تغطية رسمية لانتشار "الحشد" في سهل نينوى: أبعاد سياسية وأمنية

تغطية رسمية لانتشار "الحشد" في سهل نينوى: أبعاد سياسية وأمنية

21 ابريل 2022
أطماع الفصائل المسلحة في مناطق سهل نينوى قديمة (مارتين آيم/Getty)
+ الخط -

تواصل فصائل عراقية مسلحة تكثيف وجودها في مناطق سهل نينوى شمالي العراق ضمن محافظة نينوى، مسجلةً خلال الشهر الحالي أعلى حضور لها منذ انتهاء المعارك المباشرة ضد مسلحي تنظيم "داعش" في سهل نينوى والإعلان عن استعادة المنطقة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016.

ويأتي تكثيف التواجد المسلح للمليشيات في المنطقة الواقعة على بعد 35 كيلومتراً شمالي الموصل، والتي تضم عدداً من المدن الرئيسة ذات الأغلبية العربية المسيحية أبرزها، تلكيف، والحمدانية، وشيخان، وبعشيقة، ودير مار متي، وشرفية، والقوش، بالتزامن مع تصاعد التوتر بين تلك الجماعات وحكومة إقليم كردستان العراق في أربيل.

وقد تصاعد التوتر تحديداً عقب القصف الإيراني على أربيل منتصف شهر مارس/آذار الماضي، ما دفع بمراقبين ومسؤولين محليين إلى اعتبار أن لهذا الانتشار للمليشيات دوافع سياسية، ولا علاقة له بالملف الأمني المستقر أساساً في المنطقة.


جوزيف صليوا: الفصائل المسلحة التي تسيطر على مناطق سهل نينوى ليس لها أي صفة رسمية

وفي السياق، حذر مسؤول محلي في ديوان محافظة نينوى، من هجرة عكسية لسكان سهل نينوى خلال الفترة المقبلة، بفعل استمرار تواجد من وصفهم بـ"جماعات مسلحة من خارج المحافظة"، قال إنهم "ينتشرون داخل القرى والبلدات ويفتعلون عمليات أو أحداثا أمنية لتبرير بقائهم".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن أبرز تلك الجماعات هي "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"الإمام علي"، إضافة إلى "حشد الشبك"، و"بابليون"، وتتبع جميعها "الحشد الشعبي".

وكشف عن "سيطرة هذه الجماعات على عدد من المنازل والمباني الفارغة الواقعة خارج القرى والبلدات واتخاذها كمقرات لها، مع استمرار تجوال عناصرها في الأسواق والأماكن الخاصة، وفرض قيود على دخول الأثاث ومواد البناء، وإيقاف الناس، وتوجيه الكثير من الأسئلة والاستجوابات بلا سبب في نقاط تفتيش تقيمها بين وقت آخر، خصوصاً في التعامل مع القادمين من الموصل إلى مناطق سهل نينوى أو بالعكس".

أبعاد انتشار مليشيات "الحشد الشعبي" في سهل نينوى

وتحدث المسؤول نفسه عن أبعاد هذا التواجد، معتبراً أنه "سياسي وله علاقة بموقع مناطق سهل نينوى من الحدود مع سورية، وكذلك بمحاذاة حدود أربيل"، مشيراً إلى أنه "سبق أن تم تنفيذ هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة انطلاقاً من سهل نينوى، هذا عدا عن وجود معسكر (زليكان) التركي ضمن المنطقة واستمرار تهديد الفصائل باستهدافه".

وختم بالقول إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي "تسلم طلباً الشهر الماضي من قبل أعيان ووجهاء المنطقة، بشأن حصر الملف الأمني داخل المدن والأحياء السكنية بالقوات العراقية فقط، لكن لم يترتب على ذلك أي تغيير".

بدوره، قال النائب السابق ورئيس "كتلة الوركاء" (حركة مسيحية تنتشر في سهل نينوى)، جوزيف صليوا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الفصائل المسلحة باتت تخنق سهل نينوى". 

وأضاف أن "أطماع الفصائل المسلحة في مناطق سهل نينوى قديمة منذ ما قبل دخول تنظيم داعش محافظة نينوى سنة 2014. وبعد احتلال المحافظة ثم تحريرها، سيطرت الفصائل على مناطق سهل نينوى سياسياً وأمنياً واقتصادياً".


الخفاجي: انتشار فصائل الحشد الشعبي في مناطق سهل نينوى وكل مناطق العراق، يتم بإشراف القيادة وعلمها

ولفت إلى أن "الفصائل المسلحة التي تسيطر على مناطق سهل نينوى ليس لها أي صفة رسمية، فهي جماعات تعمل على تطبيق أجندات خاصة بها لأهداف سياسية، ومنها عمليات التغيير الديمغرافي"، مشيراً إلى أن "الحكومة ليست لها أي سيطرة لفرض رؤيتها في مناطق سهل نينوى".

تبرير رسمي لانتشار فصائل "الحشد" في سهل نينوى

لكن المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، أجاب عن سؤال لـ"العربي الجديد"، بشأن سبب ارتفاع وتيرة الحضور المسلح للفصائل في سهل نينوى بشكل مقتضب، قائلاً إن "انتشار فصائل الحشد الشعبي في مناطق سهل نينوى وكل مناطق العراق، يتم بإشراف القيادة وعلمها، وهناك تنسيق بين كل القطعات". 

وأضاف أن "هذا الانتشار يهدف إلى فرض الأمن والحفاظ على الانتصار المتحقق على تنظيم داعش الإرهابي".

ونهاية الشهر الماضي، عزا رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو، في مقابلة مع "العربي الجديد"، سبب استمرار نزوح الأسر المسيحية من سهل نينوى ومناطق أخرى شمالي البلاد، إلى "هيمنة الجماعات المسلحة وغياب الإعمار" في مناطقهم.

رسائل أمنية وسياسية لأربيل

من جهته، وصف محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، مناطق سهل نينوى بأنها "تحوّلت إلى قنبلة موقوتة بسبب سيطرة بعض الفصائل المسلحة على ملف هذه المناطق، واستخدامها لأغراض سياسية، سواء لصالح أطراف داخلية أو خارجية". 

وأضاف النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مناطق سهل نينوى تحوّلت لقواعد ضغط وتهديد ضد إقليم كردستان، واستُخدمت أكثر من مرة في إطلاق صواريخ على أربيل من قبل أطراف مسلحة، وهذه العمليات بكل تأكيد لا تخلو من الرسائل الأمنية والسياسية الموجهة للإقليم". 

واعتبر أن "استمرار التحشيد في مناطق سهل نينوى، ستكون له تبعات خطيرة في المرحلة المقبلة. ولهذا، الحكومة العراقية مُطالبة بفرض سيطرتها على تلك المناطق من خلال تسليم الملف الأمني فيها إلى الشرطة المحلية من أبناء تلك المناطق إضافة إلى قوات الجيش".

تعليق "الحشد الشعبي" على انتشار الفصائل بسهل نينوى

لكن القيادي في "الحشد الشعبي" ضمن محور شمالي العراق، علي الحسيني، رد على ما وصفه بـ"الاتهامات المضللة"، بالقول إن "القوات التي تتواجد في سهل نينوى تابعة لهيئة الحشد الشعبي، ولا يوجد أي انتشار هناك لأي فصائل مسلحة غيرها". 

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "انتشار الحشد الشعبي في مناطق سهل نينوى، هو بعلم القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي)، ولا يوجد أي أمر أو طلب بإخراج تلك الفصائل، بل على العكس الكل يدرك أن الأمن والاستقرار في تلك المناطق يعودان لتواجد الحشد فيها".

وتابع: "تواجد الحشد الشعبي في مناطق سهل نينوى منع تمدد الاحتلال التركي نحوها، خصوصاً أن المخطط التركي هو التقدم نحو تلك المناطق لغرض السيطرة عليها عسكرياً، كما حصل في الكثير من المناطق والقرى الحدودية". 

وختم بالقول إن "فصائل الحشد ستبقى متواجدة في مناطق سهل نينوى من أجل الحفاظ على الانتصار، وبهدف منع تسلل عناصر تنظيم داعش إليها من جديد"، معتبراً أن "دعوات إخراج تلك الفصائل مدفوعة من قوى خارجية".

علي الحسيني: دعوات إخراج الفصائل من سهل نينوى مدفوعة من قوى خارجية
 

بدوره، قال الخبير في الشأن المحلي في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، سلام الحديدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "نفوذ الجماعات المسلحة واضح في كل أجزاء المحافظة، لكن التركيز على سهل نينوى يأتي بسبب ملاصقته جغرافياً لأربيل، ووقوع المنطقة بالمجمل على خط يربط المحافظة بالأراضي السورية". 

وأضاف أن "انسحاب تلك الجماعات كان أبرز ما ينتظره السكان بعد زيارة البابا إلى المنطقة العام الماضي، وكان متوقعا أن تبقى جماعة (بابليون) بوصفها قوة محلية من نسيج أهل المنطقة ذاتها، لكن على العكس، بدا أن هناك انجذابا من جماعات أخرى للمنطقة عبر إقامة نقاط تفتيش أو مكاتب ومقرات لها فيها". 

واعتبر الحديدي أن "عدد القوات العراقية النظامية كاف جداً، كما أن المنطقة لم تشهد أي عمليات إرهابية منذ أشهر طويلة، لذا، فإن وجود تلك الجماعات يمثل تأكيداً على استخدام بعض فصائل الحشد الشعبي لأغراض سياسية".

المساهمون