لاجئون سوريون في لبنان: زوارق الموت أرحم من قبضة النظام

لاجئون سوريون في لبنان: زوارق الموت أرحم من قبضة النظام

02 مايو 2023
بؤس السوريين يتفاقم في لبنان (عبد العزيز كيتاز/فرانس برس)
+ الخط -

لا يلبث السوريّون في لبنان أن يستفيقوا من مصيبة حتى تنهال على رؤوسهم مصائب، فحياتهم التي انقلبت رأساً على عقب بعد مغادرة بيوتهم لم تعرف الأمن، من مرارة اللجوء إلى اقتلاع العواصف لخيام النزوح، والظروف المعيشيّة القاهرة، والأمراض والأوبئة، وصولاً إلى خطة الترحيل القسري التي بدأتها السلطات اللبنانية في إبريل/نيسان الماضي.

خلال الفترة الأخيرة، جرت مداهمات واعتقالات غير مبررة شملت أطفال ونساء، ما تسبب في بثّ الذعر في نفوس جميع اللاجئين، ودفع اللاجئ أنس المصيطف، للانتحار شنقاً في بلدة الغبيري، الجمعة، على خلفية تهديدات بترحيله.
منذ أسبوع، تلازم السورية أم أسامة منزلها في المنية (شمالي لبنان)، وتمنع أولادها من الذهاب إلى العمل، أو حتّى الخروج لشراء حاجاتهم. تقول: "أقصد الدكان لشراء الطعام فقط، وأعود بشكل عاجل، فأنا أم لابنتين وخمسة شباب، وبينهم مطلوبون للخدمة العسكرية في سورية، وأحدهم كان يعمل في جونيه، واثنان في المنية، وابني الأصغر لا يتجاوز عمره خمس سنوات. نعيش منذ بدء الاعتقالات مخاوف كبيرة، إذ لا نعرف مصيرنا". تضيف اللاجئة السورية القادمة من إدلب: "منطقتنا غير آمنة، وقد تدمّر منزلنا، وخسرنا ممتلكاتنا، فكيف نعود؟ وإلى أين؟ ناهيك عن أنّهم سيأخذون أولادي للخدمة العسكرية. من المستحيل أن أعود في الوقت الحالي، حتى لو اشتدت المضايقات في لبنان، فلن أرمي بأولادي إلى الموت، ولن أقبل أن يضيع عمرهم كما حصل مع غيرهم".
ويؤكد عدد من اللاجئين السوريّين لـ"العربي الجديد"، تفضيلهم الغرق في البحر خلال الهجرة السرية، أو الانتحار شنقاً أو حرقاً، على العودة إلى العيش تحت سيطرة النظام وإجرامه الوحشي.

يشترط الأمن اللبناني امتلاك هوية أو جواز سفر لتجديد إقامة السوري  

لجأ السوري مصطفى إلى لبنان برفقة عائلته في عام 2013، ويقول: "إذا تقرر ترحيلي، فإنني مستعد لإضرام النار في نفسي، وإحراق عائلتي بدلاً من الوقوع في أيدي النظام. ارموني في البحر لكن لا ترحّلوني، فالغرق أشرف من العودة القسرية غير الآمنة". يضيف مصطفى: "الأمن العام اللبناني يرفض تجديد أوراقنا، ويشترط وجود كفيل، أو سند إقامة أو عمل. لقد فاقموا التعقيدات، حتّى أصبح أغلب اللاجئين السوريين موجودين بطريقة غير قانونية. هربنا من ظلم النظام السوري، فكيف لنا أن نجدد أوراقنا الثبوتيّة من النظام الذي يشترط ذهابنا شخصيّاً للتجديد؟ الطفل الذي لجأ إلى لبنان في 2011، بات اليوم شاباً في عمر الخدمة العسكرية، ولا يملك أية أوراق ثبوتية. نحن مهدّدون وخائفون، ولا نسمع من شبابنا سوى عبارات قهر يخشى معها انتحارهم". يتابع: "عمد البعض إلى إشاعة أخبار حول مداهمة مرتقبة لأحد مخيمات عكار، فهرب أكثر من 150 شاباً من اللاجئين السوريّين باتجاه المشاريع الزراعية، وقضوا ليلتهم في العراء، قبل أن يعودوا إلى المخيم مع بزوغ الفجر. نعيش فصلاً جديداً من الإذلال والإهانة، لا سيّما بعد تعميم بعض البلديات وأصحاب الأراضي الزراعية أنّ أجرة الساعة للعامل السوري يجب ألا تتعدّى 35 ألف ليرة لبنانية، ما يعني أقل من نصف دولار أميركي، ما يعني مزيداً من الاستغلال، مع العلم أنّ معظم عمّال الزراعة في منطقة عكار من أطفال اللاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و13 سنة، وهم يعملون لإعالة أسرهم بدلاً من أن يتمتعوا بحقهم في التعليم. للأسف، نختبر عنصرية بغيضة من جهة، ومصيرا غامضا من جهةٍ أخرى".

الصورة
مسيرة في طرابلس ضد ترحيل اللاجئين السوريين (إبراهيم شلهوب/فرانس برس)
مسيرة في طرابلس ضد ترحيل اللاجئين السوريين (إبراهيم شلهوب/فرانس برس)

تدهورت الحالة النفسية للشاعر السوري أحمد عودة، اللاجئ من حمص، وبات يعاني مجدداً من الاكتئاب الحاد. يقول: "كنتُ معلماً وخطيب مسجد ومديراً لجمعية خيرية في سورية، قبل أن يتمّ اعتقالي في عام 2012 بسبب نشاطي الإغاثي. بعد سبعة أشهر من التعذيب في السجن، خرجتُ بعد توقيع إقرار مكتوب أنّني سأعمل لصالح النظام، وخضعتُ لعلاج نفسي وجسدي قبل أن أتمكّن من دخول لبنان خلسة. لاحقاً قمت بتسوية أوراقي في الأمن العام اللبناني، ثم تعرضت لمحاولة اختطاف في عام 2015، وتهديدات متواصلة بقدرة النظام السوري على اعتقالي مجدداً". يقيم عودة في طرابلس، شمالي لبنان، ويتحدّث عن خوف لم يفارقه منذ اللجوء، لكنّه تضاعف مؤخراً. "أنا حالياً عاطل عن العمل، وابني الكبير الذي كان يعمل في أحد المطاعم، ونعتمد عليه في تلبية حاجاتنا، لم نعد نجرؤ على إرساله للعمل، كونه لا يملك إقامة، والإقامة تشترط وجود جواز سفر أو هوية. لا يمكننا المخاطرة بذهابه إلى سورية للحصول على هوية كما يشترطون، ولا حتى المجازفة بإرساله إلى السفارة السورية للحصول على جواز سفر، فقد يتعرض لمشاكل بسببي. وضعنا المادي صعب، وأملاكي في سورية مُنعت من بيعها، والملاحقات الأمنية ترافقنا أينما كنا".

غادر كثير من السوريين بلادهم صغاراً ولا يملكون أوراقاً ثبوتية

يشرح محمود، وهو سوري مقيم في البقاع الشمالي، كيف "تتفاوت كلفة إقامة اللاجئ بحسب وضعه وسنوات المخالفة البالغة رسمياً 300 ألف ليرة لبنانية عن كل سنة، فقد تصل غرامة المخالفة وحدها إلى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية (نحو 31 دولارا)، في حال وصلت سنوات المخالفة إلى عشر سنوات، ناهيك عن رسوم أخرى يقارب مجموعها أربعة ملايين ليرة، فضلاً عن كلفة الكفالة في حال وجود كفيل. الإشكالية الأصعب تكمن في اشتراط تقديم جواز سفر أو هوية صالحة، وأغلبنا فقد أوراقه الثبوتية، أو غادر صغيراً ولم يحصل عليها، كما أنّ كلفة جواز السفر تتراوح بين 800 وألف دولار أميركي بعد احتساب الرشاوى وكلفة تسريع المعاملة، ويكون صالحاً لسنتين فقط، فكيف بلاجئ يتقاضى من مفوضية اللاجئين مليونين ونصف المليون ليرة شهرياً (نحو 26 دولارا) أن يتكبّد هذه الكلفة؟". يضيف: "أموال المساعدة الأممية تكفي بالكاد لتسديد إيجار أرض الخيمة والاتصالات، ويصعب تأمين كفيل يحقق الشروط، ومنها إثباتات ملكية عقاراتهم بسب انعدام عمليات حصر الإرث لغالبية اللبنانيين". يحمل محمود بطاقة باللون الأخضر تُعتبر بمثابة إخلاء سبيل بعد دخول لبنان خلسة، وفق قوله، لكنها تستدعي المراجعة للحصول على بطاقة باللون الزهري تخوّل تأمين كفيل ومتابعة إجراءات الكفالة. غير أنّ محمود عاجز عن دفع تكاليف جواز السفر، وبالتالي لا يمكنه تجديد إقامته. يقول: "البعض قام بتسوية أوضاعه عبر دفع المبالغ المستحقة، لكن تمّ ترحيلهم، ولم تشفع لهم البطاقات".
بدوره، يقول أبو عبد الله، الأب لخمسة شبّان وابنتين: "دخلنا لبنان في عام 2014 كلاجئين من محافظة إدلب، ولا نملك سوى إخراجات قيد قديمة، وليست لدينا كفالة ولا هويّات ولا جوازات سفر. أولادي مطلوبون للجيش، ونعيش هاجس الترحيل. طلبت من المفوضية تجديد أوراق أولادي، لكنّهم طلبوا جوازات سفر أو هويّات سورية، كون إخراجات القيد تحمل صورهم عندما كانوا أصغر سنّاً، وبالتالي لا يمكن اعتمادها لتجديد الإقامة". ويتابع: "ابني الكبير يعمل في فرن في شمال بيروت، ووجّهت إليه البلدية إنذاراً لتسوية أوضاعه، وإلا سيكون مصيره الترحيل، وابني الثاني أوقفته عن العمل كسائق دليفري، كما أن وضعي مهدّد كسائق لصالح شركة نقليّات، إذ طلب مني صاحب الشركة تسوية أوراقي، لكن التسوية مكلفة أمنياً ومادياً".

يكشف أبو عماد اللاجئ المقيم في بلدة عرسال الحدودية، جزءا آخر من الواقع المرير، ويقول: "أكبر أولادي كان عمره 17 سنة عند اللجوء، واليوم أصبح عمره 27 سنة، لكن لم يتمّ إدراجه ضمن ملف العائلة في المفوضية، وبالتالي لا يملك إقامة، وكذلك زوجته، وشقيقاه لا يملكان الهويّة السورية، كونهما كانا صغيرين حينها، والأمن العام اللبناني يرفض تجديد الإقامة من دون هوية أو جواز سفر، ونتمنى أن يجدّدوا إقاماتنا بناء على إخراجات القيد، أو إفادات السكن الممنوحة من المفوضية. حياتنا مأساوية، فأنا عاطل عن العمل، وأولادي يعملون في النجارة بشكلٍ متقطّع".
يغرّد السوري حسام، المقيم في جبل لبنان، خارج السرب، قائلاً: "أقصد عملي كلّ يوم، ولست خائفاً، علماً أنني لم أجدد الكفالة منذ أربع سنوات بسبب ارتفاع كلفتها. هربتُ من الظروف المعيشيّة الصعبة في سورية في عام 2016، بحثاً عن عيش كريم في لبنان، غير أن الأزمة الاقتصادية لم ترحمنا".
ويناشد السوري إبراهيم، السلطات اللبنانية، منح كلّ لاجئ مسجّل في المفوضية إقامة مجانية بناء على إفادة السكن، ويكشف أنّ "بعض اللاجئين تمّ إيقاف خطوط الهاتف الخاصة بهم لعدم حيازتهم إقامة صالحة، علماً أنها معتمدة من قبل مفوضية اللاجئين من أجل إرسال الرسائل النصية بشأن المساعدات والمراجعات. هموم اللاجئين لا تنتهي، والمأساة مستمرة".

المساهمون