مسلمو سانت بطرسبورغ... صيام الليالي البيضاء وتاريخ يمتد لقرون

مسلمو سانت بطرسبورغ... صيام الليالي البيضاء وتاريخ يمتد لقرون

02 ديسمبر 2023
يعد المسجد الجامع أهم مساجد سانت بطرسبورغ (العربي الجديد)
+ الخط -

يقدر عدد المسلمين في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية بنحو نصف مليون يشكلون نسبة 10 في المائة من سكانها، وتعتبر بالتالي بين الأقاليم الروسية الأكثر احتضاناً لمعتنقي الإسلام إلى جانب مناطق شمال القوقاز، وجمهوريتي تتارستان وبشكيريا والعاصمة موسكو التي يقطنها مليونا مسلم على الأقل.    
يتحدث المستشرق المقيم في سانت بطرسبورغ، مير علي أسكيروف، لـ"العربي الجديد"، عن أن المدينة تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة للمسلمين على صعيد توفر المساجد والمنتجات الحلال مقارنة بالمدن الروسية الأخرى ذات الجاليات المسلمة الكبيرة.
ويقول إن "غالبية المسلمين في مدينتنا، مثلما هو الوضع في العاصمة موسكو، وافدون من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وفي مقدمها طاجكستان وأوزبكستان، وآخرون من مناطق روسية أخرى مثل جمهوريات شمال القوقاز وتتارستان". 
وباعتبار أن سانت بطرسبورغ تقع شمالي روسيا الذي يتميز بطول ساعات النهار صيفاً وظاهرة الليالي البيضاء في بداية الصيف، يزيد ذلك صعوبة الصيام في حال صادف شهر رمضان خلال هذه الفترة. ويعلق أسكيروف على ذلك بالقول: "بدءاً من نهاية فصل الربيع يصبح النهار طويلاً للغاية، وأثناء الليالي البيضاء يضطر الصائمون إلى اعتماد مواقيت الصلاة بحسب أقرب بلدة سكنية ذات ساعات ليلية مظلمة كمواعيد للإفطار والسحور. وفي بعض الأوقات يصل الأمر إلى أداء صلاة الفجر عند منتصف الليل تقريباً ثم الذهاب إلى النوم". 
وحول الصعوبات التي يواجهها مسلمو سانت بطرسبورغ في أداء الشعائر، يقول مير علي: "مقارنة بمدن أخرى ذات أعداد كبيرة من المسلمين مثل قازان عاصمة تتارستان، وعواصم جمهوريات القوقاز، وحتى موسكو، تفتقر مدينتنا إلى البنية التحتية الإسلامية مثل المتاجر والمطاعم الحلال، والمساجد لا تتسع لجميع المصلين في أيام الجمعة". 
في وسط سانت بطرسبورغ وقرب معالمها التاريخية الرئيسية، ثمة مبنى لافت بطراز معماري ينتمي إلى آسيا الوسطى، ويجد الزوار أنه يشبه ضريح القائد العسكري المنغولي التركي تامرلان (1336 - 1405) في مدينة سمرقند بأوزبكستان. هذا هو المسجد الجامع الذي شيّد قبل أكثر من قرن من الزمن، ويتسع لبضعة آلاف من المصلين، وهو بارتفاع 39 متراً، بينما يبلغ ارتفاع مئذنتيه 48 متراً، وهو يفتح أبوابه أمام الزوار من معتنقي جميع الديانات شرط التزام قواعد اللباس، مثل ارتداء النساء غطاء الرأس. 

الصورة
يفتح المسجد أبوابه أمام معتنقي جميع الأديان (العربي الجديد)
يفتح المسجد أبوابه أمام معتنقي جميع الأديان (العربي الجديد)

واللافت أن سانت بطرسبورغ ظلت خالية من المساجد لفترة طويلة، وحينها كانت الصلوات تقام في منازل خاصة، وفي عام 1881، تقدمت الجالية التتارية في بطرسبورغ بطلب إلى حكومة الإمبراطورية الروسية للسماح ببناء مسجد، لكنه رفض، قبل أن يوافق آخر قياصرة روسيا، نيقولاي الثاني، على بناء المسجد الجامع في عام 1904 بعدما التقى أمير بخارى، عبد الأحد خان، والذي أطلق الإنتاج التجاري الخاص بمعادن النحاس والحديد والذهب والفراء الثمين والصوف في إمارة بخارى لجذب رؤوس الأموال والعمال الأجانب.
وتبرع أمير بخارى بمبلغ كبير لشراء قطعة أرض على بعد أمتار من قلعة بيتروبافلوفسك التي تعد أحد رموز المدينة، ليوضع حجر الأساس للمسجد في عام 1910، وأقيمت أولى الصلوات فيه عام 1913 بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور 300 عام على تولي آل رومانوف الحكم في روسيا، وأهدى أمير بخارى المسجد سجاداً يدوي الصنع يمتد على 400 متر داخل مربع القاعة الرئيسية.

لكن المسجد لم يفتح أبوابه للمصلين فترة طويلة، إذ تعرض الإسلام على غرار باقي الأديان لاضطهاد في ظل إعلان الإلحاد أيديولوجيا رسمية للدولة السوفييتية، واستمر ذلك حتى عام 1956، حين طلب الرئيس الإندونيسي السابق أحمد سوكارنو، أثناء زيارته إلى لينينغراد (التسمية السوفييتية لسانت بطرسبورغ)، إذناً لزيارة المسجد، ما ساهم في تسريع إعادة افتتاحه، كما قدمت الجالية المسلمة في المدينة طلبات عدة في هذا الشأن بعد الحرب العالمية الثانية.
ويعد الإسلام ثاني أكثر ديانة انتشاراً في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية، ويقدّر عدد المسلمين فيها بنحو 20 مليوناً، بينهم بضعة ملايين من المغتربين الوافدين من جمهوريات آسيا الوسطى.
ويلعب مسلمو روسيا دوراً مهماً في تنمية العلاقات مع بلدان العالم الإسلامي، واتجاه روسيا شيئاً فشيئاً نحو الجنوب والشرق يزيد دور المسلمين والمناطق ذات الغالبية المسلمة مثل جمهوريتي تتارستان والشيشان اللتين تقودان روسيا إلى تعزيز العلاقات مع بلدان العالم الإسلامي.