هتافات ملاعب الجزائر... نقد داخلي وأزمات مع الأشقاء
عثمان لحياني ــ الجزائر
جمهور كرة القدم في الجزائر (العربي الجديد)

أعادت الأزمة التي شهدها "ملعب بولوغين" وسط العاصمة الجزائرية، مساء أمس الأحد، إلى الواجهة قضية استعانة الجماهير الجزائرية بالأغاني والأهازيج السياسية، التي تسببت في عدة أزمات سابقاً مع عدد من الدول العربية.

في الدقيقة 72 من مقابلة نادي "اتحاد الجزائر" مع نادي "القوة الجوية" العراقي في بطولة دوري أبطال العرب، انسحب لاعبو الفريق العراقي بعد أن كرر الجمهور الجزائري "الله أكبر. صدام حسين"، ما اعتبره العراقيون "طائفية"، قبل أن يتطور الأمر إلى التهديد بأزمة دبلوماسية.
وليست هذه المرة الأولى التي تطلق فيها جماهير الجزائر تعبيرات سياسية تتعلق بشأن أو زعامات عربية مدحا أو ذما، فقبل أشهر، رفعت جماهير مدينة "عين مليلة" (شرق) لافتة ضخمة رسم فيها وجه يظهر نصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والنصف الثاني ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، تعبيرا من الجماهير عن رفضها سياسات السعودية الخاضعة للرغبات الأميركية، وأحدثت اللافتة ضجة سياسية واحتجاجا رسميا سعوديا أعقبه اعتذار رسمي من رئيس الحكومة الجزائرية.

لكن تحول الملاعب الجزائرية إلى منابر للتعبير السياسي ليس مستحدثا، فطبيعة النظام السياسي منذ الستينيات لا تتيح حرية التعبير عن المواقف والآراء السياسية والاجتماعية والثقافية، وهو ما دفع الجماهير إلى استغلال المباريات في التعبير، ويقول رئيس بلدية الجزائر الوسطى، حكيم بطاش: "كانت تقام في نهاية كل أسبوع مقابلات شبيبة القبائل، وهو أكبر فرق منطقة القبائل ذات الأغلبية الأمازيغية، وكنا نحمل المناشير السياسية المطالبة بالهوية والثقافة الأمازيغية، ونوزعها داخل المدرجات، ونلقي بها عندما يقوم الجمهور فرحا بتسجيل هدف، لكي نفلت من مراقبة الأمن والكاميرات".

ويؤكد الصحافي الرياضي، ميلود سويهر، أن "الملاعب كانت دائما منابر سياسية بالنسبة للجماهير التي تأتي لمشاهدة مباراة كرة قدم، لكنها تستغل المكان للتعبير، من خلال أغانٍ أو أهازيج، عن مواقف سياسية ونقد اجتماعي حاد للحكومة. أذكر أنه خلال نهائيات كأس أفريقيا التي نظّمت بالجزائر عام 1990، كان بجانبي صحافي من كوت ديفوار، وطلب مني ترجمة أهازيج الجمهور، والذي كان يردّد: (الجيش. الشعب. مع عباس مدني)، فلما شرحت له أنّها تعبّر عن توجّه سياسي لصالح حزب معارض للسلطة. قال: هل هذا هو المكان المناسب لذلك؟ فقلت: هو مكان مناسب في الجزائر".

وتضاعف النقد السياسي والاجتماعي للجماهير الرياضية خلال السنوات الأخيرة، ففي لقاء نهائي كأس الجمهورية في مايو/ أيار الماضي هتفت جماهير ملعب "الخامس من يوليو" ضد رئيس الحكومة أحمد أويحيى، الذي كان يجلس في المنصة الشرفية، كما تطلق الجماهير أهازيج ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتكرر الأمر في الأسابيع الأخيرة بسبب مشروع الولاية الرئاسية الخامسة.

وتخصص جماهير الجزائر حيزاً كبيراً في هتافاتها للمشاكل الاجتماعية، كالفساد والمخدرات، ومن الهتافات الشهيرة عن الهجرة: "روما ولا أنتوما"، وتعني "نذهب إلى روما أفضل من البقاء معكم"، ولا تغفل عن القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية، إذ يتكرر في الملاعب: "فلسطين فلسطين. الشهداء"، و"جيش وشعب معاك يا غزة".

ولا تستطيع السلطات أو النوادي الرياضية في الجزائر التحكم في هتافات الجماهير، لكن توالي الأزمات بسببها بين الجزائر وبعض الدول العربية، كمصر في 2009، والسعودية في 2017، والعراق أخيراً، قد يدفع السلطات إلى البحث عن أدوات لتجنب ذلك مستقبلاً.