خمسة مصابين فلسطينيين في منزل واحد
يامن سلمان ــ غزة
لم يتردّد الاحتلال الإسرائيلي في قنص خمسة أشخاص يعيشون في بيت واحد، خلال مشاركتهم في مسيرات العودة. اليوم، يتحملون الألم معاً 

في مخيّم النصيرات وسط قطاع غزة، يعيش ثلاثة أشقاء من عائلة دياب واثنان من أبناء خالتهم في منزل واحد منذ طفولتهم. المنزل قديم وسقفه من الأسبست في ظل ظروفهم الاقتصادية الصعبة. طفولتهم ثم عملهم جعلاهم قريبين من بعضهم بعضاً. ومع بدء مسيرات العودة المطالبة بحق العودة، جمعتهم إصاباتهم في المنزل الصغير.

أوّل المصابين كان سعيد يوسف عياش (19 عاماً)، وقد أصيب خلال مشاركته في أولى أيام مسيرات العودة الكبرى في 30 مارس/ آذار الماضي، خلال تواجده في منطقة شرق مدينة غزة على مقربة من خيام العودة في منطقة دوار ملكة. عند الساعة الخامسة عصراً، قنّصه جندي إسرائيلي بقدمه اليسرى، إلا أن الطلق أصاب قدمه اليمنى أيضاً.

خضع عياش لخمس عمليات جراحية، وأسفرت الإصابة عن كسور في الجزء العلوي من قدمه اليسرى، عدا عن عمليات تجميلية. حتّى اللحظة، لا يستطيع تحمّل الآلام التي تزداد في المساء، خصوصاً في ظل نقص الأدوية والمسكنات التي كان يحصل عليها من العيادات الصحية.

يرتاحون في المنزل (محمد الحجار) 


يقول عياش لـ "العربي الجديد": "تعاني عائلاتنا ظروفاً اقتصادية صعبة. ونعيش نحن وعائلة خالتي في منزل واحد منذ طفولتنا. وبعدما كنا نتقاسم لحظات الفرح والود واللعب، بتنا نتقاسم لحظات الألم بسبب الاحتلال الإسرائيلي وتسببه في إصابتنا نحن الخمسة، خلال تأديتنا واجبنا الوطني في مسيرات العودة على الحدود بشكل سلمي".

في تاريخ 20 أبريل/ نيسان الماضي، كان الأخ الأكبر أحمد سعيد دياب (20 عاماً) على موعد مع إصابة في قدمه اليسرى، خلال مشاركته في جمعة "الشهداء والأسرى" كما أطلق عليها من قبل اللجنة التنسيقية لمسيرات العودة الكبرى. وأصيب دياب أثناء مشاركته بالقرب من خيام العودة شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة.

متمسكون في الدفاع عن وطنهم (محمد الحجار) 


ولم تكن هذه إصابته الأولى بفعل الاحتلال. سبق أن تعرض لإصابة حين كان طفلاً يبلغ من العمر 12 عاماً في عام 2002، على مقربة من مستوطنة نيتساريم التي كان يستوطنها جنود إسرائيليون خلال فترة احتلال غزة ما بين عامي 2000 و2005. في ذلك الوقت، أصيب في أسفل قدمه اليسرى، كما أصيب خلال مشاركته في أحداث الهبة الجماهرية نصرة لمدينة القدس بقنبلة غاز حارقة في صدره.

يقول دياب لـ "العربي الجديد": "المشكلة أنني أصبت خلال تأديتي واجبا وطنيا. لم أعد قادراً على العمل على الرغم من أنني متزوج ولدي طفلان. اليوم، لا أستطيع تأمين علاجي أو طعام قليل لأسرتي. هناك إصرار على تعذيبنا وإصابتنا في أقدامنا. أحياناً، نمشي بين أزقة المخيم لنتنفس الهواء".



أما معاذ عياش (25 عاماً)، وهو شقيق سعيد، فقد تعرّض لإصابة في 27 أبريل/ نيسان على الحدود الشرقية لمخيم البريج. كان من المقرر أن تبتر قدمه لولا تدخل فريق من الأطباء الأجانب من جمعية "أطباء بلا حدود"، وأجريت له ثلاث عمليات جراحية على مدى يومين داخل مستشفى الشفاء وسط مدينة غزة. وعلى مدى شهرين، أجريت له 9 عمليات أخرى، كان آخرها في الرابع من يونيو/ حزيران الماضي.

لحظات صعبة عاشها عياش وهو برفقة خطيبته. سقط على يدها ودماؤه تسيل على الأرض. يضيف: "القناص الإسرائيلي لا يرحم، ويتعمد إصابتنا وسط عائلاتنا الذين يشاركوننا هتافنا واحتجاجنا بشكل سلمي على الحدود. الحمد لله أنني لم أفقد قدمي، وأستطيع متابعة حياتي على الرغم من الآلام".

محمد دياب (29 عاماً)، هو توأم شقيقه أحمد، أصيب في "جمعة النذير" بتاريخ 11 مايو/ أيار بطلق قناص في قدمه اليسرى، وأصابه الطلق في مفصله، وأفقده لياقته بعدما كان يلعب الكرة مع عدد من الأندية المحلية. كما كان عاملاً في مجال البناء مع أحد المقاولين، وأجرى عمليتين جراحيتين، وما زال ينتظر الثالثة، علماً أن العديد من الجرحى ينتظرون دورهم لإجراء عمليات جراحية.

في انتظار اتمام العلاج (محمد الحجار) 


لكن بلال دياب (27 عاماً)، وهو شقيق محمد، أسعف شقيقه عند الساعة السادسة، ثم عاود رشق الاحتلال بالحجارة انتقاماً لإصابة شقيقه. فكان أن أصيب بقدمه اليمنى، ليلحق شقيقه بعد ربع ساعة إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. يقول بلال لـ "العربي الجديد": "نقلت شقيقي وأنا غاضب. اطمأنيت إلى أن إصابته لن تؤدي إلى البتر. لكنني عدت وأنا شديد الغضب. ثمّ وجدت نفسي مصاباً وقد فقدت الوعي. أجريت لي خمس عمليات حتى اللحظة".



مروى دياب (50 عاماً)، والدة المصابين بلال وأحمد ومحمد، كانت تحاول منع أبنائها من المشاركة بعدما أصيب ابن شقيقتها سعيد ثم نجلها أحمد. تقول لـ "العربي الجديد": "كنت أرافقهم في بداية مسيرات العودة لأنني فلسطينية وأصولي من قرية المسمية الكبيرة المحتلة في عام 1948. لكن للأسف لم أكن قادرة على منع أبنائي من الخروج مرات عدة. أمثل اليوم صورة الأم بين عشرات آلاف الأمهات في غزة اللواتي يعانين بسبب إصابة أبنائهن".