Skip to main content
عقارات موسكو تفقد 40% من قيمتها بسبب الأزمات
رامي القليوبي ــ موسكو
مبيعات العقارات في موسكو تخضع حالياً للتخفيضات السرية (أرشيف/Getty)

تعيش سوق العقارات في موسكو أزمة حقيقية، بسبب انهيار أسعار النفط وتدهور سعر صرف الروبل مقابل الدولار، وتأتي هذه الأزمة عقب ارتفاع متواصل شهدته، خلال السنوات الماضية، مستفيدة من قوة الطلب وارتفاع الدخول.

وسجلت العقارات الجديدة في روسيا معدل انخفاض بنسبة 36%، في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2014، ولكن تبقى موسكو الأكثر تأثراً بأزمة العقارات الروسية مقارنة بالمدن الأخرى.

ومنذ تشديد الحظر الغربي على موسكو يتدافع أثرياء روسيا على إخراج ثرواتهم من روسيا عبر شراء العقارات في العواصم الأوروبية وعلى رأسها لندن.

وحسب تقارير بريطانية، فإن صفقات الشراء الروسية للمساكن الفاخرة ارتفع بمعدلات كبيرة خلال الربع الأخير والنصف الأول من العام الجاري، وجاء ذلك على حساب عقارات روسيا الفاخرة.

ومنذ بدء موجة ارتفاع أسعار النفط في العقد الأول من القرن الـ21 وتدفق الدولارات النفطية إلى الاقتصاد الروسي، تحولت موسكو إلى مركز اقتصادي عالمي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات فيها إلى أعلى المستويات عالمياً.

وحتى في وقت الأزمة المالية العالمية التي بدأت في أغسطس/آب 2008، تراجعت سوق العقارات في موسكو لفترة قصيرة، ولكنها سرعان ما تعافت مع عودة أسعار النفط إلى الارتفاع التدريجي.

إلا أن الأمر بات مختلفاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها روسيا حالياً بسبب تهاوي أسعار النفط من أكثر من 115 دولاراُ في يونيو/حزيران 2014 إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل حالياً، والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا على خلفية الوضع في أوكرانيا منذ أكثر من عام.

وأصبح العرض في سوق العقارات داخل العاصمة الروسية يفوق الطلب، كما تشير البيانات الصادرة عن هيئة تسجيل الملكية إلى تراجع عدد صفقات تسجيل نقل ملكية العقارات بموسكو في صيف 2015 بنسبة 38% مقارنة بصيف 2014.

وأسفر انهيار قيمة العملة الروسية الروبل من حوالي 34 روبلاً للدولار في منتصف عام 2014 إلى حوالي 66 روبلاً حالياً، عن موجة غلاء غير مسبوقة للسلع الاستهلاكية والمستوردة، وتراجع الدخل الحقيقي والقدرة الشرائية للمواطنين، مما أثر سلباً على سوق العقارات.

وبلغت وتيرة انهيار الروبل ذروتها، في ديسمبر/كانون الأول 2014، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على العقارات بشكل مؤقت، حيث سارع أصحاب المدخرات لاستثمارها قبل أن تتآكل نتيجة تراجع قيمة العملة.

وفي الربع الثاني من عام 2015، استقر الوضع الاقتصادي نسبياً في روسيا، وعزز الروبل موقعه أمام الدولار ليبقى عند مستوى 50 روبلاً تقريباً للدولار، ولكن العملة الروسية عادت إلى الانخفاض، مرة أخرى، في الربع الثالث من العام.

إلا أن الخبير في شركة "مييل" للعقارات ألكسندر كالميكوف استبعد أن يزداد الطلب على العقارات الروسية وسط تراجع قيمة الروبل هذه المرة على غرار الشتاء الماضي، لأن المشترين المحتملين قد استثمروا ما كان لديهم من مدخرات، مقللاً، في الوقت نفسه، من احتمال انخفاض الأسعار.

ويقول كالميكوف لـ"العربي الجديد" إن "كل مقاول له التزاماته المالية أمام البنوك ويتحمل نفقات متعلقة بالبنية التحتية للمشاريع إلى جانب تكاليف البناء، ولذلك، فإن عدم البيع قد يكون أفضل من خفض الأسعار في بعض الحالات".

اقرأ أيضاً: الروبل الروسي في أعلى مستوياته منذ بداية 2015

ولكن الأسعار قد تنخفض بصورة طفيفة في السوق الثانوية، حيث يسعى أصحاب الشقق لبيعها في أسرع وقت، مما يفتح أمام المشترين مجالاً للفصال.

أزمة الرهن العقاري

وسط حالة الذعر التي شهدها الاقتصاد الروسي وانهيار قيمة الروبل في نهاية العام الماضي، أقدم البنك المركزي الروسي على رفع سعر الفائدة الأساسية من 9.5% إلى 10.5% أولا، ثم إلى 17% في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2014.

وأدى ذلك إلى ارتفاع الفائدة على قرض الرهن العقاري إلى ما لا يقل عن 15% في كبرى البنوك الحكومية وحتى أعلى من ذلك في البنوك الخاصة، مما ألحق ضربة قوية بسوق الرهن العقاري الروسي.

وعلى الرغم من بدء البنك المركزي بخفض الفائدة على الودائع تدريجياً، لتبلغ 11% حالياً، لا تزال فوائد قروض الرهن العقاري مرتفعة، وتبلغ حوالي 12% في السوق الأولية و13% في السوق الثانوية.

ويعني ذلك، حسب محللين وسماسرة عقارات، أنه في حال الدفع المقدم بواقع 50% من ثمن العقار وتقسيط الباقي على عشر سنوات، سيبلغ مجموع الفوائد نحو 80% من قيمة القرض، وهو عبء لا تستطيع أغلب العائلات الروسية تحمله، لاسيما في ظل التضخم وزيادة نفقات المعيشة. كما أن ذلك المبلغ يشكل قيمة هذه الفوائد وحدها ويضاف إلى المبلغ الأساسي للقرض.

وبذلك تفوق الأقساط الشهرية قيمة الإيجار كثيراً، مما يدفع أعداداً متزايدة من المواطنين لاستئجار الشقق وتأجيل مشروع الشراء إلى أوقات أفضل. وعلاوة على ذلك، يتحمل صاحب العقار نفقات شراء الأثاث والصيانة والخدمات في حالة الشراء، فيما تقع هذه النفقات على عاتق المؤجر في حالة الإيجار.

وأدى انهيار الروبل إلى تراجع القيمة الحقيقية للعقارات بنسبة أكثر من 40%، لينخفض متوسط سعر المتر المربع في أغسطس/آب الماضي إلى ما دون ثلاثة آلاف دولار، وذلك لأول مرة منذ عام 2006.

ووسط استمرار تدني أسعار النفط وتمديد العقوبات الغربية بحق روسيا والتوقعات باستمرار كساد الاقتصاد الروسي حتى عام 2017، ليست هناك بوادر لانتعاش سوق العقارات في موسكو في الأفق القريب حسب محللين. وبذلك قد تدخل السوق مرحلة تراجع الأسعار بالروبل، على الرغم أنه لن يكون كبيراً، على ما يبدو.

ويشير وكلاء عقاريون، في موسكو، إلى أن مبيعات العقارات في العاصمة الروسية تخضع حالياً للتخفيضات السرية بين البائع والمشتري ولا تعني الأسعار المعلن عنها في الوكالات شيئاً.

وتحولت سوق العقارات في موسكو تدريجياً إلى سوق مشترين أكثر منها سوق بائعين وسط وفرة العقارات المعروضة وقلة المشترين. وأوضح وكيل عقاري يتعامل مع منازل موسكو الفاخرة، في بعض الأحيان لا يتضح الحجم الحقيقي لانخفاض الأسعار بالنسبة للأسعار المعلن عنها، فالأمر يصبح واضحاً فقط عند الاتفاق سراً بين الطرف اليائس الذي يرغب في البيع وبين المشتري الذي يبحث عن صفقة، فالأسواق تراجعت ولا توجد أيّ علامة لوقف هذا التراجع. وتتراوح التخفيضات التي يمنحها أصحاب العقار في بعض الأحيان بين 40 و50% من الأسعار المعلنة. وهذه النسبة الضخمة من التخفيضات تشير بوضوح إلى أزمة عقارات موسكو خلال العام الحالي.

 
اقرأ أيضاً: الروس يتجرعون مرارة الروبل