Skip to main content
عندما يتساوى العبقري مع الأهبل
خطيب بدلة
تعليم الإنسان صيد السمك أفضل من إعطائه (7/2/2017/فرانس برس)
لا يمكن أن يتساوى تحت الثرى راحلان، أحدُهما عبقري والآخر أهبل. ولذلك عليك أن تقلل من المقارنات الفيسبوكية، إذ لا يُسْتَبْعَد أن يخرج لك واحد من عشرة الآلاف صديق الموجودين على صفحتك، ويقول لك: إذا كنت تريد أن تساعدني لا تعطني بيضة، بل عَلِّمْني كيف أبيض!
وعملية البيض، مثل الولادة، تحتاج إلى صراخ وولاويل، وبلغة الدجاج قوقأة. ومما يروى عن رجل ما، إنه اشترى دجاجةً بيّاضة، وبعد حين اكتشف أنها شبيهةٌ بأنظمة الممانعة، من حيثُ أنها تقوقئ كثيراً وتبيض قليلاً. وبيوضها، فوق ذلك، صغيرة كبيوض الحمام. وكان هذا يسبب للرجل إرباكاتٍ كثيرة، إذ أن كثرة القوقأة، في عز الليل، تجعل أهل الحارة يعرفون أن دجاجته باضت، فيحسدونه، معتقدين أنه صار في مقدوره أن يأكل البيض مقلياً ومسلوقاً و(أومليت)، فقال لنفسه إن هذه المعادلة ضيزى، الصيتُ فيها شيء والواقع شيء مختلف. وفي ذات صباح، اتخذ من الثعلب قدوة، وأدخل قائمتيه في الخم، وأخرج الدجاجة مثلما يُخرج عناصرُ المخابرات المواطنَ الأعزل من بيته، ووضعها في قفص، وأنزلها إلى البازار ليبيعها، فما إن اقترب وإياها إلى مدخل البازار حتى أخذت تقوقئ بحرقة، فاجتمع حولهما المتبوزرون، وراحوا يقولون لها: بخٍ بخ، الهدوءَ الهدوءَ، هوّني عليك، يا أخت العرب... فلما هدأت، وسألوها عن سر هذه الـ(هُلّيلة)، أخبرتهم، بأنفاسٍ متقطعة، أن ملك الطيور الرفيق قرة قاش أصدر فرماناً يقضي بأن تُذبح كلُّ دجاجة تبيض بيوضاً كثيرة وكبيرة، ثم يُرْسَل جلدها إلى الدباغ ليَصنع منه طبلات (دُرْبَكَّات)، ويبيعها للأولاد في سوق الجمعة... فضحكوا من سذاجتها، وصغر عقلها، وقالوا لها: لماذا أنت خائفةٌ، طالما أن بيضاتك قليلات وصغيرات؟ فقالت: إن جند الرفيق قرة قاش يذبحون الدجاجة أولاً، ثم ينظرون في حجم بيوضها!
المثل الآخر الذي اشتقوا منه المثل الأول يقول إن تعليم الإنسان صيد السمك أفضل بكثير من إعطائه سمكةً ليأكلها، وهذه المعادلة صحيحة منطقياً، ولكن جمعيات الإغاثة الإنسانية التي تشتغل على الأرض السورية ترفضها رفضاً قاطعاً، فهي، بعد أن تلتهم ثلاثة أرباع الأموال المخصصة لشراء السمك، تريد أن توزّع الأسماك المتبقية على الفقراء، وتلتقط لنسائهم صوراً وهن يغسلن السمكات بالماء، ثم وهنَّ يشققنها بالسكاكين ويحشونها بالتوابل، ويصببن عليها الزيت، ثم يدخلنها إلى الأفران، ويخرجنها مشوياتٍ محمراتٍ، فيهجم عليها الأولادُ الجائعون، ويأكلونها بلا وعي... وهذه الصور ليست تذكارية، وإنما هي لازمةٌ لأجل إرسالها إلى (الداعم) ليزيد، بدوره، من دفع المخصصات التي يسرق مسؤولو الإغاثة ثلاثةَ أرباعها، ويوزّعون ربعها على الفقراء.
ولكن، مَن الذي قال إن ذاكرة السمك ضعيفة؟ هل سئل ذَكَرُ السمك، في مكان عام عن اسم زوجته السمكة، فارتبك وقال: والله نسيته، شو أنا عقلي دفتر؟! أم أنه، أعني ذَكَرَ السمك، ممن يحبون القائد التاريخي للسمك، فيستولي عليه العشقُ، ويتغاضى عن المنظر الرهيب للقائد، وهو يبتلع الأسماك الصغيرة، ويفصّص عظامها، فإذا سأله أحد أفراد بُحَيْرَتِهِ عن سبب تغاضيه عن إدانة الجريمة سرعان ما يصفن، ويحكّ حراشفه بغلاصمه ويقول: كلنا نبتلع الأسماك الصغيرة، فلماذا تُحَرِّمُون ذلك على القائد الملهم؟ ثم يضرب مثلاً على عظمة القائد بقراءة قصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري التي يرفعه فيها إلى مصافّ الآلهة.
أجل، إنه لمن غير الممكن أن يتساوى تحت الثرى راحلان، راحلٌ اكتفى بقتل مئة ألف من مواطنيه، وأجبر معظم المواطنين الباقين على قيد الحياة على المسير في الأزقة والهتاف بحياته، وآخر يرفض أن يرحل، لأنه لم يقتل، حتى الآن، سوى نصف مليون من مواطنيه، ولم يخرّب سوى ربع البلاد، ومحاولاته استجلاب غزاة الأرض كلهم باءت بالفشل، إذ لم يلبّ دعوته سوى بضع دول، حتى هذه الهنيهة.