"مش مقبول"

"مش مقبول"

05 سبتمبر 2020
هل تنسى الصدمة؟ (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

الأحداث ليست لهم. على الرفوف الكثيرة في محال الألعاب، لا "أحداث" للفرجة أو البيع. سيارات ملوّنة وأبطال خارقون مهمّتهم إحلال السلام. النهايات الجميلة استحوذت على مساحة كبيرة من مخيّلاتهم. في غرفهم، صناديق تحتوي على أيادٍ وأرجل لأبطال أو حيوانات كُسرت خلال اللعب، ورفض الصغار رميها. اللعب من خلال شخصيات مبتورة الأطراف ممكن، لأن أيدي خارجية هي التي تُحرّكها، وفي نيّتها الحفاظ عليها ما أمكن، وحتى وقت طويل، كما في النهايات الجميلة. وما يطمئن الصغار أن ملامح الشخصيات البلاستيكية ثابتة لا تتغير منذ لحظة ولادتها إلى أن تصير جزءاً من عالم النفايات. إذاً، ما من صدمات ممكنة أو متوقعة.
والساعات الطويلة التي يشعرون بوطأتها هي تلك التي تفصلهم عن حفل ميلادهم أو ميلاد أصدقائهم... حان وقت إطفاء الشموع. حمله أهله، وقفز أصدقاؤه إلى جانبه مهنئين إياه. لم يكن حدثاً وُضع داخل صندوق لن يُفتح بعد الآن. والصندوق الخشبي لم يوضع في التتخيتة (مخزن في البيت يبنى فوق غرف المنازل) حيث يمكن تفقّده من وقت إلى آخر وإزالة الغبار عنه. وفوق لا ورود تزيّن الصندوق كما في جوف الأرض. وإذا كان لا بدّ من وضع شيء فوقه، فذلك الغطاء الأبيض لحمايته من الغبار.
وحَدَثَ أن اختفى كلّ شيء. "بووم"... "بووم"، كما تقول القصص التي يقرؤها الآباء والأمهات لأطفالهم. ومع كلّ حدث، يلجأ الأهل إلى الوقت، ويورثون لجوءهم هذا إلى أطفالهم. 
حين حمل الصغير الشخصية البلاستيكية الصغيرة، والتي لا يتجاوز طولها كفّ يده، أخبرها أن أولئك الذين تسببوا في انفجار مرفأ بيروت يجب ألا يكونوا على قيد الحياة، وأنه خاف ذلك اليوم من أن يسقط عليه أي شيء ويتألم. لن يحدث هذا مرة أخرى، لكن هذا العام "مش مقبول". أَتَعْلَم، أحد الأشخاص الذين أصيبوا في الانفجار لم يتمكن من الاحتفال بعيد ميلاده.

موقف
التحديثات الحية

حدث الانفجار في يوم عيده. هذا العام "مش مقبول. كورونا وانفجار وسجون". برأيي، زاد القتل والسرقة. نقضي أيامنا على السرير. أخاف الموت بسبب كورونا. إلا أن لعبته لا تشفق عليه أو تواسيه، وتحافظ على تلك الابتسامة التي لم يغيّرها الوقت.
لم ينتهِ بعد. البلد في حالة هلع، ولا بد ألا نتوقف عن الصراخ لأن الأحداث لا تنتهي هُنا. الصغير نفسه رأى نعشاً يحمله أطفال. بات يشاهد الأخبار حين اكتشف أن عليه أن يكبر سريعاً هنا. الوقت ليس لصالحه. لم يفهم لماذا قد يحمل أطفالاً صندوقاً ويسيرون به في الشارع. هل أنزلوا الصندوق من التتخيتة؟ إلى أين يأخذون الألعاب القديمة؟ فهذا الصندوق، وهذه الأيادي، لا يعقل إلا أن تحمل أشياء جميلة وذكريات، وليس جثثاً لملامح لم تُكمل نموّها بعد. 

المساهمون