Skip to main content
"داعش" يضرب قلب طهران: إقرار بخطورة الخرق الأمني والحرس الثوري يتوعد ويتهم
العربي الجديد ــ طهران
شاركت قوات الأمن في صد مهاجمي البرلمان(أوميد فاهابزادي/فرانس برس)
دخلت إيران، أمس الأربعاء، مرحلة جديدة بعدما نفذ تنظيم "داعش" أول عملية له في البلاد عبر هجومين غير مسبوقين، استهدف الأول مقر البرلمان والثاني مرقد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني، وقد أسفرا عن سقوط 12 قتيلاً على الأقل، فيما لم يتأخر الحرس الثوري الإيراني، في التعهد بـ"الانتقام من تنظيم داعش وحلفائه".
وفي الوقت الذي كانت تتضح الصورة النهائية للاعتداءين اللذين نفذا بشكل متزامن، واستهدفا أبرز معالم الجمهورية، قال الحرس الثوري في بيان إنه "يجب ألا يشك أحد في أننا سوف ننتقم لهجمات اليوم في طهران من الإرهابيين والتابعين لهم وداعميهم". كما لمّح الحرس الثوري الإيراني، في بيان، إلى مسؤولية السعودية عن الهجومين. ومما جاء في البيان أن "هذا الهجوم الإرهابي حدث بعد أسبوع فقط من اجتماع بين الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) والقادة (السعوديين) الرجعيين الذين يدعمون الإرهابيين. حقيقة أن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن مسؤوليته تثبت أنهم ضالعون في هذا الهجوم الوحشي"، فيما أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، التنديد بالهجمات الإرهابية أينما كانت، مشدداً على أنه "لا يعرف من المسؤول عن هجومي طهران". وأضاف "لا يوجد دليل على أن متطرفين سعوديين مسؤولون عن هجومي طهران". وحمل تعامل إيران مع الهجومين، على البرلمان الإيراني ومرقد الإمام الخميني، وما ينطويان عليه من خرق أمني يعد الأخطر، العديد من الدلالات، منها ما هو سياسي موجه للداخل والخارج على حد سواء، ومنه ما هو أمني، خصوصاً بعد حديث قائد الحرس الثوري الإيراني.


ووقع الهجومان بشكل متزامن تقريباً. ووفق ما أعلنت الشرطة ومعها الداخلية الإيرانية، فقد دخل أربعة مسلحين يرتدون ملابس سيدات إلى داخل مبنى البرلمان الإيراني الواقع في ساحة بهارستان القريبة من مركز العاصمة، وذلك من البوابة المخصصة لعبور المواطنين، حيث يستطيع الإيرانيون الدخول للمجلس لتقديم شكاوى أو لمقابلة بعض النواب.
أطلق المهاجمون الرصاص مباشرة في محاولة للوصول إلى الداخل، حيث كان النواب مجتمعين في إحدى جلساتهم البرلمانية الاعتيادية بحضور رئيس المجلس علي لاريجاني، وهو ما تسبب باشتباكات استمرت لساعات بين قوات الأمن والمسلحين الفارين بين الأروقة، ليفجر أحد المهاجمين نفسه بحزام ناسف، وتم قتل البقية، عقب تدخل قوات من الحرس الثوري الإيراني.
أما الهجوم في مرقد الإمام الخميني في ضواحي طهران الغربية، فنفذه مسلحان أحدهما يرتدي زي امرأة، بحسب الصور التي تبادلتها المواقع الإلكترونية والتي تظهره بعد أن فجّر نفسه بحزام ناسف مرتدياً حجاباً. حاول المسلحان الوصول إلى داخل المرقد، وأطلق أحدهما النار بشكل عشوائي ومكرر، إلى حين طاردته قوى الأمن، وأردته قتيلاً.
وأدى الاعتداءين إلى مقتل 12 شخصاً، غالبيتهم في البرلمان، وبعضهم من المسؤولين عن مكاتب النواب ممن تدخلوا في العملية، فضلاً عن جرح 42 شخصاً وفق ما أعلنت إدارة الإسعاف في طهران.
وجاء الاعتداءان بعد أن كرر منتمون لتنظيم "داعش" توجيه تهديداتهم المباشرة لإيران محاولين ضربها في العمق عدة مرات، وبعد أن أعلنت إيران عدة مرات أيضاً، عن اعتقال منتمين لجماعات إرهابية ومصادرة أسلحة ومتفجرات، وإحباط مخططات نسبتها لـ"داعش" أحياناً. وقد ترافقت التطورات الأمنية، أمس الأربعاء، مع أجواء حذرة شهدتها شوارع العاصمة طهران. وفيما لم ينكر المسؤولون الإيرانيون خطورة ما حدث، لكن الاعتداءين كانا بالنسبة إليهم فرصة للتأكيد على أن البلاد ضحية لخطر الإرهاب.
وبعدما أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية حالة التأهب في كل أنحاء البلاد، عقدت لجنة الأمن اجتماعاً ترأسه وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، وقد ناقش الاجتماع حيثيات وتفاصيل الاعتداءين. كما تفقد البرلمان، عقب انتهاء العمليات داخله، رئيسه علي لاريجاني، وعسكريون من الحرس الثوري، وعلى رأسهم قائد الحرس محمد علي جعفري، وقائد القوات البرية محمد باكبور. من جهتها، أكدت مواقع إخبارية إيرانية أن عناصر من قوات "صابرين" الخاصة قد انتشرت في مرقد الإمام، للتأكد من استتباب الأوضاع، وهي العناصر التابعة للقوات البرية في الحرس. كما بدا حرص المسؤولين الإيرانيين، تحديداً وزارة الاستخبارات، على طمأنة المواطنين. من جهته، قال مستشار الرئيس الإيراني، حميد أبو طالبي، إنه لو وقع هجوم من هذا النوع في أوروبا أو أميركا لترك أضراراً أكبر بكثير، مؤكداً أنه على العالم برمته إدانة الإرهاب أينما وقع.
وفيما توالت ردود الفعل الدولية والعربية المنددة بالاعتداءين، ركزت التصريحات الصادرة عن طهران على أن إيران ستستمر في حربها على الإرهاب، وهو ما يؤشر إلى أن السياسة الإيرانية تجاه هذا الملف لن تتغير، وربما تتحول لمنحى أكثر تصعيداً. وقد أشار وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى ذلك قائلاً إن كل الإيرانيين من الشعب والعسكر سيقفون معاً بوجه هذا الخطر.
من جهته، رأى العسكري السابق في الحرس الثوري، حسين كنعاني مقدم، في حديث مع "العربي الجديد" أن توقيت هذه العمليات هام ولافت، إذ جاءت عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي سبقتها تهديدات بشن هجمات إرهابية، مرجحاً أن "داعش" كان يحاول تنفيذ هجماته قبل أيام من الآن، حيث وافق يوم الأحد الماضي ذكرى رحيل الإمام الخميني، وهو ما تزامن مع إقامة مراسم ضخمة في مرقده. وعلى ما يبدو، كان هؤلاء ينوون تنفيذ ضرباتهم داخل المرقد، معتبراً أنه لو وقعت تلك الهجمات لأدت إلى سقوط الكثير من الضحايا، لكن الانتشار الأمني المشدد عرقلها في حينه، حسب تقديراته.
وأضاف كنعاني مقدم، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن المراكز التي وقعت فيها الهجمات حساسة بالفعل، لكن عناصر داعش لم يتمكنوا أصلاً من دخول القاعات الهامة في البرلمان وحتى في المرقد، فهناك رقابة مشددة في المكانين، لكن حساسية الاعتداءين في هذا التوقيت وفي مكان كإيران جعل تنظيم "داعش" يستخدم الأمر كدعاية لصالحه حسب تعبيره.
كما شدد على أن ما حدث "يدق ناقوس الخطر الذي يستدعي المزيد من الإجراءات الأمنية التي تقع على عاتق المسؤولين".
من جهته، قال المحلل السياسي، حسين رويوران، إن ما حدث يحمل رسالة واضحة لإيران متوقعاً أن "تستمر طهران في سياساتها في الحرب على الإرهاب"، وتوقع "تحركها بجدية أكبر مع فاعلين في الإقليم والعالم"، على حد قوله. واعتبر أن ما حدث يمثل اختراقاً أمنيا للبلاد، متوقعاً المزيد من الاستنفار لا سيما أن العمليات جاءت عقب مؤتمر الرياض بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو المؤتمر الذي فتح النار على إيران بكل وضوح وصراحة، لتعقبه عمليات تستهدف الداخل الإيراني.