Skip to main content
وزير تونسي: هدنة ضريبية في 2019 ولا إملاءات من صندوق النقد
إيمان الحامدي
الوزير الراجحي أمام مهمات صعبة (العربي الجديد)

قال الوزير المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى في تونس توفيق الراجحي، إن مشروع قانون المالية للعام المقبل 2019، سيكون مخففا من الأعباء الضريبية، مشيراً في مقابلة مع "العربي الجديد"، إلى أن صندوق النقد الدولي لا يفرض إملاءات على الحكومة.

وإلى نص الحوار الذي أجرته صحيفة "العربي الجديد" مع الوزير المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى في تونس :


ـ بداية، إلى أين وصلت الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي؟

لا بد من التأكيد أولا على أن قرار الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة هو قرار وطني بحت لا دخل فيه لصندوق النقد الدولي أو غيره من دوائر القرار المالي العالمي. حكومة الوحدة الوطنية أقدمت على إصلاحات اقتصادية ضرورية أجلتها كل الحكومات السابقة، وليست هناك أي إملاءات من قبل الصندوق.

ـ لكن كل الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة، سواء الجبائية أو المتعلقة بمراجعة سياسة الدعم أو المالية، وردت في بنود الاتفاق المبرم مع صندوق النقد في مايو/ أيار 2016، والذي حصلت تونس بمقتضاه على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار، ما تعقيبك؟

نعم الإصلاحات التي تجريها الحكومة تلتقي في جزء منها مع الإصلاحات التي دعا إليها صندوق النقد والواردة في الاتفاق المبرم معه، لكن الجزء الأهم منها هو طريقة تطبيقها التي تتم بالاتفاق مع المنظمات الوطنية وبعد التشاور مع الأحزاب السياسية ومناقشتها في البرلمان.
فلا دخل مثلا لصندوق النقد بالإصلاحات المتعلقة بالمؤسسات العمومية، وهو لم يطلب تخصيصها (خصخصتها)، كما تروج بعض الأطراف. الصندوق قدّم توصيات بإصلاح النظام الجبائي وتقليص عجز المالية العمومية وتحسين احتياطي النقد الأجنبي، وهي إصلاحات تقر كل الأطراف الداخلية بضرورة القيام بها.
ـ لكن هناك من يرى أن الإجراءات المتبعة منهكة للتونسيين والنقابات العمالية (الاتحاد العام التونسي للشغل)، ويقول إنك رجل صندوق النقد في تونس، فما ردك؟

أنا مكلف بمتابعة ملف الإصلاحات الكبرى منذ عام 2015، ثم أصبحت وزيراً مكلفا بالإصلاحات الكبرى في حكومة الوحدة الوطنية، والمتابع الجيد لمسار المفاوضات مع الصندوق يدرك أن الحكومة لا تنصاع لأي إملاءات، فغالبا ما تنتهي المفاوضات مع خبراء الصندوق بإقناعهم بالقرارات التي تتخذها الحكومة، والدليل على ذلك أننا نستعد للدخول في جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية رغم توصيات الصندوق بخفض كتلة الأجور.
النقابات العمالية التي تنتقد سياسة الحكومة الإصلاحية متفقة معنا على ضرورة إجراء هذه الإصلاحات بما في ذلك المتعلقة منها بالمؤسسات العمومية.

ـ على ذكر المؤسسات العمومية، ما هي خطة الحكومة لإصلاح هذه المؤسسات وما هي الشركات الأقرب للتخصيص (الخصخصة)؟

لا بد أولا من الإشارة إلى أن خيارات الحكومة لا تتجه نحو التخصيص في المؤسسات كما يروج لذلك، ولا توجد أيضا وصفة جاهزة ستطبق على كل الشركات، بل تتم دراسة الوضع المالي للشركات حالة بحالة، وسيتم إما رفع رأس مال بعضها أو البحث عن شريك استراتيجي، ثم ربما خصخصة المؤسسات في قطاعات غير تنافسية أو حصص صغيرة للدولة في 6 مؤسسات بنكية.

ـ لكن وصفة الحكومة لإصلاح المؤسسات الحكومية تصطدم مع رؤية اتحاد الشغل (اتحاد العمال)، ما تسبب في قطيعة بين الطرفين، وتوتر الأجواء دفع إلى حد المطالبة برحيل الحكومة واتهامها بالسمسرة والسعي للتفريط في مكتسبات الشعب، كيف تفكك هذا الأمر؟

اتحاد الشغل على وعي تام بضرورة معالجة الوضع المالي لهذه المؤسسات، لكنه يخشى فقدان ثقله العمالي في حال تخصيص المؤسسات، رغم أني أشدد على أن فرضية الخوصصة (الخصخصة) غير مطروحة، أما عن توتر الأجواء السياسة في البلاد، فأي تقويض للاستقرار السياسي يقلل من فرص الاستثمار ويؤثر على سمعة تونس في الأسواق الأجنبية وأيضا لدى دوائر القرار المالي العالمي التي تحظى لديها تونس بثقة كبيرة.
ـ وماذا عن إصلاح البنوك العمومية الثلاثة، هل سيتم دمجها معا عملا بالتوصيات التي تقدم بها بعض الخبراء الاقتصاديين؟

دمج المؤسسات البنكية العمومية الثلاثة في كيان واحد أمر مستبعد، لكن إصلاح القطاع المصرفي الذي يعد أحد ركائز الخطة الإصلاحية للحكومة يتقدم بشكل كبير، وأعتقد أنه بعد مصادقة البرلمان في مايو/ أيار الماضي على قانون دعم الأسس المالية للبنوك العمومية ستتمكن البنوك من تحصيل جزء مهم من ديونها غير المستخلصة والمقدرة بنحو 6.5 مليارات دينار.

ـ مقابل ما تصفه بتقدم إصلاح القطاع المصرفي، هناك إصلاحات أخرى لا تزال متعثرة، ومنها إصلاح الصناديق الاجتماعية، ما بات يهدد رواتب المتقاعدين، فما خطة الحكومة لضمان تقديم الخدمات المعاشية والعلاجية للمتقاعدين؟

فعلا إصلاح الصناديق الاجتماعية لا يزال متعثراً والحكومة تتولى شهرياً التدخل لتوفير نحو 100 مليون دينار (37.8 مليون دولار) لصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية لضمان سداد معاشات المتقاعدين، وفي انتظار إصلاح هيكلي للصناديق من خلال قانون الإصلاح الاجتماعي الذي سيتم بمقتضاه رفع سن التقاعد وتحسين نسب استخلاص المساهمات الاجتماعية غير المدفوعة.
وقد أحالت الحكومة أخيرا مشروع القانون للبرلمان وطلبت فيه استعجال النظر لتفادي المزيد من تأزم الوضع، وخاصة أن الصناديق الاجتماعية بلغت مرحلة العجز الهيكلي.

ـ أخيرًا زادت الحكومة وتيرة القرارات المؤلمة المتمثلة في الزيادات في أسعار المحروقات والنقل وغيرها، إضافة لرفع البنك المركزي نسبة الفائدة في مناسبتين، وهي قرارات يقول البعض إنها تطحن الطبقات الضعيفة (الفقيرة) والمتوسطة، فمتى يتوقف نزيف الزيادات؟

لا نية للحكومة لطحن الطبقات الضعيفة والمتوسطة، بل إنها أخذت قرارات موازية لزيادة النفقات الاجتماعية لصالح الأسر الضعيفة والمتوسطة والتكفل بنفقات العلاج لأكثر من 35 ألف أسرة، إضافة إلى زيادة المنح الجامعية لصالح الطلاب بنحو 500 دينار. والحكومة لديها وعي بتدهور القدرة الشرائية للتونسيين وتسعى لمحاصرة أسباب ارتفاع الأسعار المتأتية من التصرفات الاحتكارية لبعض المزودين وقلة إنتاج بعض المواد.

ـ إذا بماذا تفسر الزيادة الأخيرة في سعر الطاقة، وما يترتب عليها من زيادات في كل المواد الاستهلاكية والخدمات؟

الزيادة في سعر المحروقات ليست خياراً حكومياً، فتعديل الأسعار فرضته زيادة سعر البترول في السوق العالمية، ففاتورة الطاقة هي الصداع الدائم للحكومات التونسية منذ الثورة.

هذا العام خططنا موازنة 2018، على أساس سعر البترول عند 54 دولاراً للبرميل، وهو ما يجعل الدولة مطالبة بتوفير 1.5 مليار دينار (568.29 مليون دولار) لدعم الطاقة، بينما يتم توفير باقي مخصصات الاحتياجات من الوقود التي تبلغ قيمتها الإجمالية 2.4 مليون دينار عبر سياسات ضبط الأسعار القطاعية.

وأعلنا عن تفعيل آلية التعديل الآلي للأسعار منذ ديسمبر/ كانون الأول 2017، غير أن ارتفاع سعر البترول إلى أكثر من 75 دولاراً حالياً ولد ضغوطا جديدة على المالية العمومية، بعد ارتفاع فاتورة الدعم، ما دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة رصد المخاطر المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط.

للأسف في مايو/ أيار الماضي مع ارتفاع متوسط سعر البترول إلى 70 دولارا للبرميل، ارتفعت فاتورة الدعم إلى نحو 4 مليارات دينار، وهو أكثر من ضعف ما تم رصده ضمن موازنة 2018، لذا قررنا زيادة الحصة التي تتحملها من ميزانية الدولة من 1.5 مليار دينار إلى 2.7 مليار، على أن يتم توفير 1.3 مليار دينار المتبقية عبر زيادة الأسعار وترشيد الاستهلاك.

هل ستتوقف الزيادات عند هذا الحد أم أن هناك زيادات قادمة؟

تقييمنا القادم سيكون في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لنرى ما هي القرارات اللازمة، فقد سمح لنا البرلمان بـ 1.5 مليار دينار فقط  لدى المصادقة على قانون المالية، ونحن اليوم إزاء دعم يقدر بنحو 2.7 مليار دينار، ويجب علينا أن نذهب إلى مجلس نواب الشعب للحصول على قانون تمويل تكميلي فقط من أجل ذلك.

ـ لدى مناقشة قانون المالية للعام الحالي، وعد رئيس الحكومة يوسف الشاهد بأن تكون سنة 2018 آخر السنوات الصعبة بالنسبة للتونسيين، لكن يبدو أن الصعوبات تتواصل، وخاصة أن الحكومة طلبت من الوزارات عدم برمجة أي انتدابات (تعيينات) أو زيادات في الأجور في ميزانية 2019؟ 

فعلا الحكومة طلبت من الوزارات تجميد الانتدابات في القطاع العام للسنة المقبلة، لأن سياسة الانتدابات العشوائية التي اتخدتها الحكومات منذ 2011 تسببت في إغراق القطاع العام بالانتدابات وتضخم كتلة الأجور التي تمثل 15% من الناتج المحلي للبلاد دون تحقيق أي تحسن في أداء المرفق العام.

وخطة الحكومة للإصلاح الإداري تتوزع إلى فرعين، يتمثل الأول في رقمنة الإدارة، والثاني خفض كتلة الأجور والتشجيع على التقاعد المبكر والتسريح الطوعي، وكلاهما يتقدم ببطء.
ـ هل يعني ذلك أن الدولة أغلقت نهائياً باب التوظيف الحكومي؟

القطاع العام لا يمكن أن يكون قطاع خلق فرص الشغل، فالدولة مطالبة بتوفير آليات تحسين الاقتصاد ودفع النمو والاستثمار، لأن ارتفاع نسب النمو هو السبيل الوحيد لخلق فرص العمل، سواء في القطاع الخاص أو عبر المبادرات الفردية.

ـ في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، قلت إن برنامج التسريح الطوعي لم يحقق أهدافه، فهل ستوقف الحكومة هذا الإجراء؟

خطة التشجيع على التقاعد المبكر حققت أهدافها نسبيا وحصلنا على 5 آلاف طلب للإحالة على المعاش قبل السن القانونية، لكن برنامج التسريح الطوعي لم يثمر إلا عن ألفي طلب تسريح من جملة 10 آلاف تستهدفها الحكومة هذا العام، لذا تقرر فتح دورة ثانية، انطلقت يوم الثاني من يوليو/ تموز الحالي، وتستمر إلى أغسطس/ أب المقبل.

ـ البعض يرى أن هناك موارد مالية لم تحسن الدولة التعامل معها، مثل تعقب الفاسدين والمتهربين من الضرائب؟

ليست هذه سياسة مالية بديلة في حد ذاتها، فالحكومات المتعاقبة تحسن الترسانة القانونية، والنتائج أفضل على الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به. في أي حال نعم لمكافحة المتهربين من الضرائب والفساد، ولكن أولئك الذين يعتقدون أن الأموال التي تم جمعها سوف تستخدم لدفع الأجور والتعويض عن الطاقة خاطئون.

ـ لنعد إلى صندوق النقد، متى يتم سحب القسط الرابع من قرض الصندوق، وماذا تنتظرون من اجتماع مجلس إدارة الصندوق في السادس من يوليو/ تموز الحالي؟

تقرير خبراء الصندوق بشأن المراجعة الثالثة كان إيجابيا، ونتوقع أن يوافق مجلس إدارة الصندوق على صرف شريحة جديدة بقيمة 250 مليون دولار في أغسطس/ آب المقبل.

ـ ما هي أبرز ملامح موازنة العام القادم، وهل سيكون هناك ضغط جبائي جديد؟

على الأغلب ستكون سنة هدنة جبائية. النية تتجه إلى تخفيف الأعباء الضريبية عن الأفراد والمؤسسات، مع مواصلة البحث عن طرق لتعزيز إيرادت الدولة الجبائية بملاحقة المتهربين وإدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم، إلى جانب مواصلة تقليص كتلة الأجور.


ـ كان من المفترض أن تخرج تونس منذ مارس/آذار الماضي للسوق العالمية لاقتراض مليار دولار، غير أن هذا تأجل لأكثر من مرة، فهل تحدد الموعد النهائي لطلب هذا القرض؟

تحديد موعد الخروج إلى السوق العالمية من اختصاص البنك المركزي، الذي يتولى القيام بالعملية لصالح الدولة، وأظن أن الموعد سيكون مناسبا بعد موافقة صندوق النقد الدولي على صرف قسط جديد من القرض المتفق عليه لأن هذه الموافقة ضمانة مهمة للمقرضين، وستساهم في الحصول على تمويل بنسبة فائدة معقولة.

سيرة ذاتية

- وزير مكلف بمتابعة الإصلاحات الاقتصادية.
- قيادي في حركة النهضة.
- أستاذ مشارك في جامعات فرنسا وخبير دولي في مجال التنمية الاقتصادية.
- في العام 2000 التحق بفرنسا ودرّس الاقتصاد وأجرى أبحاثه في جامعة باريس 1 بانثيون- السوربون.
- نشر العديد من المقالات في مجال الاقتصاد الكلي والنمو الداخلي وأشرف على العديد من أطروحات الدكتوراه.
- منذ العام 2004، عمل في بنك التنمية الأفريقي وتولى العديد من المسؤوليات في مجال التنمية الاقتصادية.
- مسؤول عن شعبة حوار السياسات وإدارة التنمية.
- ترأس دائرة الاقتصاديين التونسيين.