Skip to main content
أزمة جديدة بين حلفاء إيران والأكراد في سهل نينوى
سيف العبيدي ــ أربيل
قوات من الحشد جنوبي الموصل بعد طرد "داعش"، 2017 (فرانس برس)

يعود التوتر مجدداً إلى مناطق شرق الموصل، العاصمة المحلية لمحافظة نينوى، على بُعد 550 كيلومتراً شمالي العراق والمعروفة باسم مناطق سهل نينوى، ذات الغالبية العربية المسيحية، وذلك على خلفية الصراع السياسي على المناصب والنفوذ، إذ أشعل منصب مدير ناحية بلدة بعشيقة، فتيل أزمة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوى سياسية أخرى مقربة من "الحشد الشعبي"، الذي تنشط فصائله في المنطقة ذاتها.

الخلاف عاد إلى التفاعل خلال الأسبوع الذي سبق عطلة عيد الفطر (21 إبريل/نيسان الحالي) وما زال، وذلك بعد أن كلّفت إدارة محافظة نينوى شخصية تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، هو غزوان الداودي، بمنصب مدير بلدة بعشيقة، الواقعة ضمن مناطق سهل نينوى التي يشتد الصراع للسيطرة عليها منذ سنوات.

وتسكن مناطق سهل نينوى غالبية عربية مسيحية، هُجّر الكثير منها بعد اقتحام تنظيم "داعش" للمنطقة، إلى جانب العرب السنّة والشبك والأكراد والأيزيديين. ويضم سهل نينوى إلى جانب بعشيقة، مدن الحمدانية وبرطلة وبغديدا وقره قوش والنمرود، وتلكيف ووانة والقوش وفايدة، إلى جانب مناطق مخمور والشيخان. وعقب الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، خضعت هذه المناطق لسيطرة واضحة من البشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان، لغاية سقوطها في يد "داعش" عام 2014.

أشعل منصب مدير ناحية بلدة بعشيقة، فتيل الأزمة

وبعدما استعادت القوات العراقية السيطرة على محافظة نينوى وسهلها، بدأت القوات الكردية التابعة لـ"الديمقراطي" بالعودة تدريجياً، لكن تلك العودة انتهت سريعاً بعدما نفّذت القوات العراقية عمليات فرض القانون في أكتوبر/تشرين الأول 2017 (عقب تنظيم أربيل استفتاء الانفصال عن العراق) والتي شملت بعض مناطق شرقي نينوى. إثر ذلك، غادرت قوات البشمركة إلى حدود محافظتي دهوك وأربيل، مع البقاء في العديد من الوحدات الإدارية التابعة لنينوى إلى غاية اليوم.

منصب مدير بعشيقة يثير الخلافات

تكليف مدير ناحية بعشيقة، أثار غضب القوى السياسية المقربة من "الإطار التنسيقي" و"الحشد الشعبي"، إذ أعلن النائب في البرلمان عن "الإطار التنسيقي"، وعد القدو، الذي يعرف بأنه القائد الفعلي لمليشيا "حشد الشبك"، رفضه لهذا التكليف، ولوّح بإجراءات تصعيدية في حال لم يتم إنهاء ذلك وتكليف شخصية أخرى بدلاً عنه.

ويبدو أن الصراع هذه المرة ليس على منصب مدير ناحية بعشيقة كونه منصبا إداريا خدميا، لكن الصراع في الحقيقة يدور حول النفوذ والسيطرة على سهل نينوى وناحية بعشيقة التي تعتبر خاصرة الموصل الشرقية. القدو أكد رفضه لتكليف شخصية من الحزب الديمقراطي بمنصب مدير ناحية بعشيقة، وقال إنه "كان من المفترض الخروج بتظاهرات واعتصامات في سهل نينوى لرفض التكليف، لكن تمّ تأجيل هذه الإجراءات بعد تدخل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي وعد بحل هذا الموضوع قريباً".

وقبل ذلك، كان القدو قد أمهل حكومة نينوى المحلية ساعات عدة، لإنهاء تكليف غزوان الداودي بالمنصب، وبخلاف ذلك، سينفذ أنصاره اعتصاماً مفتوحاً في مناطق سهل نينوى، مؤكداً أن هذا المنصب هو استحقاق للمكون والقوى الشبكية، وأن تكليف مرشح الديمقراطي يحمل تهميشاً وتجاوزاً على حقوق الشبك، بحسب وصفه.

كما أعلن المكتب السياسي لمليشيا "بابليون"، بقيادة ريان الكلداني، تأجيل اعتصام سهل نينوى والتريّث والانتظار بعد وعود رئيس الوزراء بالتدخل. من جهتهم، اتهم نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي، خلال مؤتمر صحافي عقدوه في بغداد في 20 إبريل الحالي، النائب القدو بمحاولة إثارة الفتنة وتعريض السلم المجتمعي في منطقة سهل نينوى للخطر، وأكد نواب الحزب أن القدو يقود حراكاً غير قانوني من خلال تحريض أتباعه على قطع الطرق بين نينوى وإقليم كردستان رفضاً لتكليف مدير ناحية بعشيقة.

وأكد النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، شيروان الدوبرداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تكليف مدير ناحية في سهل نينوى هو إجراء إداري قانوني ينطلق من الاستحقاقات الانتخابية، ولا يحق لأحد الاعتراض على ذلك أو استخدام لغة التهديد تجاه الحكومة المحلية في نينوى والتدخل بأعمالها"، في إشارة إلى موقف النائب وعد القدو.

"الديمقراطي الكردستاني" يرفض التهديد

وأضاف الدوبرداني أن "التكليف هو إجراء إداري من قبل محافظ نينوى نجم الجبوري، وجاء عقب مشاورات مع جميع القوى الممثلة للمكونات التي تسكن ناحية بعشيقة". وشدّد النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني على أن "تكليف مدير الناحية حالياً ساري المفعول، ولا توجد أي مستجدات حول إنهاء التكليف، وفي حال إلغائه، فسيكون للحزب الديمقراطي الكردستاني موقف آخر ولكل حادث حديث".

كما لفت الدوبرداني إلى أن "النواب الممثلين عن مناطق سهل نينوى يبلغ عددهم 7 نواب، 5 منهم يتبعون للحزب الديمقراطي، ووفقاً لذلك فإن منصب مدير ناحية بعشيقة هو من استحقاق الحزب الديمقراطي"، داعياً الرئاسات الثلاث للتدخل لوقف الممارسات والتصعيد غير المقبول من قبل القدو وأنصاره.

الصراع يدور حول النفوذ والسيطرة على ناحية بعشيقة التي تعتبر خاصرة الموصل الشرقية

لكن النائب السابق قصي عباس، اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بمحاولة الاستيلاء والهيمنة على ناحية بعشيقة ومناطق سهل نينوى، من خلال السيطرة على المناصب الإدارية بشكل منفرد من دون الرجوع إلى القوى السياسية الممثلة للمنطقة.

وقال عباس في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "ناحية بعشيقة منذ عام 2003 تدار من قبل الحزب الديمقراطي، وإن مدير الناحية السابق التابع أيضاً للديمقراطي أخفق إدارياً وخدمياً بشكل واضح".

وأضاف عباس أن "القوى الشبكية ليست الوحيدة التي ترفض تكليف مرشح الحزب الديمقراطي، فممثلو القوى السياسية في سهل نينوى ومنها الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب الدعوة وحركة بابليون وغيرها ترفض هذا الأمر"، مشيراً إلى أنهم يرفضون أي مرشح آخر يقدمه الديمقراطي للمنصب لأنه استحقاق للمكون الشبكي. ولفت النائب السابق إلى أن القوى الشبكية تسعى إلى تقديم مرشح للمنصب من الشبك السنّة وليس من الشبك الشيعة، لإبعاد أي طابع طائفي عن الموضوع، بحسب رأيه.

وتوعد عباس بما وصفه بـ"إجراءات تصعيدية سيُعلن عنها لاحقاً في حال لم يتم إنهاء تكليف مدير ناحية بعشيقة الحالي"، مبيناً أن تأجيل التظاهرات والاعتصامات جاء بسبب وساطة يقودها رئيس الوزراء، ولتجنب أي تصعيد مع اقتراب موعد مهرجان الربيع في الموصل، حيث من المفترض أن يصل إلى نينوى العديد من المسؤولين العراقيين وسفراء وممثلو العديد من الدول.
سباق أصوات انتخابية بين الأكراد والشبك

وتعليقاً على هذا الخلاف، توقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو، أن تشهد الفترة المقبلة تصعيداً سياسياً في هذا الموضوع، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في أكتوبر المقبل.

وقال عزو في تصريح، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحدث حالياً أشبه بتجميع المؤيدين الناخبين ويتم استثمار هذا التصعيد في التحشيد من قبل الأطراف السياسية"، وبيّن أن التصعيد ربما يعود إلى عدم قدرة إدارة محافظة نينوى على حسم الخلافات بين القوى الكردية والشبكية في ما يتعلق بالمناصب الإدارية في مناطق سهل نينوى.

واعتبر عزو أن حقيقة ما يجري في سهل نينوى من تصعيد منذ تحرير المحافظة في عام 2017 من "داعش" هو صراع على الهيمنة والنفوذ بين القوى الحليفة لإيران، والأطراف الأخرى لاسيما الحزب الديمقراطي الكردستاني، لافتاً إلى أن هذا الصراع مرتبط بصورة أو بأخرى بالعلاقات بين الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني.

وأثار التصعيد الأخير مخاوف الكثير من الأهالي، حيث يعيد التوتر الأخير مشاهد من عام 2019، عندما احتج المئات من الشبك في سهل نينوى وقطعوا الطرق بين نينوى وأربيل احتجاجاً على قرار من رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي يقضي بنقل قوات "حشد الشبك"، إلى خارج المدن.

وانتهت الاحتجاجات حينها بإلغاء الأمر وتكريم حشد الشبك بـ3 دبابات قدمها نائب رئيس هيئة "الحشد" السابق أبو مهدي المهندس الذي قتل بغارة أميركية قرب مطار بغداد (مع قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني) في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

تقارير عربية
التحديثات الحية