لبنان: استئناف العودة الطوعية للاجئين السوريين

14 مايو 2024
لاجئون سوريون يستعدون لمغادرة لبنان (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- استأنفت السلطات اللبنانية تسيير رحلات العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى سورية بعد توقف منذ أكتوبر 2022، في إطار خطة تنظيم الوجود السوري في لبنان، وذلك قبل مؤتمر بروكسل المقرر في 27 مايو/أيار، رغم تحذيرات منظمات دولية حول خطورة العودة.
- تستمر السلطات اللبنانية في تسهيل عمليات العودة وسط سياسات تقييدية وتصاعد الخطاب التحريضي ضد اللاجئين، مما يثير مخاوف بشأن قدرتهم على تقديم موافقتهم الحرة والمستنيرة للعودة.
- يعيش لبنان أزمة اقتصادية حادة، ويستضيف ما يقارب مليوني سوري، وسط انقسامات حول مساعدة مالية بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، التي ينظر إليها بعض الأطراف كـ"رشوة لإبقاء اللاجئين".

استأنفت السلطات اللبنانية، اليوم الثلاثاء، تسيير رحلات العودة الطوعية للاجئين السوريين من الأراضي اللبنانية إلى قراهم في سورية بالتزامن مع تشديد الإجراءات والتدابير الأمنية في إطار "خطة تنظيم الوجود السوري في لبنان"، في ظلّ تصاعد حدّة الخطاب السياسي التحريضي قبل أيام من انعقاد مؤتمر بروكسل في 27 مايو/ أيار الجاري.
وبعد توقف منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نظّمت المديرية العامة للأمن العام رحلتين تشملان نحو 320 لاجئاً، وذلك عبر مركزي القاع الحدودي وعرسال باتجاه معبر الزمراني، لتكون وجهة القافلتين إلى القلمون (ريف دمشق)، وحمص السوريتين، حيث أمن النظام السوري استقبالهم.
ويقول مصدرٌ في المديرية العامة للأمن العام لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدد المسجّلين بلغ 330 سورياً، 321 مسجلين على صعيد مركز عرسال، وتسعة في القاع، لكن ننتظر الإحصاء الرسمي لمعرفة الذين غادروا الأراضي اللبنانية، إذ هناك أشخاص يعمدون إلى تسجيل أسمائهم لكنهم يعدلون عن الخطوة لاحقاً، أو تحصل بعض المشاكل التي تحول دون عودتهم".
وبحسب الإعلام الرسمي التابع للنظام السوري، وصلت إلى مناطق سيطرة قوات النظام السوري دفعة من اللاجئين السوريين الفارين إلى لبنان من خلال المعابر الحدودية بإشراف من السلطات اللبنانية، وتوجهت الدفعة على قسمين إلى منطقة القصير في محافظة حمص ومنطقة الزبداني في ريف دمشق.
ويأتي استئناف العودة الطوعية على وقع تحذيرات منظمات دولية من خطورتها على حياة اللاجئين السوريين، في وقتٍ لا تزال تعتبر فيه سورية غير آمنة، وخصوصاً مع توثيق ما واجهه لاجئون من "تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي بعودتهم"، بحسب تأكيد منظمة العفو الدولية. وقالت الأخيرة في بيان إنّ "السلطات اللبنانية بتسهيلها عمليات العودة هذه، تتعمّد تعريض اللاجئين السوريين لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، مشيرة إلى أنه "يتعيّن على لبنان احترام التزاماته بموجب القانون الدولي ووقف خططه لإعادة اللاجئين السوريين بشكل جماعي".
وأشارت المنظمة إلى أن "لبنان اعتمد سلسلة من السياسات التقييدية المصممة للضغط على اللاجئين للعودة إلى سورية، بما فيها القيود على الإقامة والعمل والتنقل، وهذه القيود تثير مخاوف بشأن قدرة اللاجئين على تقديم موافقتهم الحرّة والمستنيرة".

ويشهد لبنان في الفترة الماضية تصاعداً حادّاً في الخطاب التحريضي ضد اللاجئين، وسط دعوات لطردهم من لبنان، وصل إلى أوجه بعد جريمة خطف وقتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية (يرأسه سمير جعجع) باسكال سليمان على يد عصابة، أفرادها سوريون، في إبريل/ نيسان الماضي، وما تبعها من اعتداءات عشوائية على سوريين، وإقفال محالهم في بعض المناطق، واتخاذ تدابير قمعية بحقهم من قبل العديد من البلديات.
بالتزامن، وضعت المديرية العامة للأمن العام "استراتيجية تتضمن خريطة طريق لضبط وتنظيم ملف السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية"، وباشرت على أساسها تنفيذ العديد من الإجراءات، منها الطلب من السوريين المخالفين لنظام الدخول والإقامة التوجه مباشرة إلى الدوائر والمراكز الحدودية لمنحهم التسهيلات اللازمة لتسوية أوضاعهم ومغادرة الأراضي اللبنانية تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق غير المغادرين. كما شددت على المواطنين اللبنانيين عدم تشغيل أو إيواء أو تأمين سكن لسوريين مقيمين بطريقة غير شرعية في لبنان، تحت طائلة تنظيم محاضر ضبط إدارية وعدلية بحق المخالفين، وعدم السماح للسوريين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بممارسة أي عمل مأجور من خارج قطاعات العمل المحددة لهم، إلى جانب إقفال كافة المؤسسات والمحال المخالفة التي يديرها أو يستثمرها سوريون، واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق كل من يستعين بعمال أجانب خلافاً لنظام الإقامة وقانون العمل.

عائدتان إلى سورية (فرانس برس)
عائدتان إلى سورية (فرانس برس)

وكثف لبنان عمليات الترحيل، منها لسجناء معارضين للنظام السوري، ما يجعلهم يواجهون خطر الاضطهاد أو التعذيب والموت، الأمر الذي أحدث مخاوف عند الموقوفين، ترجمت بتسجيل محاولات انتحار في سجن رومية المركزي.
ويقول لبنان إنه يستضيف ما يقارب مليوني سوري وهو عدد لم يعد بإمكانه تحمّله، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد في أواخر عام 2019 ويهدّد استقراره الأمني ويشكّل عبئاً عليه، وقد خُصِّصت له أخيراً مساعدة مالية بقيمة مليار يورو مقدَّمة حتى العام 2027، أعلن عنها الاتحاد الأوروبي في مطلع الشهر الحالي، لكنها أثارت انقساماً كبيراً في البلاد، ولاقت اعتراضاً عنيفاً بوصفها "رشوة لإبقاء اللاجئين"، ما دفع البرلمان إلى عقد جلسة، يوم غد الأربعاء، لمناقشتها واتخاذ موقفٍ منها.

في هذا الإطار، يقول الناشط الحقوقي المحامي جاد طعمة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة اللبنانية تتعاطى مع ملف اللاجئين السوريين بإهمال فاضح وقلة مسؤولية، وها هي الحلول المؤقتة والانفعالية تطفو مجدداً على السطح تحت مسمى العودة الطوعية وتشديد الإجراءات". يضيف: "واضح أنّ هناك رغبة لدى الطبقة الحاكمة في لبنان لقبول الهبة الأوروبية، لكن ثمة من يعلن أنها من ضمن برامج الهبات للاتحاد الأوروبي المعتادة مع فارق أنه جرى تسليط الأضواء عليها، وكل التساؤلات ستحسمها الجلسة النيابية المقرر انعقادها يوم غد الأربعاء، والتي لا بد أن تأتي بالإيضاحات حول هذه الهبة عبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، علماً أن هبة كهذه لا ترأب أيّ صدع في جدار الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، ولن تؤدي إلى تحسين سعر صرف العملة الوطنية، وإنما قد تفتح الباب لعمليات هدر جديدة نتيجة سياسات الفساد والمحاصصة، إلا إذا صدقت النوايا وجرى وضع آليات صارمة حول كيفية توزيعها وصرفها".
ويشدد طعمة على أنه "لا يمكننا أن نتخيّل حلّاً جذرياً ناجعاً وفعّالاً لموضوع اللاجئين السوريين في لبنان ما لم تتم عملية ضبط الحدود بقرار جدّي من قبل الدولتين الجارتين".
ويستضيف لبنان، وفق تصريحات حكومية، قرابة مليوني لاجئ، من بينهم قرابة 800 ألف مسجلين لدى الأمم المتحدة، ويزعم مسؤولون في لبنان أن اللجوء السوري يسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد. ويذكر أن ملايين السوريين فروا هرباً من حرب النظام على المعارضين منذ مارس/ آذار عام 2011، ويرفضون العودة طواعية أو قسراً إلى مناطق سيطرة النظام السوري خوفاً من الاعتقال والموت تحت التعذيب في سجون أمن النظام.

المساهمون