الرغيف الليبي يغيب عن المواطنين

الرغيف الليبي يغيب عن المواطنين

08 سبتمبر 2015
الخبزسلعة نادرة في مناطق شرق ليبيا (فرانس برس)
+ الخط -
لم يعرف الليبيون أزمة خبز مند عام 1881، حينها قامت السلطات العثمانية آنذاك باستيراد الدقيق وتوزيعه على السكان، بعد سنوات الجفاف التي مرت بها البلاد. وتوفرت أرغفة الخبز بكميات كبيرة، مند اكتشاف بحيرات من النفط في الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت الكميات الفائضة من الخبز تقدم كعلف، بعد دعم سعر الدقيق. ولكن بعد ثورة السابع عشر من فبراير/شباط من عام 2011، وبدء الأزمات الأمنية والسياسية، أصبح الخبز سلعة نادرة في بعض المناطق المنكوبة، خصوصاً مع انتشار التهريب الذي يساهم بخفض حجم الدقيق المدعوم في السوق الليبية، لتصل المشكلة إلى إغلاق المطاحن، وارتفاع أسعار الخبز، واصطفاف طوابير طويلة أمام الأفران، طلباً لربطات الخبز الهزيلة. 
هكذا، أصبح الليبي محاصراً بالأزمات المعيشية، وضعف الخدمات العامة، وصولاً إلى تهديد رغيف خبز الفقراء. فما الذي يحصل في هذا الملف؟ ومن المسؤول عن أزمة الرغيف المستفحلة؟

هدر وديون

يتوزع 4160 ألف مخبز على مختلف أنحاء ليبيا، إضافة إلى 57 مطحنة دقيق توزع الطحين على الأفران بأسعار مدعومة. وحتى سنوات قريبة، كانت ليبيا تشهد كميات هدر كبيرة في أرغفة الخبز معظمها يذهب علفاً للحيوانات، ولكن اليوم اختلف الأمر في ظل توفر دقيق في غرب ليبيا، بينما شرقها الذي تسيطر عليه حكومة طبرق يعاني من نقص حاد في توافر هذه السلعة للمواطنين.
وفي آخر المُستجدات، أقفلت شركات المطاحن أبوابها بسبب الديون المُتراكمة على الحكومات المتعاقبة والتي تصل إلى 1.3 مليار دينار.
وتوجد في ليبيا حكومتان، واحدة معترف بها وهي في طبرق، شرق البلاد، والثانية تابعة للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته ومقرها طرابلس.
وتشتكي المنطقة الشرقية في ليبيا من نقص حاد في دقيق المخابز بحيث تصطف الطوابير الطويلة أمام المخابز، منذ ساعات الفجر، للحصول على رغيف الخبز، بينما غرب ليبيا لديه وفرة بالدقيق ولكن في الوقت ذاته يشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.
وصرح الناطق باسم المجلس البلدي في بنغازي، عبد الرؤوف الخضر، بأن عميد البلدية، عمر البرصين، أجرى اتصالاً مع رئيس اتحاد المطاحن في المدينة، عبد الكريم الدينالي، بشأن حل مشكلة نقص الدقيق، وأنه سيتم تزويد المدينة بحوالى خمسة وعشرين ألف كيس من الدقيق لحل الأزمة الأخيرة.

اقرأ أيضاً:ليبيا: كرة الأزمات تكبُر

وأكد رئيس هيئة الحبوب التابعة لحكومة المؤتمر الوطني في طرابلس، علي أرحومة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إنتاج ليبيا من الحبوب انخفض، خلال العام الماضي، إلى 190 ألف طن، منها 90% من القمح الطري والباقي صلب، في حين كان الإنتاج في الأوقات العادية يتجاوز 280 ألف طن سنوياً.

وأوضح أن الفلاحين في البلاد لم يتلقوا الدعم المخصص لهم منذ عامين، ما تسبب في تدني إنتاج الحبوب، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مختلف المنتجات الزراعية، والمواد الأولية.
وتعول ليبيا على إنتاج القمح الطري والذي يدخل في صناعة الخبز، وكانت تغطي 10% من احتياجات البلاد من القمح عبر الإنتاج المحلي، ولكن هذه التغطية تراجعت إلى معدلات متدنية خلال السنة الماضية.
وحول أوضاع توفير سلعة الدقيق، قال مدير موازنة الأسعار التابع لحكومة الإنقاذ الوطني، جمال الشيباني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن مشكلة الدقيق لم تحل بشكل جذري، ولكن الحكومة أعلنت عن إجراءات تعتبر من ضمن الحلول المؤقتة إلى حين رفع الدعم عن سلعة الدقيق بشكل كامل، متوقعاً رفعه بشكل نهائي مطلع العام المُقبل.
وأوضح أن الباب حالياً مفتوح على مصراعيه لاستيراد الحبوب من خارج البلاد، دون تنسيق مع صندوق موازنة الأسعار، في معرفة الاحتياجات المطلوبة من الحبوب المطحونة كالدقيق، وإن الصندوق لم تصرف له ميزانية طيلة عامين.
وكشفت تقارير ديوان المحاسبة بطرابلس عن أن صندوق موازنة الأسعار تحول إلى محتكر للسلع الأساسية، وأصبح المورد شبه الوحيد لسلعة الدقيق. وأكد الديوان، في تقريره الأخير، أن صندوق موازنة الأسعار أصبح شركة تجارية تقوم بشراء السلع وتوزيعها على المخابز والجمعيات الاستهلاكية، ومن ثمة في السوق الموزاية، وذلك بدلاً من أن يكون جهة تنظيمية.
كما أكدت التقارير أن الصندوق لا يمتلك المخزون الاستراتيجي لسلعة القمح، وجلُّها موجود لدى القطاع الخاص، رغم أن القمح يرتبط بالأمن الغذائي للبلاد.

تمهيد لرفع الدعم

وتستهلك ليبيا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 6.6 ملايين مواطن، 1.26 مليون طن من الحبوب سنوياً، وما يقرب من 105 آلاف طن شهرياً. وتستورد ليبيا 90% من القمح اللين من الخارج والباقي يُغطى من الإنتاج المحلي.
وفي المُقابل، قال وزير الاقتصاد بالحكومة المؤقتة، منير علي، في تصريحات صحافية، إن بعض المهربين والمروجين وبعض الناس الذي يتلاعبون بالمستندات هم الذين يستفيدون من دعم الحكومة للدقيق. وأضاف أن تكلفة كيلو الدقيق على الدولة الليبية حوالى دينار ليبي لكل مواطن. ولفت إلى أن المواطن البسيط لا يحسب قيم الدعم للسلع، لكنه لو أخذ الدعم بشكل نقدي وأصبح جزءاً من دخله فسوف يحافظ عليه. ويصرف المبلغ المخصص لدعم السلع سنوياً من ميزانية الدولة ويتجاوز ملياراً ونصف مليار دينار، أما دعم الوقود والكهرباء فيصل إلى 12 مليار دينار سنوياً.

وكشفت دراسة حكومية عن أن استهلاك الفرد في ليبيا من الدقيق يبلغ 144 كيلوغراماً سنوياً. ويشكل دعم المخابز نسبة 51% من الدعم السلعي الذي تقدمه الحكومة ويتحصل السكان الأجانب، البالغ عددهم 9% من سكان ليبيا، على رغيف الخبز المدعوم.
وبعد انطلاقة الثورة، عرفت ليبيا فوضى أمنية وسياسية، لتصبح المناطق والأحياء والمؤسسات فريسة للمليشيات وللقبائل والصراعات المسلحة.
وتشهد المناطق الليبية، هذه الأيام، انقطاعاً طويلاً للتيار الكهربائي، ومشكلات طاولت شبكة الاتصالات، وشح الأدوية ونقص التطعيم في المستشفيات، وتراجعاً كبيراً في الخدمات الطبية، وتدني مستويات التعليم في المدارس والجامعات، وامتداد الطوابير الطويلة أمام مصلحة الجوزات بسبب ارتفاع عدد طالبي الهجرة، خصوصاً من الشباب، وفوق كل ذلك، استمرار الاشتباكات، وتراجع مؤشرات الاقتصاد بشكل عام، مع تراجع حجم الإنتاج النفطي، وانتشار الفساد في كل مكان.

اقرأ أيضاً:الليبيون تحت مقصلة رفع دعم السلع

المساهمون