخر خضع لامتحانات الثانوية العامة أخيراً. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الامتحانات كانت مجرّد نزهة بالنسبة إلينا، لأنّ الأسئلة كانت سهلة ومدرّسي المقررات كانوا يدخلون ويزوّدوننا بالأجوبة". وقد حصل جراح على نسبة مرتفعة تؤهّله لـ"السفر لمتابعة الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية من ضمن برنامج البعثات الذي تقدّمه وزارة التعليم العالي للطلاب الكويتيين".

لا يستغرب المدرّس سعود الفضلي مثل هذه القصص، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ثمّة كوارث كبرى حصلت في أثناء الامتحانات الأخيرة، الأمر التي تسبّب في هزّ نظام التعليم في البلاد والإضرار به بشكل كبير". ويشدد على أنّ "إصلاح أضرار هذا العام سوف يتطلب سنوات كثيرة". يضيف الفضلي: "أراهن على أنّ وزراء التربية المقبلون لن يخفضوا نسبة النجاح بشكل كبير لأنّ ذلك يعني أنّهم سوف يعرّضون مستقبلهم السياسي إلى الخطر. وهو أمر سيّئ جداً أن يدخل التعليم ونسب النجاح في جوّ المماحكات السياسية والصراعات حول التعيينات في وزارة التربية أو غيرها".

في سياق متصل، يقول الوكيل المساعد السابق في وزارة التربية الدكتور خالد الرشيد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "النتائج صادمة وارتفاع نسب النجاح بهذه الطريقة أمر خطير يستدعي تدخّلاً عاجلاً يبعد وزارة التربية عن المساومات والضغوط السياسية، لأنّ التعليم يجب أن يكون خطاً أحمر ولا يخضع للظروف السياسية".

تجدر الإشارة إلى أنّ الكويت تحتلّ المركز 104 في مؤشّرات جودة التعليم، في وقت يشير فيه مركز الشال للدراسات الاقتصادية إلى أنّ الإدارة العامة في البلاد لا تفكّر كثيراً في التعليم ولا توليه أهمية كبيرة وهو ما جعل أوضاعه تتدهور في خلال أزمة كورونا التي ضربت العالم.