كي لا يضيع دم جمال خاشقجي

كي لا يضيع دم جمال خاشقجي

26 أكتوبر 2018
+ الخط -
مطلوب منا، نحن زملاء جمال خاشقجي، أن ندافع عن حقه في العدالة، ونعمل بكل ما أوتينا من قوة كي تجري في مدينة اسطنبول محاكمة علنية ومفتوحة أمام وسائل الإعلام لفرقة الإعدام السعودية التي جاءت من الرياض لتقتل الصحافي والكاتب المرموق. وهذا يتطلب منا، ويلزمنا مهنيا وأخلاقيا، أن نتحرّك من أجل متابعة القضية من زاويتها القانونية، بعيدا عن كل الجهات التي تتعامل معها من هذه الزاوية، بما في ذلك الحكومة التركية التي وقعت جريمة القتل على أرضها. واجب علينا، من الناحيتين الأخلاقية والمهنية، أن تكون لنا مرافعة حقوقية خاصة، تستند إلى حق الدفاع عن حرية المهنة التي تقرّها القوانين من جهة. ومن جهة ثانية، بوصفنا نعمل وسط هذه المنطقة التي لا تحترم الصحافة ولا تعترف بالحرية، وتعيش على أهوال الاستبداد، وتتعاطى مع الصحافة كأجيرة رخيصة عند الحاكم، وصاحب المال، وترى في الصحافي مجرّد مستخدم رخيص، يمكن رميه في الشارع أو السجن أو قتله إذا تجاوز الخط الأحمر، وجهر برأي مخالف.
تصيب الجريمة التي تم ارتكابها بحق جمال خاشقجي كل صحافي وكاتب يحترم المهنة التي شرطها الأساسي الحرية. ولذا، فإنها تفرض علينا أن نقف اليوم أمام مسألتين هامتين. حرية الصحافة وحماية الصحافيين. وجاءت الجريمة الوحشية التي ارتكبها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لتصفع الجميع، وتعلن بصفاقةٍ لا حدود لها أن حرية الصحافة مجرّد بدعة مثالية لا مكان لها في نظر هذا الحاكم، ولا قيمة لحياة الصحافي، حتى لو بلغ أعلى المراتب.
مطلوب منا أن نُبقي قضيته حيةً في كل المحافل الخاصة بالمهنة، وتلك المعنية بالحريات، وهذا يستدعي تحرّكا من بيت الإعلاميين العرب في تركيا، كونه مؤسسة تركية ترعى شؤون الصحافيين العرب في تركيا من جهة، ولأن الجريمة وقعت على الأرض التركية، ومن شأن تعاون الصحافة العربية مع بيت الإعلاميين أن يؤمن إطارا لمتابعة القضية في المحافل الدولية.
ولأن قضية جمال خاشقجي جريمة سياسية بسبب حرية الرأي والتعبير، فهذا يستدعي أن نذهب بالقضية إلى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، ونتعامل معها بوصفها جريمة ضد الإنسانية، والمؤكّد أن هيئات الصحافة العالمية ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سوف تدعم هذا المسعى وتسانده.
جريمة اغتيال جمال ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وهي في صلب حرية الرأي التي يقبع زملاء لنا بسببها في سجون النظامين المصري والإماراتي منذ سنوات، ولم تُجد كل التحرّكات الدولية من أجل احترام حقوق كاتب وصحافي وناشط مدني، الإماراتي أحمد منصور، الذي عاش السنوات العشر الأخيرة متنقلا في سجون بلاده، ولا يزال هناك بسبب تهم ملفقة لا أساس لها، وتم تدمير مستقبله، والتنكيل بأسرته على نحو جنوني.
أخطر ما في الأمر أن تمر جريمة قتل جمال خاشقجي من دون عقاب، أو تتم تسويتها بين الدول، ويتحوّل دم الصحافي وحرية الصحافة إلى مادة للصفقات السياسية والتجارية، ولا يمكن لشيء أن يفضح هذا الأمر غير التضامن بين الصحافيين والغيورين على حرية المهنة والتعبير والرأي.
أمر هام هو أن تلتزم السعودية بعدم تكرار الجريمة مع صحافي آخر، كما صرّح وزير الخارجية عادل الجبير يوم الثلاثاء، ولكن عليها أن تتخذ خطواتٍ ملموسةً على صعيد احترام حرية الرأي والصحافة، وأولاها الإفراج عن معتقلي الرأي الذين اعتقلهم بن سلمان منذ وصوله إلى الحكم، بسبب خوفه من الرأي الآخر. هذا أقل ما يمكن أن تدفعه السعودية، وأن تتلقى درسا يصبح عبرة لكل حكام المنطقة الذين لا يقيمون أي اعتبارٍ لحرية الصحافة وحماية أرواح الصحافيين.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد