Skip to main content
التواريخ الصحاح في سيرة صلاح صلاح (2-2)
صقر أبو فخر
صاحب المذكرات مؤرخٌ، وعليه استخدام عُدة المؤرخ
* يكتب صلاح صلاح إنه بدأ طريقه النضالي في حركة القوميين العرب في النصف الأول من عام 1953 (ص 59). وللدقة، لم تكن حركة القوميين العرب قد ظهرت في تلك السنة، ومؤتمر الشباب القومي العربي الذي عقد في عمّان في 25/12/1956 اعتُبر المؤتمر التأسيسي للحركة. وصلاح صلاح يشير بنفسه إلى أن محسن إبراهيم طرح "في أحد الاجتماعات عام 1959 تعميماً حول الاسم: هل يبقى الشباب القومي العربي أو يُستبدل باسم حركة القوميين العرب" (ص 94). أما جورج حبش فيقول: "في بداية 1959 أو أواخر 1958 (...) رسونا على تسمية حركة القوميين العرب" (حوار أجراه شريف الحسيني وسائدة الأسمر مع جورج حبش في الجزائر عام 1989 غير منشور، ولدي نسخة منه). والثابت أن اسم حركة القوميين العرب ظهر في أكتوبر/ تشرين الأول 1958 على كراس بعنوان "الوحدة طريقنا" (راجع: هاني الهندي وعبد الإله النصراوي، حركة القوميين العرب: نشأتها وتطورها عبر وثائقها، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، الجزء الأول، ص 283، 2001). 
* يعتقد صلاح صلاح أن النضال المسلح ضد إسرائيل بدأ قبل إعلان فتح الرصاصة الأولى في 1/1/1965، لأن استشهاد خالد أبو عيشة في أواخر عام 1964 يبين أن فرع فلسطين في الحركة بدأ الكفاح المسلح قبل أن تعلن حركة فتح، أو أي فصيل فلسطيني آخر، عن وجوده (ص 165). وهذا الكلام مخالفٌ تماماً للوقائع الصحيحة، وهو نوع من التباري في شأن مَن هو أول مَن أطلق الرصاصة الأولى. وإذا ماشينا الكاتب في ذلك، فإن خليل الوزير (أبو جهاد) هو مَن أطلق الرصاصة الأولى من قطاع غزة في 25/2/1955 (نسف خزانات زوهر للمياه الإسرائيلية). أما العملية التي استشهد فيها خالد الحاج أبو عيشة (خالد محمد الطاهر) في 2/11/1964 فهي عملية استطلاعية من طراز العمليات التي كانت تقوم بها الكتيبة 68 السورية، ولم تأتِ في سياق حرب الفدائيين ضد إسرائيل والكفاح المسلح. والكتيبة 68 المشهورة ظهرت في 1949 أول مرة، ثم أعاد تشكيلها عبد الحميد السرّاج في 1958، بقيادة العقيد أكرم صفدي والمقدم هيثم الأيوبي (ضابطان سوريان ناصريان) والعقيد أحمد حجو (ضابط فلسطيني في الجيش السوري)، وكان معظم عناصرها فلسطينيين ومن عشيرتي الهيب والتلاوية في مناطق البطيحة والتوافيق وكفر حارب والنقيب المجاورة لبحيرة طبرية. وهذه الكتيبة نفذت عملية نسف باص عسكري إسرائيلي في 1955 على طريق صفد – عكا، وكان من بين المنفذين جلال كعوش وعلي الخربوش. وفي 1961، استشهد من هذه الكتيبة محمود عزيمة وسبع السباعي (من ترشيحا)، ثم استشهد مفلح السالم وعلي الخربوش في
1964، ودُفنا في دمشق، فكانا أول من افتتح مقبرة الشهداء في اليرموك. واستشهد جلال كعوش تحت التعذيب في لبنان في 9/1/1966. ويذكر الكاتب أن العدو اعترف بسقوط 22 قتيلاً من جنوده في العملية التي نفذها خالد أبو عيشة ورفاقه (الأرجح أنه سقط على أيدي القوات الأردنية في أثناء العودة من هذه العملية الاستطلاعية، تماماً مثل سقوط أحمد موسى برصاص القوات نفسها في أثناء عودته من عملية نفق عيلبون). والحقيقة أننا لم نعثر على أيّ اعترافٍ للعدو بهذا العدد من القتلى (راجع "اليوميات الفلسطينية" في ذلك التاريخ)، وهذا الرقم مبالغ فيه جداً على طريقة البيانات العسكرية الفلسطينية في مراحلها المبكرة. وإذا افترضنا أن عملية خالد أبو عيشة هي الأولى، فإن العملية الثانية لم تجرِ إلا في 18/10/1966، أي بعد عامين، وهذا لا يبرهن عن الأسبقية في العمل المسلح، مع أن العملية الثانية نفذتها منظمة أبطال العودة التي ظهرت في 1964، أي بعد تأسيس حركة القوميين، وكان من بين مؤسسيها صبحي التميمي وفايز جابر. وكانت علاقة هذه المنظمة بالحركة مشوشة جداً. فجورج حبش يقول، في حواره مع شريف الحسيني وسائدة الأسمر، إن "موضوع التعارضات بين الجبهة وأبطال العودة له تاريخ طويل. وفي صيف 1969، في الاجتماع الذي عُقد في وادي رميمين في الأردن، جرى الاندماج بين أبطال العودة والجبهة الشعبية، وأُضيف صبحي التميمي وتوفيق رمضان والحاج فايز جابر إلى عضوية اللجنة المركزية للجبهة، وأصبحنا جبهة واحدة". أما عملية "أبطال العودة" تلك فهي أيضاً عملية استطلاعية، استشهد فيها سعيد العبد سعيد ومحمد اليماني ورفيق عساف، وأُسر سكران السكران.
* يعيب الكاتب على حركة فتح عدم اندماجها ببقية الفصائل بعد حرب 1967، وهذا غير صحيح، ومخالف للوقائع التاريخية والحقائق المادية معاً. فقد اندمجت جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل بحركة فتح حتى قبل 1967، وصار جبريل وعلي بشناق عضوين في اللجنة المركزية الموحّدة، واختير صديقنا الراحل حمد الموعد عضواً في لجنة التنظيم في إقليم الكويت. وفوق ذلك، كانت اللجنة العسكرية لحركة فتح في دمشق مؤلفة من ياسر عرفات وخليل الوزير وأبو علي إياد وزكريا عبد الرحيم ومحمود الخالدي وأبو العبد العكلوك وأحمد جبريل وفضل شرورو وعلي بشناق. لكن هذه "الوحدة" لم تستمر طويلاً، لأن أحمد جبريل طمح إلى قيادة اللجنة المركزية، وتحالف مع عبد الله الدنان وعادل عبد الكريم، وهما من المجموعة المؤسسة لفتح، واتفقوا على تولي النقيب يوسف عرابي (ضابط فلسطيني في الجيش السوري) قيادة قوات العاصفة. ثم جرى ما جرى في قصة مقتل يوسف عرابي وانفضّ السامر. ولتنشيط ذاكرة الصديق أبو ربيع أذكر له أن "منظمة طلائع الفداء"، بقيادة صبحي ياسين، اندمجت بحركة فتح في 7/9/1968، وأن جبهة التحرير الوطني الفلسطيني، بقيادة حسن الصباريني، اندمجت بحركة فتح في 13/9/1968، وكذلك فعلت "جبهة ثوار فلسطين"، بقيادة محمد أبو سخيلة، في 25/11/1968، علاوة على "الهيئة العاملة لتحرير فلسطين"، بقيادة عصام السرطاوي في سنة 1970، و"قوات الجهاد المقدس"، والقسم الأكبر من "منظمة فلسطين العربية" التي كان يقودها الضابط الناصري أحمد زعرور، بعد انشقاقه مع أحمد جبريل عن الجبهة الشعبية التي كانت تخضع في تلك الأثناء لعملية تشقّق مأساوية؛ فقد انشقت عليها جبهة التحرير الفلسطينية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1968، واتخذت اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، ثم انشقت الجبهة الديمقراطية في 22/2/1969. واستمرت هذه الحال، حتى 10/3/1972، حين أعلنت الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين انشقاقها أيضاً، وكان من أبرز المنشقين أحمد فرحان (أبو شهاب)، وطارق علي الربيعي (أبو اليسار)، وحميدي العبد الله (أبو علي إربد)، وأحمد السردي ومروان بكير ومطر عبد الرحيم وغازي الخليلي. وفي شأن انشقاق الجبهة الشعبية – القيادة العامة، يقول أحمد جبريل إن مناضلي جبهة التحرير الفلسطينية هم مَن كانوا يقومون بالعمليات العسكرية، بينما أعضاء حركة القوميين العرب (شباب الثأر) كانوا يتباهون بهذه العمليات، ويجمعون الأموال، ويثرثرون في منازلهم، ويقودون العمل السياسي! وفي تلك المرحلة، كانت عمليات الاندماج قائمةً على قدم وساق، ما عدا الجبهة الشعبية. فقد اندمجت جبهة التحرير الشعبية الفلسطينية التي كان يقودها طاهر دبلان في "الصاعقة"، وتبعتها "قوات الجليل" في 27/12/1968، برئاسة داود أبو الشكر. ثم اندمجت "المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين" بالجبهة الديمقراطية في أواخر 1968. أما لماذا لم ينجح الاندماج بين الفصائل الفلسطينية بعد هزيمة يونيو/ حزيران 1967، ولا سيما مع "شباب الثأر" مثلاً، فلأن الريبة كانت كبيرةً بين حركة فتح والقوميين العرب جراء تقارير مفبركة كانت تتلقاها المخابرات المصرية من بعض القوميين العرب، والتي تزعم أن "فتح" هي إحدى أذرع جماعة الإخوان المسلمين تارة، أو تابعة لحزب البعث تارة أخرى. والمشهور أن الشهيد غسان كنفاني أطلق على "فتح" آنذاك "منظمة تاتاتا"، أي أنها أعلنت إطلاق الكفاح المسلح في توقيت خاطئ، فهي، والحال هذه، توريط للعرب وتفريط بالأمة. ونعتها الراحل شفيق الحوت بأنها "صنيعة حلف السنتو".

أمور لافتة
* كانت بيانات العمليات العسكرية التي تصدرها الجبهة الشعبية تبدأ بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم". وفي بيان العمليات رقم 32 (25/2/1968) ورد أن مقاتلَين من مقاتليها نسفا
فندق الإمباسادور في القدس في 22/6/1968، وهذان المقاتلان لم يتجاوز الواحد منهما الثلاثة عشر عاماً وهما: رياض أمين جابر (استشهد) وجواد أنور البشيتي (جُرح وأُسر).
* يقول صاحب المذكرات: "حُسم النقاش في إطار الهيئات القيادية للمنظمة بأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي التنظيم الثاني بعد فتح" (ص 331)، وكان ذلك في سنة 1971. هذا الكلام صحيح منذ سنة 1971 فصاعداً، لكن قبل ذلك لم يكن صحيحاً. فمن الناحية الزمنية، يُعتبر ائتلاف الجبهة الشعبية الخامس في التأسيس بعد "فتح" (1957)، وجبهة التحرير الفلسطينية (1964)، والصاعقة (10/12/1966)، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني (15/7/1967). أما من ناحية الحضور العسكري والسياسي، فإن منظمة الصاعقة كانت الثانية، فقد أصدرت أول بيان عسكري لها في 8/6/1967 (راجع: أسعد عبد الرحمن، منظمة التحرير الفلسطينية، نيقوسيا: مركز الأبحاث، 1987)، وكانت أول منظمةٍ تؤسس القواعد العسكرية في قطاع العرقوب في جنوب لبنان، وبالتحديد في بلدة كفرشوبا. ثم إن الصاعقة حظيت بمقعدين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي انتخبها المجلس الوطني الفلسطيني، في دورته الخامسة (1/2/1969)، بينما لم تحظَ الجبهة الشعبية إلا بمقعد واحد، مثل الجبهة الديمقراطية وجبهة التحرير العربية. أما ممثلا الصاعقة، فكانا يوسف البرجي وياسر عمرو. وفي الدورة السادسة للمجلس الوطني (1/9/1969)، انتخب مجدّداً عضوان من "الصاعقة" إلى اللجنة التنفيذية، هما أيضاً يوسف البرجي وياسر عمرو.
* يقول الكاتب إن انقلاب 8 مارس/ آذار 1963 في سورية كان بقيادة أمين الحافظ (ص 143). وهذا غلط خالص. فأمين الحافظ عُيّن وزيراً للداخلية في أول حكومة بعد الانقلاب في 13/3/1963. وفي 14/5/1964، عُين رئيساً للمجلس الوطني لقيادة الثورة بعد استقالة لؤي الأتاسي (وهو غير بعثي). أما قادة الانقلاب فهم مجموعةٌ من الضباط، أمثال زياد الحريري وغسان حداد وفهد الشاعر (وحدويون مستقلون) وراشد قطيني ودرويش الزوني وكمال هلال وفواز محارب (وحدويون اشتراكيون) ومحمد عمران وصلاح جديد وموسى الزعبي (بعثيون). لكن عصب الانقلاب كان "اللجنة العسكرية"، وهي التنظيم السري للعسكريين البعثيين التي تشكلت في القاهرة في أواخر 1959 من المقدّم محمد عمران والرائد أحمد المير والرائد صلاح جديد والنقيب عبد الكريم الجندي والنقيب حافظ الأسد. أما الحكومة الأولى، فكانت برئاسة صلاح البيطار، وكان نصف وزرائها بعثيين (9 وزراء) والنصف الثاني ناصريين (9 وزراء أيضاً بينهم واحد فقط للقوميين العرب).
* يقول صاحب المذكرات: "البعثيون والقوميون العرب أطاحوا في 8 آذار 1963 حكم النحلاوي، وشكلوا حكومة برئاسة صلاح البيطار، شاركت فيها حركة القوميين العرب، من دون أن تدري أن هذه الشراكة لن تدوم، إذ سرعان ما تحرّك حزب البعث، وانقلب على أبناء الحركة، وشركائه الناصريين، ليستفرد بالحكم (...). وبدأ البعثيون في مطاردة مَن يُفترض أن يكون شريكهم في الحكم، والمعني هنا حركة القوميين العرب (...). ومن دون أن يرفّ لشركاء الأمس جفن، نفذوا عملية تطهير واسعة في الجيش، لتفريغه من القوميين والناصريين" (ص 144). والحقيقة أن الأمور لم تجرِ على هذا النحو قط. أما ما جرى حقاً فهو التالي:
في 17 إبريل/ نيسان 1963، وُقّع ميثاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق (جمال عبد الناصر وعلي صالح السعدي ولؤي الأتاسي وزياد الحريري وفهد الشاعر). وفي الشهر نفسه، بدأ الشيخ محمود الحامد التحريض في حماه على الحكم الجديد، وقُتل، في هذا السياق، بعثي يدعى منذر الشمالي. واعتصم أنصار الشيخ الحامد في المساجد، فأصدر وزير الداخلية، أمين الحافظ، أمراً بتفريق المعتصمين بالقوة، وقصف لهذه الغاية جوانب أحد المساجد الذي اتخذه المعتصمون مكاناً لهم. وفي هذا المناخ المحتدم، نظم الناصريون في 8 و9/5/1963 إضراباتٍ واسعةً في حلب ودمشق، احتجاجاً على تسريح بعض الضباط الناصريين، الأمر الذي فسّره البعثيون بأن الناصريين يتحينون فرصة تفاقم المشكلات في حماه للانفراد بالسلطة، فقمعهم أمين الحافظ بقوة. وقد كان الناصريون يشكلون قوةً مهمةً في الجيش. ومع ذلك، لم يتمكّنوا من إدارة الخلاف لمصلحتهم. فاللواء راشد قطيني كان نائباً للقائد العام للجيش والقوات المسلحة. وكان محمد الصوفي وزيراً للدفاع، ونور الله الحاج إبراهيم قائداً للقوات الجوية، وعادل الحاج مراد وحسين القاضي ومحمد النسر وعبد الكريم السوداني قادة مناطق عسكرية، وهؤلاء جميعهم ناصريون، وليسوا من حركة القوميين العرب. وهنا، بدأ العقيد جاسم علوان (ناصري) يُعد انقلاباً ضد "البعث" بمعاونة العقيد رائف المعري والمقدّم محمد نبهان والرائد محمد الصوفي، فضلاً عن اللواء راشد قطيني. وكتب البيان الأول للانقلاب الدكتور ذوقان قرقوط.
كان انقلاباً في رابعة النهار، إذ جرى توقيته ظهر الخميس في 18/7/1963، حين يكون الجنود في طريقهم إلى منازلهم في إجازاتهم الأسبوعية. وكلفت الكتيبة 68 بمهاجمة مقر رئاسة أركان الجيش ومبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين، وقاد هذه الكتيبة المقدم أكرم ديري والمقدم هيثم الأيوبي، وشارك في الهجوم الملازم عارف خطاب. وارتكبت عناصر من الكتيبة 68 مجزرةً بسرية الحراسة في المكانين. ويُروى أن الرائد محمد نبهان، المقرب من جاسم علوان، أبلغ إلى الضباط البعثيين تفصيلات خطة الانقلاب. وهكذا فشل الانقلاب الذي سقط فيه نحو 170 قتيلاً، فانتقم البعثيون لرفاقهم وأوقعوا مزيداً من الضحايا، واعتقل جاسم علوان. لكن في سنة 1964، وبضغط من جمال عبد الناصر، أُفرج عنه، فانتقل إلى لبنان ثم إلى القاهرة. وكان من تقاليد الانقلابات السورية أن الضباط المهزومين يُرسلون إلى الملحقيات العسكرية في السفارات السورية، أو يحالون على التقاعد، وقلما خُرق هذا التقليد. لكن انقلاب جاسم علوان أسس تقليداً دموياً في الانقلابات اللاحقة.
* في معمعان هذه الصراعات، لم يكن لحركة القوميين العرب شأن مهم في تلك التطورات، بل للناصريين غير الحركيين، أمثال حركة الوحدويين الاشتراكيين. وأعضاء هذه الحركة هم من ناصريي "البعث" الذين استقلوا تنظيماً عن حزبهم القديم، واتخذوا لأنفسهم ذلك الاسم. ولم تكن لحركة القوميين العرب قوة فاعلة في سورية، وفي لبنان أيضاً، وظلت هامشية ما عدا في المخيمات الفلسطينية التي كانت تربةً مواتيةً للحركة، جرّاء تركيزها على قضية فلسطين بالدرجة الأولى، بينما كان "البعث" يشدّد على الوحدة القومية، وعلى التحرّر من الاستعمار مقدمة لا بد منها قبل تحرير فلسطين، فضلاً عن أن الحركة اجتذبت الشبان الفلسطينيين في لبنان وسورية والأردن، من خلال التدرب على السلاح، استعداداً للتحرير، بينما كان "البعث" لا يمنح الأولوية للسلاح، بل للسياسة. ففي لبنان، يقول معن زيادة إن الحركة التحمت بالبرجوازية الإسلامية التي ابتعدت عن البعثيين والشيوعيين، ووجدت في الحركة ضالتها المنشودة. وكانت معارك الإفتاء وحقوق المسلمين والأوقاف على رأس هموم فرع الحركة اللبناني. وبانتهاء عصر الحركة اليميني، تساقطت هذه العناصر، واتخذت مواقعها الطبيعية في صفوف المؤيدين للزعامات السياسية والطائفية والدينية (أنظر: معن زيادة: تقييم حركة
القوميين العرب في مراحلها الأولى - ورقة مقدمة إلى ندوة القومية العربية في الفكر والممارسة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1984). أما محمد جمال باروت، فيقول إن الحركة لم تحقق قبل قيام الجمهورية العربية المتحدة أي حضور سياسي، إلا في قطرين فحسب، هما الكويت والأردن (راجع: محمد جمال باروت، حركة القوميين العرب: النشأة، التطور، المصائر، دمشق: المركز العربي للدراسات الاستراتيجية والعسكرية، 1997، ص 114). ويشير سعد مهدي شلاش إلى أن الحركة اتسمت، طيلة فترة الخمسينيات، بالانحسار وعدم انتشار أطرها التنظيمية في الوطن العربي (...)، ولم تستطع اقتحام أي مجال عربي واحد بتنظيم شعبي متماسك. ويؤكد أن الحركة عاشت، في السنوات الخمس الأولى لقيامها، وضعاً هامشياً قاتلاً جعلها في إطار تنظيمي غامض الهوية، بل حتى مجهول الوجود من أكثر قطاعات الجماهير اتصالاً بالعمل السياسي (أنظر: سعد مهدي شلاش، حركة القوميين العرب، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004، ص 54). ويذكر نايف حواتمة في كتاب "نايف حواتمة يتذكّر" (دمشق: دار الكتاب، 1997. حوار أجراه عماد النداف)، أن عدد أعضاء الحركة، بتيارها القومي واليساري، كان حتى عام 1967 يُعد بالمئات. ويقول حنا بطاطو إن عدد أعضاء حركة القوميين العرب في العراق لم يزد على 200 عضو، حتى سنة 1958 (راجع حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية – الكتاب الثالث، ترجمة عفيف الرزاز، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1992، ص 344).
لم تعش حركة القوميين العرب طويلاً، فقد انتهت واقعياً في 1966، وجرى حلها في بيان صدر في 10/2/1968، أي أن عمرها اقتصر على عشر سنوات (1956-1966)، إلا إذا مططنا عمرها قليلاً من 1953 (تأسيس شباب الثأر) إلى إعلان وفاتها في سنة 1968، فتصبح إقامتها السياسية خمسة عشر عاماً فقط لا غير.
* ترد في الصفحات 100 و191 و193 و194 عبارة "كل مواطن غفير" بالغين. والصحيح: خفير بالخاء، لأن الغفير هو كثير العدد. وهو يذكر لجنة "كل مواطن خفير" وبرنامجها الإذاعي، لكنه لا يذكر من أعضاء اللجنة إلا بشارة الدهان ووفيق الطيبي. لماذا ينسى مؤسس هذه اللجنة الأديب الكبير سعيد تقي الدين، وكان هو بالذات صاحب البرنامج الإذاعي المشهور آنذاك. وهذه اللجنة أسسها سعيد تقي الدين في 1954، لكنه استقال منها، بعد اغتيال العقيد عدنان المالكي في دمشق سنة 1955، وتولى رئاستها بعده بشارة الدهان. وقد منعت السلطات اللبنانية سعيد تقي الدين من تقديم برنامجه الإذاعي، بعدما أذاع أسماء أشخاص فلسطينيين ويهود كانوا موجودين في فندق سان جورج لمعالجة بعض قضايا الأراضي في فلسطين (راجع: سعيد تقي الدين، كل مواطن خفير، إعداد جان دايه، بيروت: دار فجر النهضة، 2000).
* يقول في الصفحة 170 إن شفيق الحوت من مؤسسي "عصبة التحرر الوطني" المنبثقة من الحزب الشيوعي الفلسطيني. وهذا غلطٌ عجيب. فالعصبة أُسست في سنة 1943، وشفيق الحوت من مواليد 1932، أي أنه كان في الحادية عشرة، حين أُسست العصبة. أما المؤسسون فهم توفيق طوبي وإميل توما وموسى الدجاني وبولس فرح، وآخرون ليس بينهم الفتى شفيق الحوت.
* يشكر صلاح صلاح أستاذاً جامعياً قديراً (لا يذكر اسمه) لبذله وقته وجهده في تصحيح هذه المذكرات لغوياً. لكن، في الكتاب أغلاطٌ لغوية شتى، وأغلاط أخرى ما كان يجب أن تمر من تحت قلم "الأستاذ الجامعي القدير". وعلى سبيل المثال، يضع اختصار ABC بعد شركة نفط العراق، والصحيح: IPC- IRAQ Petroleum Company (ص 134). ويضع اختصار RBJ أمام اسم القاذف الصاروخي المعروف. وهذا غلط، والصحيح RPG، أي اختصار عبارة Rocket Propelled Grende، علاوة على كتابة كلمة Taboo هكذا: Tabo (ص 309).
* ترد في الصفحة 196 الجملة التالية: "لا عبد الناصر لم يُهزم، هذا ما كتبوه في مجلة التحرير". والصحيح أنها مجلة "الحرية" وليس مجلة التحرير. ثم إن عنوان المقالة هو: كلا لم يُخطئ عبد الناصر ولم يُهزم العرب"، والمقالة كتبها محسن إبراهيم.
* * *
إن إشارتي إلى هذه الأغلاط هي تأكيد على أن المذكرات لا تكتبها الذاكرة وحدها، بل الوثائق والمراجع والوقائع التاريخية الصحيحة. وصاحب المذكرات هو مؤرخٌ إلى حد ما، وعليه أن يستخدم عُدة المؤرخ، ومنها ضبط التواريخ والحوادث، وتخيُّر الصحيح وتجنب الملتبس.