Skip to main content
احتجاجات "البطون العارية" في الدنمارك
ناصر السهلي ــ كوبنهاغن
خلاف بين المدارس والمجتمع على لباس الفتيات (تيبو سافاري/ فرانس برس)

شهدت الدنمارك في الأيام القليلة الماضية سجالاً واسعاً حول "اللباس المحتشم" المفروض على الفتيات في المدارس. وتسببت مطالبة مدرسة "فيراهويسكولن" في مدينة فايلي (وسط غرب) تلميذات بارتداء ألبسة لا تُظهر بطونهن، واتصالها بأولياء أمورهن لإبلاغهم القرار، بحالات تمرّد وتضامن شملت مشاهير وسياسيين وكتّاباً بادروا إلى ارتداء قمصان تظهر البطون للتعبير عن رفضهم فرض سياسة "اللباس المحتشم". واتسع الجدل حول الظاهرة في المجتمع الدنماركي بين رافضين ومؤيدين للفكرة التي تبدو غريبة في بلد لا تحدد قوانينه طبيعة لباس الفتيات، إلا على صعيد الحجاب الإسلامي في بعض أماكن العمل. 
ودفع ذلك مسؤولي مدرسة فايلي إلى التراجع عن القرار، تحت ضغط تحوّل الحظر إلى قضية رأي عام، وتوسع الاحتجاجات ضده إلى ثانويات مختلفة شهدت تظاهرات طلابية ارتدى فيها الطلاب ملابس تظهر البطن.

مجتمع المدرسة
كان مدير مدرسة "فيراهويسكولن"، بيارنه كينب، قد برّر حظر ارتداء قمصان قصيرة ببطن عارية بأمور مختلفة، أهمها أن الزي الذي يظهر البطون "يمنع التركيز خلال التدريس". وشدد على أن "المدرسة مجتمع يكون فيه التلاميذ قريبين من بعضهم البعض، ما يحتم اعتماد معايير تتناسب مع الموقف الذي يكونون فيه، وبينها عدم ارتداء سراويل قصيرة وقمصان ببطن عارٍ. والقرار يهدف إلى تعليم الشباب التنشئة الصحيحة". 
ومن أجل تطبيق سياسة "اللباس المحتشم" وجّهت مدرسة "فيراهويسكولن" رسالة إلى أولياء أمور تلاميذ يبلغون سن الـ14 في المتوسط، وأبلغتهم فيها أن "سياستها تغيّرت بالنسبة إلى الألبسة، بعد إجراء نقاشات مع الطلاب. فالنوع غير المحتشم بات ممنوعاً أثناء عملية التدريس". وأشارت إلى أن "الطلاب الأكبر سناً أيّدوا قرار تغطية البطن بسترة أو قميص" وأوصت الأهالي "بالتحدث مع أطفالهم حول اللباس المناسب، والفارق بين أنواعه في المدارس وتلك على الشاطئ والأماكن العامة". 

قرار "ظالم"؟
ورغم أن تربويين برروا حظر الألبسة التي تعرّي البطن باعتبارها "تؤثر نفسياً على فتيات أخريات ليس لديهن بطون مشدودة، وتشتت العملية التعليمية". لكن هذه المبررات لم تجد آذاناً صاغية، فاتسع السجال حول المنع الذي اعتبر قراراً "ظالماً" و"تدخلاً في حرية الاختيار الشخصي للشباب". 
ولاقى قرار الهيئة التدريسية معارضة حتى بين أولياء أمور بعض الطالبات، إذ اعتبر بعضهم أن فرض ارتداء قمصان محددة تدخل لا يجب أن تقرره المدرسة أو تفرضه. وفي تصريح نقله التلفزيون الدنماركي، دافع الوالد مارتن فوغ سكولوست عن تمسك ابنته تيلدا البالغة 14 عاماً بارتداء ما تراه مناسباً، بالقول إن "المدارس لا يجب أن تلعب دور الوالدين". وهدد بوقف ارتياد ابنته مدرسة تحظر نوعاً محدداً من اللباس "فهذه قواعد غريبة علينا". 

الصورة
أولياء الأمور دافعوا عن حرية البنات (مايا ايتيج/ Getty)

احتجاجات واسعة
اللافت أن مدرسة ثانوية كاتدرائية مدينة ألبورغ (شمال) غير البعيدة عن مجتمعات الشاطئ الغربي شديدة التدين دخلت على خط الاحتجاجات على "اللباس المحتشم" من خلال تحركات لحظت وصول طالبات عاريات البطن إليها. ونقل تلفزيون "دي آر" الرسمي عن طالبات قولهن: "نعارض مظاهر التقييد. ورغم أننا في عام 2021، يعتقد البعض بأنه قادر على فرض نوع محدد من الملابس".  
وشارك في الاحتجاجات أكثر من 3 آلاف طالب وطالبة ارتدى بعضهم ملابس قصيرة تضامناً مع طلاب مدينة فايلي. 
وفي آرهوس (وسط غرب) المدينة الثانية الكبرى في الدنمارك بعد العاصمة كوبنهاغن، انتظم طلاب ثانوية كاتدرائيتها في ارتداء لباس تضامني مع باقي الطلاب، في حين لم تأبه الحركة الطلابية بتراجع مدرسة فايلي عن قرارها، معتبرة أن "مواصلة الاحتجاج تهدف إلى توجيه رسالة واضحة تؤكد رفض تدخل المدارس في نوعية الملابس في بلد نفخر بحفاظه على الحريات ويدافع عن حق الإناث في اختيار ملابسهن بنفسهن إلى جانب تقدمهن في التحصيل العلمي"، كما ذكرت متحدثة باسم حركة الاحتجاج للتلفزيون الدنماركي. 
وتعتبر الحركة النسوية الدنماركية بين الأقوى في أوروبا. وتنشط منذ سبعينيات القرن العشرين حركة "الجوارب الحمراء" التي تعمل لتحقيق المساواة الكاملة بين الذكور والإناث، علماً أن طالبات كثيرات ارتدين في تظاهرات احتجاج الحجاب والنقاب للتعبير عن رفضهن تدخل حكومة بلادهن في ارتداء مسلمات له، وبينها خلال تظاهرات عارضت منع عمل محجبات. 

رسوم ساخرة
إلى ذلك، تعرّض حظر إظهار البطن لسخرية رسامي الكاريكاتير في صحف دنماركية، وبينها "بوليتيكن"، وسط تضامن القراء مع الفتيات والناس في ارتداء اللباس الذي يختارونه، علماً أن أقليات دينية مسيحية في الدنمارك تلتزم بـ "اللباس المحتشم" وغالبيتها في مجتمعات بالمناطق الريفية التي تقع شمال غربي البلاد على شاطئ بحر الشمال، حيث تنتشر عقائد الالتزام بالعيش وفق تعاليم كنسية، وخصوصاً لدى جماعتي "التبشير الداخلي" و"شهود يهوه". 

إلى ذلك توجد أقليتان يهودية ومسلمة اختارتا تسجيل أطفالهما في مدارس خاصة بهما، علماً أن الأقلية اليهودية لا تواجه، بخلاف المسلمة، انتقادات لاعتمادها نوعاً محدداً من اللباس والأساليب التربوية خاصة. وتلتزم الأقليتان بمنهاج التعليم الدنماركي، باستثناء إدخال حصص لتعليم الدين واللغتين العربية والعبرية فيهما.