"في المغرب" لبيير لوتي: خلخلة مبكرة لتمثلات جاهزة
خلافاً للعديد من الضباط الأوروبيين الذين عملوا في صفوف جيوش بلدانهم في المستعمرات، لم تأت اهتمامات لويس جوليان فيو المعروف ككاتب باسم بيير لوتي (1850 - 1923) بـ أدب الرحلات والرواية والبحث كنتيجة لخبراته العسكرية، إنما يمكن القول إن الأخيرة أفادت من الأولى وليس العكس.
امتلك صاحب كتاب "الرؤى السامية للشرق" (1921، بالتعاون مع ابنه صموئيل فيود) معرفة معمّقة في التاريخ والفكر أهّلته لكتابة عشرات المؤلّفات التي تنوّعت أمكنتها الجعرافية وحواضنها الثقافية التي تناولتها من هاييتي غرباً إلى اليابان شرقاً مروراً بحواضر عربية وإسلامية عديدة.
عن "مختبر السرديات والخطابات الثقاقية" في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك في الدار البيضاء، صدر حديثاً كتاب "في المغرب" الذي وضعه بيير لوتي عام 1890، ونقله إلى العربية الباحث والمترجم المغربي حسن بحراوي.
الكتاب هو ثاني مؤلَّف يترجم للكاتب الفرنسي إلى العربية بعد عمله "الصحراء: رحلة عبر سيناء والعقبة للوصول لغزة" الذي صدر عام 2016 عن "دار أسامة"؛ وهو الجزء الأول من عمله الثلاثي "الصحراء والقدس والجليل" المنشور عام 1895.
يتتبّع الكاتب مسار القافلة الدبلوماسية الفرنسية من وهران إلى فاس عبر الصحراء، ويسرد وقائع الاحتفالات الرسمية في القصر وما فيها من تقاليد وبروتوكولات متوارثة تحمل رمزيات دينية ودنيوية معاً، ثم يتأمل في بيته الصغير في فاس، وما حوله من الأسواق المكتظّة ونظم البيع والشراء فيها، وبنية العمارة وشكلها ووظائفها، وصولاً إلى الزوايا الصوفية والحركات الطرقية المنتشرة آنذاك.
يُبرز لوتي في كتاباته رفضاً واضحاً للوقوع في انحيازات سياسية وأيديولوجية مسبقة، بل إنه يبالغ في مواضع عدّة وهو يصف افتتانه بالمغرب (نفس ما فعله في بلدان أخرى زارها)، ولكن أبرز ما يلفتنا ربّما أنه يتفهّم مقاومة هذه الشعوب لما يأتيها من الغرب من أنظمة وتقنيات وسياسات. وهو في ذلك يخالف أهل زمانه، سواء من بقي في أوروبا فكانوا ضحية الدعاية، أو من أتوا إلى المغرب وغيره من البلاد، ولكن بصور وتمثلات جاهزة لا يقدر حتى الواقع على تحويرها.