Skip to main content
الأمن المائي العربي [6/6]: المغرب بلد السدود يهدده العطش
حسن الأشرف ــ الرباط
فوضى قطاع المياه تهدد المغاربة بالعطش(فرانس برس)
يحمل الشيخ الستيني محمد بنشطو، القاطن في قرية تينسوفت آيت مزال في جنوب المغرب، دلاءه كل يوم، بحثا عن لترات من الماء، تتيح له ولأسرته الصغيرة من أبناء وأحفاد توفير حصتهم اليومية من الماء الصالح للشرب. حالة الشيخ بنشطو تكاد تعم العديد من البوادي والقرى النائية في المملكة، التي تعاني من مشكلة "العطش"، وغياب موارد مائية كافية، بالرغم من أن البلاد توسعت، منذ سنوات خلت، في سياسة تدشين السدود التي أتاحت للمغرب الاطمئنان على موارده المالية إلى حين.

ريادة سياسة السدود

عُرف العاهل المغربي الراحل، الحسن الثاني، بلقب "باني السدود"، باعتبار أنه كان يقف وراء تشييد العديد من السدود في مرحلة حكمه للبلاد. لكن الحقيقة هي أن سياسة السدود انطلقت قبل الحسن الثاني، خلال حقبة الاستعمار الفرنسي، إذ تم تشييد حوالى 13 سدا قبل خروج فرنسا من المملكة المغربية عام 1956.

وفي مشروع قانون الموازنة العامة للعام الجاري 2015، تم تخطيط بناء 3 سدود كبيرة في مدن الراشيدية، وكرسيف، والخميسات، ليصل عدد السدود في المغرب إلى حوالى 139 سدا، بطاقة استيعابية كبيرة، و100 سد بطاقة استيعابية متوسطة وصغيرة، تقدر بـ17.5 مليار متر مكعب.
وتيرة بناء السدود في المغرب عرفت صعودا وهبوطا، بسبب ظروف الميزانية المالية، وأحوال السماء من جفاف أو أمطار، إذ تم تشييد 8 سدود بين عامي 1967 و1974، وبين عامي 1985 و1986 بنت الدولة 21 سدا، وهي الفترة الأكثر غزارة من حيث عدد السدود التي شُيدت في البلاد، لكن بعد 2009 انخفضت هذه الوتيرة.

المهندس المختص في الموارد المائية، محمد بن صبري، قال في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن سياسة السدود شكلت ثورة في مجال الأمن المائي، مبرزا أنه قلما يوجد بلد عربي فطن إلى دور السدود خلال الستينيات والسبعينيات في محاربة العطش.

وأفاد المهندس محمد، الذي سبق له أن شارك في تصميم عدد من السدود في المغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال، بأن سياسة تشييد السدود في المغرب أفضت إلى إبعاد شبح العطش الذي كان يتهدد البلاد في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي وما بعدها، بسبب توالي سنوات الجفاف التي عرفتها المملكة.

ويرى مراقبون أنه بفضل هذه السدود المُشيدة في المغرب، استطاعت البلاد تحقيق جزء كبير من موارده السطحية، وسقي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وبالتالي تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي بالنسبة للمواد الغذائية، وتزويد المدن خاصة بالماء الصالح للشرب.

للسدود عيوب

ليست صورة السدود ودورها في توفير الأمن المائي للمغاربة "وردية" إلى هذا الحد، بل تعتريها العديد من النواقص والاختلالات التي سجلها الباحث في مجال المناخ وتدبير المياه، عبدالله الكوراري، في حديث لـ"العربي الجديد"، يؤكد "أنها قد تكون سببا يفضي إلى بروز أزمة مياه وعطش في المغرب بعد 5 سنوات من الآن".

ويستند هذا الباحث في طرحه على معطييْن اثنين: الأول يتمثل في المخاطر الميدانية الملموسة والميدانية التي تُظهر مدى حاجة المغاربة لتدبير أرشد وسياسة أفضل للمياه. والثاني يتجلى في بعض التقارير الدولية التي تدق ناقوس الخطر بشأن احتمال حدوث نقص فادح للمياه في المغرب.

ويشرح المتحدث بخصوص المؤشر الأول بأن العديد من السدود المغربية باتت تعاني من تقلص أو انقراض العناصر الإحيائية والحمائل البيئية، التي يعتبر وجودها ضروريا لضمان التوازن الإحيائي داخل السدود، مضيفا أيضا ظاهرة امتلاء بعض السدود الكبرى بالأوحال، ما يتسبب في تدني جودة المياه الصالحة للشرب.

ودق الباحث ناقوس الخطر بخصوص ظاهرة تلوث السدود التي أضحت تهدد الأدوار الوظيفية التي تضطلع بها السدود، كما تقلل جدا من فرص ضمان وصول الماء للمواطنين، مردفا أن "تلوث بحيرات السدود كان له الأثر السلبي في تدني جودة المياه التي يستهلكها السكان".

وأما المؤشر الثاني، وفق ذات المحلل، فيكمن في المعطيات والتقارير الدولية التي نبهت إلى خطر ندرة المياه بالمغرب، رغم توافر كل هذا العدد الكبير من السدود، ومنها تقرير اللجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة، الذي أكد توفر المملكة على "موارد مائية محدودة".

وكان التقرير ذاته قد لفت إلى مواجهة وفرة الماء لتحديات كثيرة في المغرب، باعتبار أن "حجم المياه القابلة للاستغلال تقنيا واقتصاديا، يصل إلى 80 في المائة من الموارد المتوفرة حاليا"، منبها إلى مشكلة تقلب المناخ، وإهدار موارد المياه العذبة للبلاد، بنسبة بلغت 35 في المائة.

وضع متناقض

إذا كان المغرب يشهد توفر كل ذلك العدد من السدود، التي لا تتوفر في بلد عربي آخر، والتي لا يمكن إنكار ما كان لها من دور في دفع شبح العطش خلال سنوات الجفاف في الثمانينيات من القرن الماضي، فإن السؤال المطروح الذي يتبادر إلى الذهن، هو: لماذا عاد الحديث في الوقت الراهن إلى مخاطر وقوع البلاد في مشكلة ندرة المياه؟
عبدالعزيز البوشتاوي، فلاّح يعمل في إحدى الضيعات الكبيرة التي تتواجد بجوار سد سيد محمد بن عبدالله قرب العاصمة الرباط، قال لـ"العربي الجديد" إن الجواب عن هذا السؤال بسيط، يتمثل في أن عددا من السدود، خاصة الكبيرة منها، لا تفيد المزارع الصغير في شيء، بقدر ما يستفيد من مياهها الفلاحون الكبار الذين يصدرون ويستوردون المنتجات الفلاحية.

كلام هذا الفلاح يؤكده محللون اقتصاديون يرون أن مياه السدود الكبيرة في المغرب تجني ثمارها، خصوصا البورجوازية الكمبرادورية المرتبطة بالنظام الرأسمالي، وطبقة الملاك العقاريين الكبار، الذين استثمروا بشكل كبير في الأراضي القابلة للسقي التي تتواجد بمحاذاة شبكة السدود في البلاد.

وليس هذا هو السبب الوحيد لعدم كفاية السدود في تأمين المياه للمغرب، إذ إن النمو الديموغرافي الهائل الذي شهدته المملكة صاحبه تفشي سلوكيات تتسم بإهدار المياه، وتنامي أنشطة صناعية واقتصادية تتطلب استخدام الكثير من المياه، فضلا عن توالي سنوات عديدة من الجفاف الذي جثم على صدور المغاربة في سنوات خلت.

وانطلاقا من هذه التخوفات التي يبديها فاعلون كثيرون بشأن الأمن المائي للبلاد، فإن حصة المواطن المغربي من الماء التي كانت تتجاوز 3 آلاف متر مكعب في سنوات الستينيات من القرن الماضي، تقلصت بشكل كبير إلى حدود 700 متر مكعب عند حلول سنة 2025، وفق ما تورده بعض التوقعات.

الوزيرة المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، تبدو واعية بمشكلة الماء في المغرب، لكنها حريصة على أن تكون وسطا بين التشاؤم المفرط والتفاؤل الزائد، إذ أكدت أكثر من مرة أن السدود بقدر ما كانت حاسمة في تزويد الناس بالماء، باتت حاليا تشكل في الوقت نفسه خطرا داهما.

مياه القرى

يعيش قطاع عريض من سكان القرى المغربية، معاناة يومية مع مشكلة توفير الماء الصالح للشرب. الشيخ الستيني، محمد بنشطو، الذي يسكن في أحد دواوير قرية تينسوفت آيت مزال التي تعاني مثل أخواتها القرى المتواجدة بضواحي مدينة آيت باها، يبحث على غرار رجال ونساء القرية عن صهاريج للماء تسد حاجتهم لهذه المادة الحيوية، وسط منطقة تعرف نزيفا كبيرا لفرشتها المائية (المياه الجوفية)، بسبب أنشطة صناعية تتعلق باستخراج المناجم هناك.
هذا العطش الذي يقول سكان هذه القرية وغيرها من العديد من بوادي المملكة، إنهم يعانون منه، أشار إلى بعض تجلياته تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وهو مؤسسة رسمية تعنى بمراقبة صرف الأموال العمومية، إذ عزا المجلس العطش في جزء من تقريره إلى "الفوضى التي تعتري تدبير قطاع الماء في البلاد".

وأفاد التقرير الرسمي، الذي صدر حديثا، بأن المخطط الوطني لتزويد سكان القرى في المغرب بالماء الصالح للشرب لم يكن مثمرا، إذ تم رصد حوالى 500 مليون درهم لإنجاز هذا المشروع، ورغم ذلك سجل تراجعا في أداء النفقات المرصودة لهذا المخطط المائي.

وأشار المصدر ذاته إلى أن أغلب الصفقات التي تم إبرامها اعترتها مجموعة من المشاكل، مما أدى إلى عدم تزويد مجموعة من المناطق القروية بالماء الصالح للشرب، وذلك بسبب غياب التقييم أثناء تنفيذ المشاريع المنجزة، وغياب لجنة خاصة بتتبع المشاريع التي توجد في طور الإنجاز.

يشار إلى أن الموارد المائية في المغرب تصنف من بين الأقل وفرة على الصعيد العالمي، إذ تعد المملكة المغربية من البلدان ذات المعدلات الأدنى بالنسبة للكميات المتوفرة للفرد، على غرار دول أخرى كالجزائر ومصر وتونس.

وتقدر كميات مختلف الموارد المائية الطبيعية في المغرب بنحو 22 مليار متر مكعب سنويا، أي ما يعادل 700 متر مكعب للفرد سنويا، وهو ما يقل عن معدل خط الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب. ويرتقب أن تتراجع هذه النسبة إلى 530 مترا مكعبا في عام 2030، بفعل التقلبات المناخية والنمو الديمغرافي. فيما يتصاعد الطلب على المياه في المغرب من 14.5 مليار متر مكعب كما كان عام 2010، إلى 25.5 مليار متر مكعب كما تتوقع الدراسات المغربية الاستشرافية لعام 2030.

----------
اقرأ أيضا:
الأمن المائي العربي[1/ 6]..إيران وداعش يدمران مياه العراق
الزراعة تهدد السعودية بالجفاف بعد 30 عاماً
الأمن المائي العربي [3/6].. سدّ النّهضة يهدّد مستقبل مصر
الأمن المائي العربي [4/6]..المياه أغلى من البنزين في ليبيا
الأمن المائي العربي [5/6]..الأسد يحرم السوريين مياه الشرب