Skip to main content
الطبقة السورية الوسطى: مجتمع منقسم بين الثراء الفاحش والفقر المدقع
عدنان عبد الرزاق
يفتقد الكثير من السوريين الخدمات الأساسية (عبد المنعم عيسى/ فرانس برس)

"تزيد نسبة الفقراء في سورية عن 95 في المائة، وإن احتسبنا الحد الأدنى للفرد عند 1.9 دولار يومياً، فإن النسبة سترتفع إلى أكثر من ذلك، ويتحول أكثر من 80 في المائة من السوريين إلى حافة الفقر المدقع والمجاعة"، هذا ما يقوله أمين سر غرفة تجارة إدلب السابق والخبير الاقتصادي، نبيه السيد علي، معتبراً أن تجويع السوريين "هدف نظام الأسد، الذي تعدّى مفهوم إشغالهم بقوت يومهم، ليصل إلى تعمّد الإذلال والتهجير".

يضيف الاقتصادي السوري لـ "العربي الجديد" أنه "إذا أردنا أن نحسب القصة "على الورقة والقلم" فإن تكاليف معيشة الأسرة السورية بالحد الأدنى هي 960 ألف ليرة شهرياً، في حين لا يزيد متوسط الأجور والرواتب، لمن لديه دخل ثابت طبعاً، عن 97 ألف ليرة".

يعتبر السيد علي أن تهديم الطبقة الوسطى في سورية لا يقل خطورة عن إبعاد الأطفال عن مقاعد الدراسة وتحويلهم إلى سوق العمل غير الشرعي، لأن هدف نظام الأسد هو تهديم سورية لسنوات مقبلة. ويشرح أن الطبقة الوسطى تحرّك الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وتلاشيها يعني تراجع الإنتاج والطلب السلعي والاستهلاك، وبالتالي تراجع النمو والغرق بالعجز والاستدانة، ما يجعل سورية دولة فاشلة ليس فقط اليوم، وإنما لسنوات مقبلة.

ويضيف الاقتصادي السوري أن الطبقة الوسطى بأي دولة هي ضمان الحزام الاجتماعي وهي المنتجة الحقيقية للاقتصاديين والمثقفين، وبانهيارها تتزعزع بنية أي دولة.

وفي سورية، "إن نظرنا إلى حدود الطبقة الوسطى وفق تقييم الدخل فهي تتجه إلى الاختفاء للأسف، بعدما هبطت إلى ما دون حد الفقر الذي يهيمن حالياً على الاقتصاد وعلى بنية المجتمع، وسط انتشار البطالة والأزمات".

ويلفت الاقتصادي السوري عماد المصبح خلال اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن قياس الطبقة الوسطى في سورية بحسب الدخل ومستوى المعيشة يبين أنها لا تتجاوز 5 في المائة بأحسن الأحوال، لأن الطبقة الفقيرة تجاوزت 90 في المائة، فيما الأثرياء هم قلة قليلة تتألف من أثرياء الحرب وبعض المقربين من النظام.

تفاوت بين الدخل والنفقات

يلفت مراقبون إلى أن الانقسام الأفقي الحاد ما بين الطبقة فاحشة الثراء والمعدومين يضغط على الطبقة الوسطى حد الاختفاء. ويشرح البعض أن الطبقة الوسطى في سورية تعاني كثيراً بواقع دخل لا يزيد عن 100 ألف ليرة، وإنفاق يزيد عن 2.8 مليون ليرة، كما أورد مركز "قاسيون" من العاصمة السورية دمشق مطلع شهر رمضان الماضي.

وكان المركز قد قدّر معيشة الأسرة السورية بحو 2.8 مليون ليرة، مبيناً ارتفاع تكاليف معيشة الأسرة خلال الربع الأول من العام الجاري بنحو 600 ألف ليرة سورية. ويعتمد المركز لحساب الحد الأدنى لتكاليف المعيشة على سلة الغذاء الضرورية وفق ما صاغها مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات للاتحاد العام لنقابات العمال، والتي يحصل من خلالها المواطن المنتج على السعرات الحرارية التي تكفل له الحياة وإعادة إنتاج قوة عمله من جديد.

ويمثل الغذاء، وفق بحث "قاسيون"، نحو 60 في المائة من مجموع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة، بينما تمثل الـ 40 في المائة الباقية الحاجات الضرورية الأخرى للأسرة (تكاليف سكن، ومواصلات، وتعليم، ولباس، وصحة، وأدوات منزلية، واتصالات... وغيرها)، مضيفاً أن نسبة ارتفاع أسعار الخضار خلال عام واحد وصلت إلى نحو 122 في المائة في حين بلغت نسبة ارتفاع الفواكه 195 في المائة والحاجات الضرورية، عدا الغذاء، بنسبة 41 في المائة.

وبلغت موجة غلاء الأسعار بين 200 و500 في المائة خلال عام واحد، واستمر تهاوي سعر صرف الليرة مقابل الدولار والتي تقترب من 4 آلاف ليرة للدولار حالياً، في حين لم يزد سعر صرف الدولار عن 50 ليرة مطلع ثورة السوريين عام 2011.

ويقول مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمود الكوا إنّ "من كان على خط الفقر قد يكون أصبح تحت هذا الخط بعد ارتفاع الأسعار"، مضيفاً خلال تصريحات إذاعية من دمشق "زاد عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر وأعداد من يحتاجون إلى دعم أهلي في ظل ارتفاع الأسعار والصعوبات المعيشية".

خلل توزيع الثروة

يرى باحثون اقتصاديون "أن سورية ورغم كل الذي حصل لا تزال تمتلك ثروات قادرة على كفاية شعبها"، لكن المشكلة برأي هؤلاء تكمن بخلل في توزيع الثروة والفساد المستشري في ظل تمويل اقتصاد الحرب والمحتلين.

ويشير الباحث الاقتصادي عامر شعبان من ريف حلب الخارج عن سيطرة النظام إلى أن بلاده فيها زراعة وصناعة ولديها موارد تكفي لخمسين مليون نسمة، وفي مقدمتها الموقع الجغرافي، إذ لو تم الاهتمام فقط بإدارة الترانزيت عبر سورية، لزادت العائدات وصناعة خدمات النقل عن حاجة السوريين.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويقول شعبان إن "سوء الإدارة والسرقات قبل الحرب، والفساد وتهجير رؤوس الأموال والكفاءات بعد الحرب، هو ما حولها إلى دولة فقيرة تلاشت فيها ما كانت تسمى الطبقة الوسطى التي كانت تزيد عن 56 في المائة قبل الحرب وتراجعت إلى 26 في المائة عام 2014 ولا أظنها أكثر من 5 في المائة اليوم، سواء وفق احتساب الدخل أو حتى وفق قياس مؤشر الحصول على المتطلبات والخدمات الأساسية".

ويضيف شعبان لـ"العربي الجديد" أن "وضع السوريين اليوم، بمن فيهم نحن في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، مخزٍ ومرعب، ويمكن القول إنه وفق الدخل اليومي جميع السوريين فقراء، لذا برأيي المخاطر زادت بعد تلاشي الطبقة الوسطى التي تساهم في الإنتاج وفرز الكفاءات وحتى دفع الضرائب، والمخاطر ليست شعبية واجتماعية، بل ستطاول النظام وموارده ومستقبل البلاد".

ويعتبر أن إعادة بناء أو تشكيل الطبقة الوسطى يحتاج إلى عقود من الزمن "وللأسف بعد هجرة الكفاءات والفقر والمحتلين، بات الأمر أشبه بالمستحيل بالنسبة لسورية".

من جهته، يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق زكوان قريط إلى أن الخلل في توزيع الثروة هو ما شكّل هذا التفاوت المجتمعي، فأصحاب الدخل المحدود راتبهم شبه ثابت، أما أصحاب المهن الحرة فقد زادت كل مستحقاتهم وتعويضاتهم، يضاف إلى ذلك تجار الأزمة الذين مارسوا دوراً خطيراً في الاحتكار والاستفادة من الأزمة لتحقيق أرباح فاحشة.

ويؤكد قريط خلال تصريحات صحافية أن الطبقة الوسطى تندثر اليوم بعد أن تحول أفرادها إلى ما دون خط الفقر، وفي ظل غياب الإحصائيات الرسمية يمكن تقدير أنها لا تتعدى 10 في المائة، فيما كانت قبل الأزمة 60 في المائة، وهي اليوم تضم الفئات العاملة في القطاع الخاص، وبعض المهن الحرة. ويرى الأكاديمي السوري أنه لاستعادة ولو جزءاً من الطبقة الوسطى والمنتجة لا بد من إعادة توزيع الدخل الوطني، وتوجيه تلك الثروات إلى عجلة الإنتاج لتنطلق بعملية إنتاجية تدعم سير الاقتصاد بأسس صحيحة لتطوره.