Skip to main content
مجموعة قميحة.. طوابع وعملات وبطاقات تاريخيّة نادرة
عبد الرحمن عرابي ــ بيروت
عملة مملوكية نادرة (العربي الجديد)

يتابع وارف قميحة، وهو مدير إحدى الشركات الخاصة في العاصمة اللبنانية بيروت، تصنيف الطوابع في مكتبه، خلال عطلة نهاية الأسبوع. يجمع كلّ طابع بالغلاف المصمّم له، ويضعهما معاً في مغلّف بلاستيكي فارغ، ضمن مجموعة مجلدات كبيرة مصفوفة على مكتبه، تتنوع ألوانها بين الأسود والأحمر، ويضمّ كلّ منها مجلدات بلاستيكية عامرة بمختلف أنواع الطوابع والعملات المعدنية والبطاقات البريدية.

ويخصّص قميحة فترات الليل وعطل نهاية الأسبوع للتفرّغ لمجموعته الكبيرة من الطوابع والعملات المعدنية النادرة، التي جمعها طوال فترة 33 عاماً منذ كان في التاسعة من العمر، والتي نقلها معه بانتقاله من قريته إلى بيروت، حيث طوّرها وحوّلها إلى الاحتراف.
يرأس وارف اليوم "النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات"، أوّل جمعية لبنانية مرخّصة لهذه الهواية، التي انطلقت عام 1840، مع إصدار أول طابع بريدي في العالم، بحسب النادي.

بعناية بالغة يستعرض وارف مجموعته الخاصة ويرفض الحديث عن عدد الطوابع والعملات "لأن قيمة الطوابع والمجموعات هي في فرادتها وتميّزها وليس في تاريخ طباعتها أو عددها". على هذه القاعدة، نقل وارف هوايته إلى الاحتراف، معتمداً تقسيمها إلى مجموعات مختلفة بعنوان محدّد، "لأن الطوابع والعملات هي وسيلة تستخدمها الشعوب لتوثيق الأحداث، وتشكّل مرجعية تاريخية لقراءة ثقافة شعب ما".

من هنا تبرز لدى قميحة الخلفية الثقافية المميّزة التي اكتسبها عبر متابعة الأحداث والأماكن من خلال الطوابع والعملات المعدنية. ويشير خلال الحديث "إلى تحوّل كلّ قطعة لديّ إلى قصّة متكاملة تتناول تاريخ الإصدار والحدث المرافق والشخصيات التي واكبت هذه الأحداث، وهو الأمر الذي يزيد من ثقافة الهاوي، ويؤهله للخوض في أي حديث عام بثقة، انطلاقاً من ثقافته العامة التي جمعها مع الطوابع".

وينعكس ذلك في شكل حفظ العملات والطوابع، إذ لا يكتفي قميحة بالجمع العشوائي بل يُرفق كلّ قطعة في مجموعته بوثيقة تُثبت تاريخ الإصدار، وقصاصة ورق تضمّ معلومات عامّة عنها، إضافة إلى تشكيل القطع في مجموعات خاصة قائمة على موضوع أو فكرة محدّدة، كمجموعة "لبنان" التي تضم طوابع وعملات لبنانية، وبطاقات توثق مجزرة قانا التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان عام 1996، وعدداً من الإصدارات الخاصة بشخصيات، كالكاتب جبران خليل جبران والشاعر سعيد عقل، إضافة إلى بطاقات وثّقت مشاركة لبنان في فعاليات عالمية، كإعلان بيروت "عاصمة عالمية للكتاب" عام 2009. وتتميز "مجموعة قميحة النادرة" بحرصه على إضفاء طابع خاص "من خلال توقيع وزير الثقافة السابق (رئيس مجلس الوزراء الحالي)، تمام سلام، على الإصدار، أو توقيع الفنان التشكيلي وجيه نحلة، الذي رسم طابع سعيد عقل على المغلّف الخاص بها.

كما تضم خزائن قميحة الوافرة "مجموعات خاصة بدول الاتحاد السوفييتي السابق، وطوابع وعملات دول استقلت عنه، ومجموعة طوابع من البلدان الـ16، أصحاب السيادة في منطقة القطب المتجمد الجنوبي المعروفة بأنتاركتيكا".

إضافة إلى مجموعة كبيرة من العملات المعدنية من حقبات تاريخية عدة: رومانية، إسلامية، وحديثة. كما تتضمن المجموعة عدداً من العملات المميزة ذات الإصدار المحدود، التي تخلّد أحداثاً معيّنة، كـ"العثور على بقايا نيزك في الصين، إصدار عملة معدنية فيها قطع من النيزك، انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، إصدار بلدية سيدة لورد في فرنسا لعملة معدنية فيها ماء من مزار لورد الشهير".


وخصّ قميحة القضية الفلسطينية بمجموعة حصرية من الطوابع، جمعها من 43 بلداً عربياً وأجنبياً أصدرها "في مناسبات عدة، كأيام التضامن مع الأسرى والطفل الفلسطيني، وفي يوم الأرض وذكرى الانتفاضة".. ويحفظ قميحة هذه المجموعة في مجلّد خاصّ، مع سجّلات توثّق تاريخ إصدار الطابع أو البطاقة وطريقة إرسالها إلى لبنان باسمه.

وقد سمحت سنوات الهواية الطويلة في تطوير قميحة لطريقة حفظ المقتنيات والحفاظ على جودتها، "بعد تعرّض عدد من الطوابع للتلف نتيجة حملها بطريقة خاطئة، أو تأكسد عملات معدنية قديمة نتيجة استخدام المنظفات العادية، بدل المواد الخاصة التي تحافظ على الشكل واللون والمعدن المصنوعة منه".

ويحدد قميحة قيمة العملة والطابع بـ"الحاجة لاقتنائه بهدف استكمال مجموعة ما، أو ندرته، أو نظافته وحفاظه على شكله الأصلي، لأن خسارة الطابع لأي سن في أي زاوية من زواياه يُفقده جزءاً من قيمته".

جمع قميحة مجموعة خصال وعادات تميّز هاوي الجمع المبتدئ عن الهاوي الخبير، كما يقول، "لأن للهواية قواعد وأخلاقيات لا يمكن التهاون في تطبيقها، كالثقة والأمانة في نقل المعلومة والقطعة، ومنع تداول الطوابع أو العملات المزورة ومساعدة الهواة الجدد في بناء مجموعاتهم بشكل سليم".

وقد جمعت هذه الخصال مجموعة هواة لبنانيين، لأن "هواية جمع الطوابع بقدر ما هي فردية فهي جماعية وتشاركية وتحث على التواصل وبناء العلاقات". فبادر قميحة أخيراً لإطلاق "النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات"، وترخيصه في وزارة الداخلية والبلديات، وإصدار مجلة دورية للنادي، إضافة إلى صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتأمين تواصل يومي بين الأعضاء. ويحرص قميحة على "نقل قيم الهواية وأخلاقياتها إلى مواقع التواصل بعيداً عن الخلاف السياسي الحاد في لبنان".

يتحدث قميحة عن قيمتين للطوابع والعملات "أولها سياسية اختارتها البلاد التي أصدرت الطوابع والنقود، والثانية ثقافية للهاوي الجامع. وبرغم تبدّل القيمة السياسية للطابع، يبقى الحفاظ على الطابع كقيمة ثقافية أمراً حيوياً في كل الأوقات".
بنى قميحة علاقة خاصة بمجموعته التي حملها معه في مختلف مراحل حياته، ويحاول اليوم ترسيخ هواية التأريخ في بلد فشل في كتابة تاريخه الحديث كما فشل في دعم هواته المحترفين.


أقرأ أيضا:جامعو الطوابع في الأردن يصارعون الزمن الرقمي