Skip to main content
إيدز ضد كورونا
عصام سحمراني
جونسون (يمين) بالذهبية مع زملائه في فريق الأحلام (Getty)

في خريف 1992، ومع بداية العام الدراسي، في المدرسة الرسمية، لم يكن معظمنا - نحن التلاميذ - يعرف الشيء الكثير عن كرة السلة، فطبيعة المنطقة التي ولدنا فيها وعشنا طفولة الحرب في بيوتها وملاجئها وأزقتها، تتخصص بكرة القدم فحسب، نلعبها من دون كرة حتى، عندما لا تتوفر، بل بمجرد عبوة مشروبات غازية معدنية فارغة. 

في المدرسة المتوسطة الذكورية بالكامل، التي يتألف كلّ صف فيها من 50 تلميذاً، شغلتنا كرة السلة يومها وإن بشكل غير مباشر، إذ لم يكن انشغالنا بها رياضي الطابع، فقد تناقلنا ما سمعناه طوال الأسابيع الماضية، عن ذلك اللاعب الأميركي الذي فاز بالميدالية الذهبية الأولمبية مع منتخب بلاده لكرة السلة، ماجيك جونسون. كان جونسون قد أعلن قبل ذلك بأقلّ من عام عن إصابته بمرض الإيدز، وكسب موجة تعاطف واسعة في بلاده والعالم، وبالرغم من اعتزاله اللعب قبل بداية الموسم، فقد اختير لتمثيل الولايات المتحدة في أولمبياد برشلونة الصيفي، ضمن "فريق الأحلام".

كلّ تلك التفاصيل عن اللاعب بالذات ورياضته لم تكن تهمنا، بقدر ما كان يعنينا المرض الذي تثير أخباره الرعب، وإن كانت تلك الأخبار حين يتناقلها الناس، وتصل إلينا، ترتبط أكثر بعامل النشاط الجنسي، الذي يجد رواجاً كبيراً في أحاديثنا - نحن المراهقين، أو من هم على أعتاب المراهقة.

هكذا، كانت أخبار الإيدز يومية بيننا بالرغم من أنّ لا أحد منا يعرف عن قرب أيّ مريض به. لكن، وكي لا يكون أحدنا مهمشاً في المجتمع المدرسي، فلا بدّ له من المشاركة بكلمة أو التفاعل مع كلمة آخر، حول موضوع الإيدز بالذات. سامي، الفتى الذي في الأول المتوسط، بعد رسوبه مرتين، وإعادته الصف للسنة الثالثة على التوالي، تجاوز الجميع في "خبريته" التي كانت تحمل قصة مذهلة كما اعتبرناها. أكد لنا سامي، وأقسم بالله العظيم والأنبياء المرسلين، أنّ الدرك ألقوا القبض على بائع فلافل، على عربة، جرح ذراعه، وجعل يقطر دماً منها سراً في كلّ سندويش يبيعه، فلمّا انتبه أحد الزبائن له، وتشاجرا وجاء الدرك، وارتابوا بأنّ دمه ملوث، أخضع لفحوص أثبتت إصابته بالإيدز. أقسم سامي مرة أخرى أنّ البائع نقل المرض إلى أكثر من 5 آلاف شخص في المنطقة.



لم يصدق معظمنا القصة، لكنّها أعجبتنا وتناقلناها، سواء بسخرية من سامي وأسلوبه، أو من دون ذلك. وبينما كنا في تلك الأيام مجتمعاً مدرسياً صغيراً لا يتجاوز ألف شخص، فـ"الخبريات" عن فيروس كورونا الجديد، اليوم، تسافر عبر العالم، وكلّ مستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي يشعر أنّ له كلمة في الموضوع وإن كان معظم ما يقال يفتقد إلى كثير من الدقة.