Skip to main content
الجزائر: غلاء المعيشة يلتهم الادخار العائلي
حمزة كحال ــ الجزائر
ارتفاع الأسعار سبّب تآكل دخول الجزائريين (فرانس برس)

"كنت أدخر سنوياً ما بين 300 ألف إلى 350 ألف دينار جزائري (بين 2000 دولار و2400 دولار) سنوياً، وأتركها لقضاء العطلة مع العائلة أو لمواجهة أي طارئ. أما اليوم، فقد أصبحت كلمة ادخار من الماضي الجميل. فمنذ سنة 2020 تهاوت مدخراتي، ولم أتمكن من وضع بعض الدنانير جانباً، في ظل الغلاء الذي نعيشه اليوم".
بهذه النتيجة والملاحظة، أجاب المواطن عبد الوهاب زراولية الذي يشتغل موظفاً في إدارة البلدية، عن سؤال لـ "العربي الجديد" عن حجم ادخاره السنوي، أو حتى الشهري، في ظل تغيير المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر.
وتعتبر حالة زراولية مشابهة لحالة الملايين من الجزائريين الذين اضطروا إلى التخلي عن عادة الادخار التي توارثتها العائلات بناءً على ثقافتها الاقتصادية منذ زمن بعيد.
وكان الدينار الجزائري قد سجل انخفاضاً غير مسبوق في تاريخه أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة، مواصلاً بذلك سقوطه الحر أمام العملات الأجنبية، بوتيرة سريعة تفوق توقعات الحكومة، رافعاً نسب التضخم الذي بات يلتهم قدرة الجزائريين الشرائية.
وسجلت العملة المحلية في شهر إبريل/نيسان الماضي 148.88 ديناراً للدولار الواحد، لأول مرة في تاريخ العملة الجزائرية، و165.87 ديناراً لليورو الواحد.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ووفق هذه الوتيرة، يرتقب الخبراء أن يتخطى الدولار عتبة 160 ديناراً جزائرياً قبل نهاية السنة، رغم الخطاب الرسمي المطمئن بعودة العافية للعملة التي تعيش أسوأ أيامها.
جميلة مواطنة تعمل ممرضة في مستشفى عمومي، تقول لـ "العربي الجديد" إنها وزوجها لم يدخرا أي دينار سنة 2021، ولا حتى 2022.
وتضيف المتحدثة نفسها: "كنا في السابق ندخر ما يقارب مائة ألف دينار سنوياً (900 دولار حالياً) نتركها لقضاء عطلة صغيرة في الجزائر أو ننفقها في المناسبات الدينية وغيرها التي ترتفع فيها المصاريف".
وترجع المواطنة هذا التحول في "العادات الاستهلاكية" لعائلتها إلى ارتفاع ضغوط المعيشة وما قابلها من ارتفاع للتضخم وتدني قيمة الدينار.
واللافت أن "الاندثار" البطيء لعادة "الادخار العائلي" لم يقتصر على أصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، بل امتد إلى أصحاب الدخل المرتفع، أي ما فوق مائة ألف دينار شهرياً (900 دولار)، حيث دُفعت هذه الفئة دفعاً نحو تغيير عاداتها الإنفاقية بشكل قلص ادخارها ونسف العديد من مشاريعها.
وهو حال خير الدين رشاش الذي يشتغل في قطاع الضرائب، والذي كشف لـ "العربي الجديد" أن "مدخراته تقلصت بحوالي النصف في ظرف سنة، وذلك بسبب غلاء المعيشة، وهو ما قاده إلى تغيير مشاريعه كتغيير السيارة والاكتفاء بقضاء العطلة في الجزائر أو تونس عوض الذهاب الى أوروبا، كما كان مبرمجاً".
هذا ويمثل الادخار العائلي خمس الادخار الوطني في الجزائر، ما جعله منبعاً لتمويل الاقتصاد المتعثر أخيراً بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط.

وحسب الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، يمثل "الادخار العائلي قرابة 15 مليار دولار إذا ما جمعنا الادخار الموضوع في البنوك والمنازل أو ما يعرف في الجزائر بـ "تحت الوسادة"".
وأضاف لـ "العربي الجديد" أن "نهاية العهد بين الجزائريين والادخار كان متوقعاً، بالنظر لعدة متغيرات، منها انهيار الدينار بأكثر من ثلث قيمته في ظرف سنة، وما تبعه من ارتفاع للتضخم الذي بلغ 8 بالمائة في الثلث الأول من 2022، حسب التوقعات، وعندما نتحدث عن تدهور العملة وارتفاع التضخم، فهذا يعني ارتفاع أسعار السلع والخدمات".
ولفت نور الدين في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "الرواتب في الجزائر لم تساير هذه التطورات التي فرضتها الأزمة المالية، حيث لم ترتفع الأجور منذ 2011، إلى غاية مطلع هذه السنة، بعدما حُسمَت الضريبة على الدخل، المُطبقة على الرواتب، ولو بقيت الزيادة ضئيلة، وبالتالي من يتقاضَ اليوم 30 ألف دينار (250 دولاراً)، يجد نفسه ينفق جلّ راتبه بعد أن كان ينفق 80 بالمائة منه قبل 3 سنوات".
وفي المقابل، إذا كان تراجع الادخار بالنسبة إلى العائلات الجزائرية أمراً منطقياً فرضته الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، فإن بعض الخبراء يرون أسباباً أخرى أدت إلى تراجع المدخرات المالية للعائلات، منها المتعلقة بالنظام المصرفي.
وإلى ذلك، يقول الخبير المالي نبيل جمعة إن "النظام المصرفي البدائي المعتمد في الجزائر أفقد المواطنين الثقة بالبنوك، إذ واجه العديد من المدخرين صعوبات في استخراج أموالهم منها، ولو بمبالغ صغيرة، بالإضافة إلى استغراق عملية سحب واحدة لقرابة ساعتين من الزمن، إن لم نقل أكثر، بشرط أن تتوجه إلى الوكالة التي فتحت بها الحساب، أي لا يمكنك السحب من أي وكالة فوق التراب الجزائري".
وحسب الخبير الجزائري لـ"العربي الجديد"، فإن "الجزائريين يتحسسون من الفوائد البنكية التي يرونها فوائد ربوية تنفرهم من إيداع مدخراتهم في البنوك"، وبالتالي يرى الخبير أنه "يجب إعطاء دفعة جديدة للنوافذ الإسلامية المعتمدة أخيراً في البنوك، مع تفعيل دور البورصة التي لم تنجح في استقطاب الجزائريين لادخار أموالهم في شكل أسهم أو سندات، بالرغم من إنشائها سنة 1996، أي قبل 21 سنة".