Skip to main content
مصر: تأجيل مناقشة بعض القوانين لتهدئة الشارع إثر تعويم الجنيه
العربي الجديد ــ القاهرة
تأثرت حياة المصريين بكورونا ثم بالغزو الروسي لأوكرانيا (Getty)

كشفت مصادر برلمانية مصرية، أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خاطب رئيس مجلس النواب حنفي جبالي بصورة رسمية، لطلب تأجيل مناقشات بعض مشاريع القوانين المطروحة أمام البرلمان إلى دور الانعقاد السنوي الثالث الذي يبدأ في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وطلب مدبولي التأجيل، إلى حين إدخال الحكومة مجموعة من التعديلات على مواد القوانين، لا سيما إثر خفض الجنيه مجدداً أمام الدولار في تعويم ثانٍ للعملة المحلية، وارتباط تلك التشريعات بقطاعات عريضة في المجتمع.

وقالت المصادر في حديث خاص بـ"العربي الجديد"، إن قائمة التشريعات التي طلب مدبولي إرجاء مناقشاتها تشمل تعديلات قوانين: الإيجارات القديمة لأغراض السكن، والأحوال الشخصية (الأسرة)، والإدارة المحلية، والمرور، على أن يتم الاكتفاء في دور الانعقاد الثاني/الحالي بـ"تمرير تعديلات قوانين الضريبة على الدخل، في ما يخص ضريبة التصرفات العقارية، والتأمين الموحد والعمل، بالإضافة إلى مشاريع ربط الموازنة العامة للدولة عن العام المالي 2022-2023".

احتقان في الشارع المصري

وعزت المصادر طلب تأجيل القوانين الأربعة إلى تهدئة الشارع المصري، في ظلّ حالة الاحتقان التي يشهدها على وقع قرار المصارف المصرية خفض قيمة الجنيه بنسبة تزيد على 11 في المائة أمس الإثنين، ما ينذر بارتفاع جديد في أسعار السلع الأساسية، والتي شهدت زيادات بلغت 50 في المائة منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا. وجرى تداول الجنيه أمس عند 18.22 مقابل الدولار بعدما كان يتداول أول من أمس بنحو 15.7. ولا تريد الحكومة استغلال البعض لغضب المواطنين في الدعوة إلى تظاهرات شعبية، كتلك التي اندلعت في العاصمة القاهرة ومحافظات رئيسية أخرى في عام 2019، بحسب المصادر.

قرّرت المصارف خفض قيمة الجنيه بنسبة تزيد على 11 في المائة أمس

وعقد مدبولي اجتماعاً طارئاً للجنة مواجهة تأثير الأزمة العالمية على السلع الاستراتيجية، في أعقاب قرار البنك المركزي (أمس الإثنين) رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2016، وقرار الحكومة تحديد سعر بيع الخبز الحر (غير المدعوم) لمدة ثلاثة أشهر، بواقع 50 قرشاً (الجنيه = 100 قرش) للرغيف البلدي زنة 45 غراماً، و75 قرشاً (65 غراماً)، وجنيه واحد (90 غراماً)، و50 قرشاً للرغيف الفينو زنة 40 غراماً، و75 قرشاً (60 غراماً)، وجنيه واحد (80 غراماً).

وتابعت المصادر أن قوانين مثل الإيجارات القديمة والأحوال الشخصية تمسّ أوضاع الملايين من المصريين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة، وبالتالي يجب تأجيل مناقشتها أمام مجلس النواب تجنباً لاستعداء أو إثارة شرائح كبيرة منهم، خصوصاً مع إمكانية اتخاذ إجراءات اقتصادية "صعبة" أخرى في الأسابيع المقبلة، في حالة اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على قرض جديد.

مخاوف من تعديلات قانون الإيجارات

وأضافت المصادر أن "هناك مخاوف داخل أروقة النظام من الآثار السلبية المحتملة لتمرير تعديلات قانون الإيجارات السكنية القديمة، الذي يقضي بتحرير عقود الإيجار بين الملّاك والمستأجرين خلال مدة زمنية أقصاها خمس سنوات، ومن ثم تهديد نحو تسعة ملايين أسرة بالطرد من منازلها من دون توفير بدائل لها، الأمر الذي من شأنه تفجير الوضع في الشارع"، على حدّ تعبيرها.

وقالت المصادر إن "الحكومة ارتأت عدم التعجل في مناقشات القانون، ودراسته جيداً قبل طرحه في جلسات علنية أمام البرلمان". ولفتت إلى أن "اللجنة الحكومية - البرلمانية المعنية بمناقشات القانون تلقت تعليمات شفهية بتجميد عملها مؤقتاً، ووقف اجتماعاتها الأسبوعية التي تُجرى داخل مقر وزارة العدل، في حضور رؤساء عدد من اللجان النيابية المختصة، مثل الشؤون التشريعية والإسكان والمرافق والإدارة المحلية".

وأشارت المصادر إلى أن "تحرير العلاقة الإيجارية القديمة سيكون على حساب طبقات تضررت كثيراً من موجة الغلاء التي طاولت أسعار جميع السلع والخدمات العامة، في وقت فقد المصريون مدخراتهم بفعل خفض قيمة الجنيه بنسبة إجمالية تجاوزت 60 في المائة على مرتين، وارتفاع معدلات البطالة نتيجة تراجع السياحة الوافدة للبلاد مع أزمة تفشي كورونا في عام 2020، ثم لاحقاً مع بدء الأزمة العالمية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا".

انتقادات لقانون الأحوال الشخصية

وعن قانون الأحوال الشخصية، أفادت المصادر بأن "التشريع الجديد حظي بانتقادات واسعة من منظمات المجتمع المدني بمجرد تسريب بعض وسائل الإعلام مسودته الأولية، وما تضمنته من مواد تقضي بتحكم ذكور الأسرة في فسخ عقد الزواج إذا ما ارتأى الرجل عدم التكافؤ، حتى لو كان ضد رغبة المرأة، ومنع المرأة من السفر بعريضة تقدم خلال 24 ساعة، حتى لو كانت مطلقة أو معيلة".

ولم يضع القانون حلولاً جذرية لمشكلات مزمنة في مصر، مثل قضايا النفقة والولاية التعليمية والطلاق لضرر، والتي يستمر نظرها لسنوات طويلة في محاكم الأسرة، فيما فرض نفقة مؤقتة للزوجة أو المطلقة أو الحاضنة وصغارها. علماً أنه يصعب في حالات كثيرة إثبات دخل الزوج في دعاوى النفقة، البالغة نسبتها نحو 70 في المائة من إجمالي الدعاوى أمام محاكم الأسرة، إذا كان الزوج من أصحاب المهن الحرة.

قد تتخذ الحكومة إجراءات اقتصادية صعبة في الأسابيع المقبلة، إذا اتفقت مع صندوق النقد على قرض جديد

وأكدت المصادر أن "قانون الأسرة الجديد يتحكم بمصير أكثر من خمسة ملايين امرأة مطلقة، و15 مليون طفل، وفقاً للإحصائيات الرسمية". وأكدت أنه من الصعوبة فتح الباب أمام مناقشات تتعلق بهذا القانون في الفترة الراهنة، وذلك "لعدم إثارة الرأي العام، في ظل عدم تقديمه أي تصور تنظيمي لحسم المشاكل الإجرائية في المحاكم، والتي تجعل دعاوى الأسرة تمتد لسنوات، أو طرح حلول ناجزة لضمان مسكن للأطفال عند الخلاف، لحمايتهم من خطر طردهم من منزل الزوجية".

وأعلنت أكثر من 300 منظمة نسوية وشخصية عامة رفضها لتعديلات قانون الأسرة المقترحة من الحكومة تمهيداً لإقرارها، مشيرة إلى "استقبال محاكم الأسرة المصرية ما يزيد على مليون و500 ألف دعوى في مسائل الأحوال الشخصية سنوياً، ارتباطاً بأحكام قانون تنظيم الأحوال الشخصية الصادر منذ 22 عاماً، بحسب أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء".

قانون الإدارة المحلية يهدد شركات الجيش

وسبق أن قالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن مشروع قانون الإدارة المحلية "مجمد" إلى أجل غير مسمى بتعليمات مباشرة من أجهزة سيادية (أمنية)، على الرغم من تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة والبرلمان مراراً بإصداره، لما ينص عليه من مراقبة الأجهزة المحلية لخطط التنمية، وتهديده بوضوح عمليات "الإسناد المباشر" من الوزارات والمحافظات المختلفة للشركات التابعة للجيش المصري.

وأشارت المصادر إلى تضمن القانون الإجراءات المنظمة للانتخابات المحلية (البلدية)، وهو ما يرفضه النظام الحاكم لصعوبة ضمان ولاء أكثر من 50 ألف شخص منتخب في المحافظات المصرية كافة، فضلاً عن اشتراط القانون مراقبة المجالس المحلية لخطط التنمية، ومتابعة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية، بما يهدد بشكل صريح عمليات الإسناد المباشر لشركات الجيش، وعلى رأسها جهاز الخدمة الوطنية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

غرامات قانون المرور

كذلك آثرت الحكومة إرجاء مناقشات قانون المرور الجديد، المرتبطة أحكامه بضرورة تأهيل البنية التحتية للطرق، وتطبيق منظومة الإشارات الإلكترونية في جميع المحافظات، خصوصاً أنه يفرض عشرات الغرامات والرسوم والضرائب على سائقي السيارات الخاصة والأجرة والنقل. ومن شأن ذلك زيادة حالة الاحتقان ضد النظام في الشارع، والذي يسعى في الأساس لاحتواء غضب المواطنين.
وتعد أغلب مواد القانون منقولة نصّاً من تشريعات المرور في بلدان خليجية كدولة الإمارات المتحدة. ولا يتناسب ذلك مع اتساع رقعة مصر، وينذر بالطعن في أحكامه أمام المحكمة الدستورية العليا حال تمريره، من دون تطبيق منظومة الإشارات الإلكترونية في كل المحافظات على حد سواء، وليس قصرها على محافظات بعينها من دون غيرها، كما هو الحال حالياً في محافظات مثل القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية.
ووضع التشريع شروطاً جديدة لترخيص تسيير المركبات، منها تركيب جهاز تتبع "جي بي أس"، والتأمين على المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث المركبة، وكافة الأضرار المادية الناجمة عنها. وألغى التشريع تراخيص سيارات الأجرة التي مضى عليها 20 عاماً فأكثر، إضافة إلى عربات النقل المكونة من أكثر من مقطورة، وسيارات الأجرة غير المرخصة التي مضت عليها خمس سنوات (بما فيها سنة الصنع).

موقف
التحديثات الحية