Skip to main content
الخليج.. قمة تعويم بن سلمان
بشير البكر
تستقبل مدينة الرياض بعد غد الأحد القمة الدورية السنوية لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، والتي تنعقد في ظل التداعيات الكبيرة لجريمة الصحافي والكاتب السعودي، جمال خاشقجي، واستمرار حصار قطر من التحالف الرباعي (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) ومضى عليه حوالي عام ونصف العام. وكون هاتين المسألتين تحتلان موقع الصدارة فإنه لا يمكن تحييدهما، أو تعطيل مفعولهما وتأثيرهما لجهة جدول أعمال القمة أو النتائج التي سوف تترتب عليها.
وعلى الرغم من أن السعودية وزعت الدعوات على قادة دول مجلس التعاون بصورةٍ توحي وكأن الظروف المحيطة بالحدث عادية، فإن المعطيات كافة تؤكد أن الموقف العام معقد وصعب، ويتطور من سيئ إلى أسوأ. وبالتالي، لا شيء كبيرا يُرتجى من هذه القمة في وقتٍ باتت فيه مؤسسة العمل الخليجي المشترك تعاني من اختلالات كبيرة، تعود أسبابها إلى السياسات السعودية والإماراتية السلبية التي لم تراع أهمية صيانة هذا الصرح الذي صمد في وجه الرياح العاتية التي هبت على الخليج من الخارج طوال العقود الماضية. وبدأ مجلس التعاون يعاني من الشلل منذ أقدمت أبوظبي والرياض على محاولة الاعتداء على قطر في 23 مايو/ أيار 2017، ووجهتا بذلك ضربةَ لميثاق المجلس وقوانينه، وما تعارف عليه وبناه من تعاون مشترك، وتبين أن التآمر على الدوحة كان مخططا ومدروسا من أصحاب القرار في الرياض وأبوظبي عن سابق تصميم، وتم استخدام كل السبل من أجل تركيع قطر سياسيا واقتصاديا، لكنها استطاعت تفكيك الهجوم عليها، وتجاوز الأزمة التي ألقت بظلالها على آلية عمل مجلس التعاون. وانعكست أضرار الانقسام بصورة فاضحة في قمة المجلس التي انعقدت في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي في الكويت، وكان تمثيل السعودية والإمارات والبحرين متدنيا فيها، الأمر الذي أدى إلى افشال مبادرة المصالحة التي يقودها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد.
وما دام الوضع الذي أعقب فرض الحصار على قطر ساريا، ليس هناك أمل في أن تعود المياه إلى مجاريها داخل مؤسسة البيت الخليجي، وليس هناك أي مؤشر على إمكانية تجاوز تداعيات الأزمة مع قطر. والملاحظ أن الرياض وأبوظبي ماضيتان في سياسات المقاطعة والحصار وشن الحملات الإعلامية القائمة على افتراءات. وجاءت عملية اغتيال جمال خاشقجي لتؤكد أن النهج الجديد في الرياض وأبوظبي خطير جدا، ليس على منطقة الخليج وحدها، بل على مستوى الإقليم، من اليمن وحتى فلسطين حيث بدأ محور الرياض أبوظبي القاهرة يلعب دورا علنيا ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. وكانت مسألة نقل السفارة الأميركية إلى القدس مقدمةً لما باتت تعرف بصفقة القرن التي يُنتظر أن يعلن عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مطلع العام المقبل.
هناك مؤشرات واضحة إلى أن السعودية ترمي من القمة تحقيق هدفين. الأول، محاولة تعويم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يبحث عن غطاء، في ظل انكشافه على المستوى الدولي، بسبب مسؤوليته المباشرة عن جريمة قتل خاشقجي. ولاحظنا كيف صار يبحث عن أي عاصمة تستقبله، كي يظهر وكأنه تجاوز حالة العزلة التي فرضتها عليه جريمة خاشقجي، ولكن مشاركته في قمة العشرين يوم الجمعة الماضي في الأرجنتين لم تكن لصالحه، وجرى إهماله من غالبية المشاركين. وليس سرا أن الملك سلمان يريد من قمة التعاون أن تقدم موقفا خليجيا مشتركا يوفر سور دفاع عن نجله الذي تنتظره أيام صعبة. والهدف الثاني المرجو من القمة أن السعودية تريد توجيه رسالة إلى الخارج، فحواها أنها تتحكم بالبيت الخليجي، وهذا وهم آخر ينضاف إلى أوهامها الكثيرة، في وقتٍ بدأت تخسر من دورها وسمعتها بسبب السياسات المراهقة.