اللاجئون الجدد يبحثون عن الجمعيات العربية

اللاجئون الجدد يبحثون عن الجمعيات العربية

23 أكتوبر 2015
تنظيم أنفسهم أفضل من الاعتماد على متخيلات (العربي الجديد)
+ الخط -

في البلدان الأوروبية، تنتشر منظمات الجاليات العربية، بعضها تأسس قبل عقود، كأندية أو روابط وجمعيات واتحادات، وهي تساهم في عمليات الدمج لا سيّما في المجالين الثقافي والاجتماعي. والأندية والروابط ليست كلها سياسية، كما يُعرف عن بعض منها خصوصا الفلسطينية المنتشرة من مالمو في السويد مروراً بكوبنهاغن في الدنمارك وصولاً إلى برلين في ألمانيا وغيرها. هي مسجلة رسمياً كجمعيات ثقافية واجتماعية.
ومع موجات الهجرة المتزايدة، يطرح بعض السوريين والفلسطينيين والعراقيين من الوافدين الجدد على ساحات الهجرة الغربية، عدة أسئلة محقة: أين تلك الجمعيات منا؟

عبد القادر حسن لاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك (سورية)، تخيّل حين وصوله إلى ألمانيا أن كل ما سمعه عن نشاط الجالية الفلسطينية سيخفّف عنه قليلاً من معاناته وغربته. يقول لـ "العربي الجديد": "لا أريد شيئاً مادياً ولا مساعدة ترهق تلك الجمعيات. لكن ظنّي خاب، عندما وجدت فقط بعض قيّمين على مساجد وبعض رجال دين يسألون عن أحوالنا من حين إلى آخر. هل لأن طلب الدعم المعنوي من الروابط والجمعيات، يؤثّر على أعمالها وصورتها؟".
فريال صحافية تركت سورية قبل أكثر من ثمانية أشهر وقصدت ألمانيا. لا تعلم سبب "تجاهلنا. صحيح أن بعض الصحف وفي فورة توافد اللاجئين في سبتمبر/ أيلول الماضي عمدت إلى ترجمة فقرات من الدستور وبعثت إلينا برسائل توجيهية وإرشادات لمساعدتنا، إلا أنني أتساءل: أين عشرات آلاف المقيمين العرب؟ أين هم في حين يتواصل معنا ألمان وألمانيات ولو بلغة الإشارة، وهم يربّتون أكتافنا للتخفيف عنا؟".

وتتشابه غصّة هؤلاء الوافدين والأسئلة التي يطرحونها بألم، في الدول الإسكندنافية كما في الدول الأوروبية الأخرى. أبو محمد بدران يقيم منذ 30 عاماً في السويد، تحديداً في مالمو، وهو عضو في تجمع عربي يملك مقراً ونادياً للشباب. بالنسبة إليه، "الأسئلة مشروعة وعلى حق. يصعب على المهاجرين الجدد أن يستقبلهم عرب آخرون - لا سيما الجمعيات - ببرودة. الانقسام للأسف ينعكس على الموقف وعلى برامج مساعدة هؤلاء في التكيّف مع ظروف جديدة". يضيف: "لكن من الظلم التعميم أن كل الجمعيات المهاجرة غير مبالية بحال الجدد. بعض اللاجئين يتوقع حلولاً سحرية وسريعة، خصوصاً في ما يتعلق بقدرات ليست من صلاحياتنا مثل تأمين سكن وعمل".

ابتسام ناشطة تتنقّل بين دول أوروبية عدّة. تقول من العاصمة النمساوية فيينا، إن "البعض يحضر مع توقعات تصل حدّ السماء. وفي ندوات ولقاءات أعددناها حول القوانين وما إليها مع عدد من الزملاء والزميلات الغربيين، صُدمنا بأن ثمّة لاجئين يعتقدون بأنهم يعرفون قوانين الاتحاد الأوروبي ودوله أكثر من أهل الاختصاص. ويعاند هؤلاء ويصرّون على موقفهم، وهو ما يعكس انقساماً بين الوافدين الجدد. وقد قال لنا بعضهم على الملأ: أنتم لا تريدوننا أصلاً بينكم. كان ذلك محزناً".

الجميع بما في ذلك النخب، يرون ضرورة أن يؤمّن لهم "نظام الحماية" (اللجوء) أموراً مفروغاً منها، مثل السكن والراتب والسيارة. تُضاف إلى ذلك، الرغبة في لمّ الشمل بعد أيام معدودة من بلوغ البلد الجديد. لكن هؤلاء يصطدمون بواقع آخر ومحبط.
وحتى لا تُظلم الجمعيات العربية المهاجرة، لا بدّ من الإشارة إلى أن قدراتها لا تفوق قدرات الدول المضيفة، ووحده الصبر من شأنه أن يبيّن للوافدين الجدد أن تنظيم أنفسهم في جمعيات أهلية سوف يخفف من وطأة الحاجة إلى الاعتماد على متخيلات غير موجودة في بلاد الهجرة.
وحين تقيم مؤسسات وجمعيات الجاليات القديمة في بلاد الاتحاد الأوروبي نشاطات اجتماعية وثقافية (بالإضافة إلى السياسية كما تفعل الفلسطينية منها)، من المفترض أن يُدعى هؤلاء اللاجئون ليشاركوا ويتعرفوا أكثر على طبيعة الجمعيات وكيفية نشوئها. وفي الوقت ذاته، عليهم تلبية مثل هذه الدعوات بعيداً عن الخوف الذي يحملونه معهم.

ولا بدّ من التذكير أيضاً بأن التعددية التنظيمية والفكرية للجمعيات المهاجرة تبدو في ظاهرها انقسامات، لكنها في الواقع انعكاس لتعددية المجتمعات الغربية التي تنتظم فيها. إذا نظرنا مثلاً إلى الجاليات الفلسطينية التي يمكن أن تختلف بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي، نجدها عند كل حاجة ملحة إلى التنسيق والتوحّد،، مجتمعة من دون فوارق. هذا أمر يمكن تعميمه بعيداً عن الانقسامات بين جمعيات المهاجرين حول الموقف من الثورة السورية، وبعيداً عما تقوله قلة قليلة.

اقرأ أيضاً: متطرفون يلاحقون اللاجئين السوريين في الدنمارك