Skip to main content
مهرجان القاهرة السينمائي...هوس بالنسق العسكري والأجانب
نديم جرجوره ــ القاهرة
فاز فيلم "المتطفّل" للإيطالي ليوناردو دي كوستانزو(Getty)
مساء 30 نوفمبر/ تشرين الثاني2017، اختُتمت الدورة الـ39 لـ"مهرجان القاهرة السينمائي" بتوزيع جوائز المسابقات المختلفة، وبتكريم أدريان برودي وهيلاري سوانك ونيكولاس كايج.

لم تكن حفلة ختام الدورة الـ39 (21 ـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017) لـ"مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ"، المُقامة في "مركز المنارة للمؤتمرات الدولية"، التابع للقوات المسلّحة المصرية، مختلفة عن حفلات تُشبهها. فالخطابات القليلة حكرٌ على ضيوف أجانب، بالإضافة إلى رئيس لجنة التحكيم الدولية، المصري حسين فهمي؛ ورئيسة الشرف للدورة هذه، المصرية يُسرا. والاستعراض مُقتَصرٌ على لوحات راقصة لمجموعة من الشبان، وأغنية لأنغام، وتوزيع الجوائز.

لكن إدارة المهرجان تمكّنت من "إقناع" 3 ممثلين أميركيين للمُشاركة في حفلة الختام تلك، ما أدّى إلى حماسة جماهيرية لم يتلقّاها أي فائز أو ضيفٍ آخر. في حين أن "نجومية" ممثلين مصريين تتفوّق، هي أيضاً، على أيّ أحدٍ قادمٍ من أي بلدٍ عربيّ أو آسيوي أو أوروبي. فالتصفيق الحار، والذي ضجّت به القاعة الكبرى مع إعلان حضور الممثلين الأميركيين الـ3، هيلاري سوانك وأدريان برودي ونيكولاس كايج، يتساوى والتصفيق الحارّ الممنوح لحسين فهمي ويُسرا، كما لنيلّي كريم ومحمود حميدة.

هذا جزءٌ من طبيعة الحالة المصرية، على مستوى علاقة الجمهور بالنجوم: أن يُطلَب من حسين فهمي تقديم أعضاء لجنة التحكيم، فهذا كفيلٌ بإشعال الصالة بتصفيقٍ، لن يتفوّق على ذاك الممنوح ليُسرا. والفائزون العرب والأجانب لن يعرفوا احتفاءً بهم وبفوزهم، كذاك الذي يُقدَّم لنجومٍ دوليين، يتبارى المصريون الـ3، كريم وحميدة ويُسرا، في كيل المديح لهم. فالأولى تمنح تمثال التكريم لبرودي، والثاني لسوانك، والثالثة لكايج، الذي أثار حماسة حاضرين كثيرين، بنبرة صوته، وإعلانه سعادته بالعودة إلى القاهرة، وتعبيره الواضح عن التشابه المرير في المآسي بين مصر وأميركا، قائلاً إن العنف حاضرٌ في بلده كما هو حاضرٌ في بلادٍ أخرى، ومطالباً الجميع بالتصدّي للشدائد. والاحتفاء بكايج متساوٍ والاحتفاء بسوانك وبرودي، المُعَبِّر أمام الجميع بفرحته بوجود والده معه في القاعة نفسها.

أمور عديدة متَّفَق عليها في كلام الخطباء، تختصر باثنين: تذكّر ضحايا مجزرة "مسجد الروضة" (شمال سيناء)، وما يُفترض بالجميع فعله في مواجهة الإرهاب، عبر السينما والتمسّك بالحياة وعدم التراجع أمام العنف؛ وارتفاع منسوب التصنّع في التعبير الأميركي عن جمال المدينة (القاهرة)، وبساطة الشعب المصري وطيبته، وفرح الزيارة، والتمتّع بالبلد، علماً أن الأميركيين الـ3 أمضوا في القاهرة ساعاتٍ قليلة، كافية لتلبية دعوة المُشاركة في الحفلة، والتجوّل قليلاً، هنا وهناك، فقط.

هذا حاصلٌ في قاعة كبيرة، لم تتمكّن الشبكة التلفزيونية DMC، والتي تولّت مهمّة تنظيم حفلتي الافتتاح والختام، من ملئها، فاستعان المنظّمون بشبانٍ يعملون في التنظيم، كي يجلسوا في المقاعد الأولى، وكي يُصفقوا عندما يحين الوقت، وكي يقفوا تحيةً للضيوف، كما يفعل المدعوون الآخرون.

الهوس بالموسيقى الصاخبة، الأقرب إلى النسق العسكري، لافت للانتباه. هذا لا علاقة له بمكان إقامة الحفلة، بقدر ما يعكس تماهياً، لاواعياً ربما، بالمناخ الذي تُقيم فيه القاهرة منذ سنين كثيرة. ورفع منسوب الوطنية أساسيّ، في بلدٍ يتعرّض لنكبات متتالية. كأن التشديد على حبّ الوطن وحبّ الحياة وحبّ السينما "الهادفة" (ماذا تعني مفردة "سينما هادفة"؟)، فعلٌ عمليّ لمقارعة قتلة يأتون إلى البلد من أفكار ضيّقة، أو من ارتباطات إقليمية متعلّقة بصراعاتٍ شتّى، فإذا بعبارات مبثوثة على شاشة كبيرة في قاعة "المنارة" تؤكّد "أولوية" الشعارات، المفرَّغة من خطط عملية أو ميدانية لتحقيقها: سنحارب الكراهية؛ حب الغير؛ حب الحياة؛ لنا في الفن حياة؛ الفن يرتقي بالمشاعر؛ الفن حرية في الأساس، حرية في التعبير؛ أنت وأنا في الحاضر في المكان. إلخ.

الضيوف الأجانب "يسقطون" في الادّعاء والتصنّع: بدءاً من تعبير "السلام عليكم" بلغة عربية مكسّرة، وانتقالاً إلى كيل المديح والتغزّل ببلدٍ، لم يروا منه إلاّ القليل المتعلّق بالسياحة، مروراً بإطلاق شعارات تتلاءم واللحظة الآنيّة. إذْ لا وقت لديهم لمُشاهدة أفلامٍ مُنتجة في مصر مثلاً، أو مُشاركة في المهرجان على الأقلّ؛ ولا إدراكَ لهم ببؤس وشقاء ملايين المصريين، بسبب سياساتٍ لا تكترث بهم، أو نزاعات خارجية تُترجم بعض أفعالها الجرمية داخل البلد. بعيداً عن هذا كلّه، فإن حفلة الختام ـ المتوقّفة عند رحيل شادية (1931 ـ 2017)، التي أُهديت الدورة الـ39 إليها ـ مخصّصة، أيضاً، بتوزيع جوائز عديدة.

ففي المسابقة الدولية، فاز "المتطفّل"، للإيطالي ليوناردو دي كوستانزو، بجائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم، وتُمنح للمنتج، وهو الإيطالي كارلو كريستو ـ دينا. ونال "قتل المسيح"، للكولومبية لورا مورا أورتيغا، جائزة الهرم الفضي ـ جائزة لجنة التحكيم الخاصة بأفضل مخرج، وجائزة "لجنة تحكيم النقّاد الدوليين (فيبريسكي)" أيضاً. ومُنح "نينا"، للسلوفاكي يورا ليوتسكي، جائزة الهرم البرونزي لأفضل أول فيلم (وتُعطى للمخرج).

أما جائزة أفضل ممثل، فكانت من نصيب التونسي رؤوف بن عمر، عن دوره في "تونس الليل" لإلياس بكّار، بينما نالت اللبنانية ديامان أبو عبّود جائزة أفضل ممثلة، عن دورها في "إنسرياتد"، للبلجيكي فيليب فان لويي. إلى ذلك، نالت التشيلية مارسيلا سايد جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو كتبته لـ"الكلاب"، الذي أخرجته بنفسها. بينما مُنح "اختفاء"، للهولندي بودووين كوول، جائزة أحسن إسهام فني.