Skip to main content
موريتانيات يحيين الصناعة التقليديّة
خديجة الطيب ــ نواكشوط
يبحثن عن الرزق من خلال أعمال بسيطة(موقع يوسف كامنغ)
دفعت الحاجة وضيق ذات اليد نساء موريتانيا إلى الصناعات التقليدية والتراثية، من أجل إعالة أطفالهن. فبعد الطلاق أو هجر أزواجهن، رأت هؤلاء النساء أنفسهن يبحثن عن مصدر للرزق، من خلال أعمال بسيطة يؤدينها وهن وسط عائلاتهن. ولم ينقذ ذلك المرأة وعائلتها من الفقر فحسب، بل أنقذ أيضاً الصناعة التراثية من الاندثار وأعاد مصنوعات تقليدية كثيرة إلى الواجهة.

بعد إغراق البلاد بالبضائع المستوردة، راحت أنامل الموريتانيات تطوّر الصناعات التقليدية لتترك بصماتها على الأواني والمفروشات والأثاث والملابس. واستأثر الديكور باهتمام هؤلاء المقبلات على الصناعات التقليدية، خصوصاً ما يتعلق بالزخرفة والنقوش. وقد نجحت التعاونيات النسوية في تسويق منتجاتها لهواة التحف وللسياح الغربيين، وحتى للموريتانيين الذين بدأوا يزينون منازلهم بقطع أشبه بلوحات فنية صنعتها أيدي هؤلاء النساء. إلى ذلك راحت الحكومة الموريتانية تقدّم هذه القطع هدايا تذكارية لضيوفها الأجانب من رؤساء ودبلوماسيين.

وأبدعت الموريتانيات في إنتاج أشكال متعددة ومتنوعة من الصناعات الحرفية التقليدية، تداخلت فيها الأصالة والحداثة. فقد انتقلت بعض تلك الصناعات من التقليد البحت المعتمد على أدوات ووسائل تقليدية إلى صناعة تقليدية بروح عصرية.

أم الفضل بنت محمد سعيد (47 عاماً) هي خياطة، وهي واحدة من هؤلاء المضطرات إلى إعالة أسرهن. تقول إن النساء طوّرن بعض أنواع الصناعات التقليدية وبرعن في إدخال بعض التجديد والابتكار عليها، كالتطريز والصباغة والنقش على الفضة. كذلك وضعن أشكالاً وتصاميم عصرية لمنتجاتهن، راحت تُعتمد في خياطة الملابس وصناعة الأثاث وأعمال الديكور كتزيين النوافذ والأبواب. تضيف أن "النساء أدخلن أنواعاً مختلفة من التطريز المستوحى من التخطيط والرسومات الأفريقية، وزيّنّ به الحلي والأثاث والنحاسيات والفضيات. فجاءت المنتوجات مميزة بأشكالها وألوانها الزاهية. كذلك أبدعن في أشكال التطريز اليدوي والزخرفة وإكسسوارات الزينة التقليدية للنساء، كالملابس والحلي والعقيق والحناء. وهذا له أكثر من رمزية ودلالة في المجتمع الموريتاني".

وتشير بنت محمد سعيد إلى أن معيلات الأسر في موريتانيا اللواتي يُقبلن على الصناعة التقليدية أكثر من الأعمال الفلاحية والموسمية، يطالبن بدعمهن وإنصافهن وبمحاربة الفقر وتحقيق المساواة في الفرص.

تعدّ منتوجات النساء تلك، هدايا مميزة وتذكارات مناسبة يُقبل عليها السياح الأجانب والزائرون، خصوصاً وأن ذوق النساء في تحديث الصناعة التقليدية وإدخال أشكال جديدة تتلاءم مع الموضة أضفيا على الصناعات التقليدية جمالية وإبداعاً.

ولعل أبرز الحرف التي ازدهرت بعد إقبال النساء عليها، هي خياطة الملابس التقليدية وحياكة الزرابي وصناعة الخيام والحصير وتزيين ودباغة الجلود وصناعة الخزف والنقش على النحاس والفضة.

وتتمتع منتوجات النساء من الصناعة التقليدية بسمعة طيبة إذ إنها مواد تصلح للزينة وللاستخدام اليومي أيضاً، فهي متقنة الصنع وتتطلب أياماً من العمل؛ وهي أيضاً تختلف كثيراً عن المنتوجات المستوردة التي تحاول تقليد الصناعات التقليدية.

يقول الباحث الاجتماعي محمد الإمام ولد حمادي لـ "العربي الجديد"، إن "تطوّر المجتمع واعتماده على الأدوات المستوردة التي توفرها الصناعة الحديثة، أدى إلى تراجع الاهتمام بالصناعة التقليدية التي أصبحت مهددة بالاندثار". يضيف أنه "وعلى الرغم من الدعوات المطالبة بإنقاذ الصناعة التقليدية، إلا أن الدولة لم تضع استراتيجيّة لذلك باعتبارها من تراث البلد".

ويشير ولد حمادي إلى أن "التعاونيات النسوية استطاعت إنقاذ بعض أنواع الصناعات التقليدية، من خلال إحياء صناعة الأدوات والمنسوجات المرتبطة بالمنتج التراثي. وقد عملت هذه التعاونيات على تطوير بعض الصناعات التقليدية، بخاصة تلك التي تستخدم مادتَي الفضة والنحاس في الزخرفة والتزيين". بالنسبة إليه، "الصناعة التقليدية مكوّن أساسي من ذاكرة البلد وجزء مهم من تراثه الثقافي، لا بدّ من الاهتمام بها والاستفادة من الخبرات المتوارثة والصناعات التي طوّرها الأجداد لتصل إلينا". ويشدّد على أن "الانتفاع من الصناعة التقليدية يمكن أن يحل مشكلات كثيرة تتعلق بالتنمية المحلية والبطالة"، داعياً إلى "دعم النساء اللواتي اخترن العمل في الصناعة التقليدية وتمويل جمعياتهن، وحمايتهن من منافسة الصناعات المستوردة التي تقلد ما يصنعن".