Skip to main content
معنى لحياتنا
عصام سحمراني
قد يكون السعي إلى الحرية(صالح زكي فازلي أوغلو/الأناضول)
"جايين الدنيا ما نعرف ليه" مطلع أغنية "من غير ليه" وحده يخلق كثيراً من الجدل حول الغاية من حياتنا ووجودنا. كثيرون يسلّمون، ويرفضون التفكير حتى في تلك الغاية، فهي واضحة تتجلى في العبادة كما يسنّها النصّ الديني.

لكن، هناك من لا يعتبر العبادة أولوية لديه ناهيك عن عدم اعتبارها غاية. وهناك من يعترف بالعبادة غاية حقيقية له لكنّه يعتبرها بمثابة مظلة كبيرة جداً تتيح له اعتناق غايات دنيوية اختارها بنفسه، أو ظنّ نفسه اختارها بكامل تأثيراتها الاجتماعية والثقافية، أو أدرك أنّها مفروضة عليه فرضاً لكنّه مع ذلك لا يحيد عن صراطها. وهناك فعلاً من لا يعرفون ما الغاية من الحياة كما تقول الأغنية (إنتاج 1989، ألحان وغناء محمد عبد الوهاب، كلمات مرسي جميل عزيز).

تلك الغايات بما هي عليه من طريق قد تكون طويلة جداً ربما تمتد بطول الحياة نفسها، ومن وصول إلى الغاية، ومن بقاء فيها ثم انتقال منها، تشكل معنى لحياتنا. ذلك المعنى الذي يتغير بين كلّ منا. قد يتوحّد في ما نحن مقبلون عليه من قضايا ومواجهات ونقاط ارتكاز ومفاصل ومفترقات، وقد نجد كثيرين من بيننا يقدّمون الاستجابة نفسها ويؤدّون ردّ الفعل نفسه، لكنّ التمايز يبقى قائماً حتى عندما يكون الموجِّه مجتمعاً كاملاً وتاريخاً عريقاً وثقافة ليس في الإمكان الفكاك منها. ذلك التمايز الصغير جداً عادة هو نفسه معنى حياتنا.

معنى حياتنا قد يكون العمل. قد يكون الحبّ. قد يكون الزواج والعائلة. قد يكون التحصيل الدراسي. قد يكون النضال من أجل قضية ما وحتى الموت في سبيلها، وهي مفارقة أن يكون الموت معنى لحياة لم تعد بيننا أساساً. قد يكون المعنى تعقّب اللذة. قد يكون السعي إلى الحرية. قد يكون ترك ميراث يحفظ اسم صاحبه إلى حين. قد يكون مجرد الإيمان بإمكانية السعي إلى الحرية أو الحبّ أو الفضيلة. وربما عكس كلّ ذلك أيضاً، إذ إنّ معنى الحياة ليس خيراً بالضرورة، فقد يكون الحسد والغيرة والضغينة والعداوة والسخرية من الآخرين وإيذاءهم.

الفقير يعتبر معنى حياته في تأمين قوت يومه. والثري يعتبر معنى حياته في مراكمة الثروة يوماً بعد يوم. المتسلّط يجد في استعباد المزيد من الناس وسلبهم ما يملكون وتكميم أفواههم معنى حياته، والمصلح الاجتماعي يجد في النضال اليومي من أجل الناس معنى حياته. كذلك، يجد الثائر معنى حياته في إيقاظ النيام من الناس ودفعهم إلى الثورة على ظلم يراه واقعاً عليهم، وربما لا يرونه كذلك.

لكن، ليس في الإمكان فصل الذات عن الموضوع، فهما متداخلان بتداخل العلاقة ما بين الفرد ومجتمعه. وحتى من يعرفون جيداً معنى حياتهم يدركون أنّ تلك الحياة ما كان لها وجود لولا الآخرون. وسواء كان ذلك سلباً أم إيجاباً، وسواء كرهنا ذلك أم لا، فهؤلاء هم من يعطون معنى لحياتنا.