مقام الشهيد... روح الثورة والشموخ الجزائري

مقام الشهيد... روح الثورة والشموخ الجزائري

12 أكتوبر 2023
يرمز مقام الشهيد إلى تضحيات وبطولات شهداء الثورة الجزائرية (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يمكن أن يزور رئيس دولة أو حكومة أجنبية أو شخص بارز الجزائر من دون أن يتوقف عند محطة معلم مقام الشهيد، النصب الكبير المشيّد على هضبة في العاصمة الجزائرية، ويضع إكليل ورود للترحم على أرواح شهداء البلاد.
وكان رئيس الوزراء الروسي السابق ديميتري مدفيديف وصف مقام الشهيد بأنه "صرح عملاق"، وقال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إن المقام "يمثل الشموخ الجزائري"، في حين ذكر الرئيس الجنوب الأفريقي الراحل نلسون مانديلا أنه استعاد خلال زيارته المقام "ذكرى الكفاح في سبيل الحرية".
 شيّد مقام الشهيد على ربوة عالية في حي المدنية (حي صالومبِي) سابقاً، ويتمتع بإطلالة بانورامية على شمال الجزائر، وتحيط به منطقتا روِيسو والحامة في الجهة السفلى. وهو يتربع على مساحة هكتار واحد تحمله ثلاثة أعمدة أو أركان مائلة تتسع في حال النظر إليه من أعلى إلى أسفل، وتضيق في حال النظر إليه من أسفل إلى أعلى.

"السعفات الثلاث"
ويتضمن المقام ثلاثة أركان (ثلاث سعفات) بطول 97 متراً لكل منها تلتقي على ارتفاع 47 متراً، وتظهر بشكل أسطوانة تنتهي عند قبة مبنية بشكل المعمار الإسلامي بقطر 10 أمتار وارتفاع 25 متراً.
ويتوسط الفراغ بين "السعفات الثلاث" منصة مخصصة للترحّم على أرواح الشهداء ومكان مخصص لوضع باقات الزهور في المناسبات التاريخية، وخلال زيارات الشخصيات والوفود الرسمية. وبذلك أصبحت زيارة المعلم التاريخي والترحّم على أرواح الشهداء الجزائريين أحد أهم بروتوكولات زيارات قادة دول العالم والرسميين إلى الجزائر.
ويوجد خلف كل سعفة تمثال ضخم مصنوع من برونز يرمز كل واحد منها إلى ثلاث مراحل مفصلية في تاريخ الكفاح الجزائري، هي على التوالي: "المقاومة الشعبية" وجيش التحرير الوطني والجيش الوطني الشعبي.
ويحتوي المعلم على ساحة تقع جنب النصب التذكاري، وتحمل رمزاً يسمى "الشعلة الأبدية"، أما القسم السفلي فيحتوي على سرداب ومدرج يؤدي إلى المتحف الوطني للمجاهد الذي يخلّد مختلف المراحل التاريخية في كفاح ونضال الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي، ويضم ملاحق إدارية وقاعة شرفية وقاعة للمحاضرات ومكتبة واستوديو لتسجيل الشهادات الحيّة لشخصيات شاركت في ثورة التحرير، وتركيب وإنتاج الأشرطة السمعية البصرية والأقراص المضغوطة، وأيضاً منتدى للاتصال والإنترنت. كما يضم هذا الفضاء متحف الجيش الذي يخلّد إنجازات القوات المسلحة. ويتردد على زيارة المتحفين تلاميذ مدارس وطلاب.
 وصمم مقام الشهيد الفنانان المعماريان الجزائري بشير يلس والبولندي ماريان كونيكزي. ونفذت شركة "لافالين" أعمال بنائه التي شملت أيضاً التعاقد مع رسامين ونحاتين وفنانين جزائريين وأوروبيين. 
وكان الرئيس الراحل هواري بومدين حلم بإنجاز مقام الشهيد، لكنه لم يحظ بهذه الفرصة قبل وفاته عام 1978، ثم أطلق الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد المشروع عام 1980، واستغرق إنجازه 323 يوماً، أما حفل الافتتاح الرسمي أمام الجماهير والبعثات الدبلوماسية والوفود الرسمية فأقيم عام 1986.

الصورة
زيارة مقام الشهيد بروتوكول رسمي في الجزائر (الأناضول)
زيارة مقام الشهيد بروتوكول رسمي في الجزائر (الأناضول)

 
موقع تاريخي
ويعتبر اختيار مكان مقام الشهيد ذات رمزية في جذور التاريخ الجزائري، إذ كان الموقع الاستراتيجي مهماً في حقب تاريخية مختلفة. ويقول أستاذ التاريخ محمد علاونة لـ"العربي الجديد" إن "هضبة الحامة التي شيد عليها هذا المعلم كانت تُستغل لمراقبة حركة الملاحة والسفن في خليج الجزائر خلال فترة الحكم العثماني، كما شهد معركة ردّ الحملة التي قادها شارل لوكان على الجزائر في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1541، حين حطمت المدفعية التي أطلقت حينها من الهضبة سفن العدو، وردتها منهزمة".
 أيضاً يذكّر مقام الشهيد الأجيال الجزائرية بمكان المدنية الذي شهد الاجتماع الذي انعقد في شهر يونيو/ حزيران 1954، وأطلق عليه "اسم اجتماع مجموعة الـ22 التاريخيين"، وهم الأشخاص الذين قرّروا حمل السلاح ضد المستعمر الفرنسي، وتحضير ثورة التحرير التي انطلقت بعد أربعة أشهر. وهو حمل لاحقاً اسم الأخوة الثلاثة من عائلة مَدني الذين خرجوا في تظاهرات 11 ديسمبر/ كانون الأول 1960، وسقطوا ضحايا برصاصات جنود الاحتلال الفرنسي. وهذه التظاهرات شكّلت منعطفاً حاسماً في مسار ثورة التحرير. 
وإضافة إلى رموز تضحيات وبطولات شهداء الثورة الجزائرية المجيدة يدل مقام الشهيد على الهوية الوطنية للجزائر، إذ تحمل صورته الورقة النقدية من فئة مائتي دينار، كما يرمز إلى فترات نهوض البلاد في قطاعات الزراعة والصناعة والثقافة. 

ويتزين مقام الشهيد كلما حلّت المناسبات التاريخية، وأبرزها عيد ثورة التحرير في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، وعيد الاستقلال في 5 يوليو/ تموز. وهو يشهد العديد من الفعاليات الثقافية والمعارض والندوات التاريخية، وتنظم فيه زيارات سياحية للتعريف بالمكان، كما يستقبل حفلات فنية في مناسبات محدّدة أو معارض كتب في ساحته الواسعة بالهواء الطلق.
ومن أجل ربط الجيل الجديد بالتاريخ تنظم مدارس في مدن جزائرية مختلفة وكشافة الجزائر زيارات لتلاميذها للمقام خلال العطل الرسمية والمناسبات الوطنية. كما يجذب المقام العائلات خلال نهاية أيام الأسبوع والعطل المدرسية.
وتقدّر إدارة المعلم توافد أكثر من 3 ملايين زائر سنوياً، وهو المكان المفضل بالنسبة إلى زوار الجزائر لالتقاط صور بسبب إطلالته الخلابة وتنوّع الواجهات التي يعكسها، كما أنه الواجهة الخلفية المفضلة لمعظم القنوات التلفزيونية في تغطية المواعيد الرسمية والأحداث الكبرى في الجزائر، كعلامة تميّز العاصمة الجزائرية عن باقي المدن وحتى البلدان. 

المساهمون