عودة رضيع ضاع وسط فوضى الجسر الجوي في أفغانستان

09 يناير 2022
سلّم الرجل الأفغاني رضيعه لجندي أميركي على أسوار المطار (عمر حيدري/فرانس برس)
+ الخط -

التأم شمل رضيع أفغاني بأقاربه في كابول، أمس السبت، عقب العثور عليه بعد فقدانه عندما سلمه والده لجندي عبر سياج المطار وسط الفوضى التي سادت عملية الإجلاء الأميركية من أفغانستان.

كان عمر الطفل "سهيل أحمدي" شهرين فقط عند انفصاله عن الأسرة في 19 أغسطس/آب، حين اندفع الآلاف في محاولة لمغادرة أفغانستان عقب سقوط العاصمة في أيدي حركة طالبان، وحُدِّد مكان الرضيع في كابول، حيث عثر عليه سائق سيارة أجرة يدعى حامد صافي (29 سنة) في المطار، وأخذه إلى بيته لتربيته.

وبعد مفاوضات ومناشدات استمرت أكثر من سبعة أسابيع، واعتقال شرطة طالبان لصافي لفترة قصيرة، وافق في النهاية على إعادة الطفل إلى جده وأقاربه الذين لا يزالون في كابول. وقال أهل الطفل إنهم سيعملون الآن من أجل أن يجتمع شمله بوالديه وأشقائه الذين جرى إجلاؤهم قبل أشهر إلى الولايات المتحدة.

وخلال البلبلة التي صاحبت عملية الإجلاء من أفغانستان، كان ميرزا علي أحمدي، والد الطفل الذي عمل حارساً أمنياً في السفارة الأميركية، وزوجته ثريا، يخشيان أن ينسحق ابنهم بالزحام في أثناء اقترابهم من بوابات المطار في طريقهم لاستقلال طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة.

وقال أحمدي في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، إنه سلّم "سهيل" بدافع الشعور باليأس في ذلك اليوم، عبر سياج المطار لجندي أميركي، وهو يتوقع تماماً أنه سيتمكن من اجتياز الأمتار الخمسة الباقية حتى البوابة لاستعادته.

في تلك اللحظة، دفعت قوات طالبان المتجمهرين إلى الوراء، ليمرّ نصف ساعة قبل أن يتمكن أحمدي وزوجته وأطفالهما الأربعة الآخرون من الدخول. لكنهم لم يعثروا للطفل الرضيع على أثر.

وأكد أحمدي أنه بحث باستماتة عن ابنه داخل المطار، ورجّح له المسؤولون أن يكون قد نُقل بالفعل إلى خارج البلاد على رحلة منفصلة، ومن الممكن أن يلحق بالأسرة فيما بعد.

جرى إجلاء بقية أفراد الأسرة، وانتهى بها الحال في النهاية في قاعدة عسكرية بولاية تكساس، ومرت أشهر دون أن تعرف الأسرة شيئاً عن مصير ابنها.

وتسلط هذه الحالة الضوء على محنة آباء كثيرين انفصلوا عن أطفالهم خلال فوضى عملية الإجلاء العاجلة وانسحاب القوات الأميركية من البلاد بعد حرب استمرت 20 عاماً.

انفصل كثير من العائلات خلال فوضى الإجلاء الجوي من أفغانستان (هارون ساباوون/الأناضول)

ولعدم وجود سفارة أميركية في أفغانستان، ولشدة الضغط على المنظمات الدولية، واجه اللاجئون الأفغان صعوبة في الحصول على إجابات عن تساؤلاتهم بشأن توقيت التئام الشمل بأفراد أسرهم، أو إمكانيته.

في اليوم ذاته الذي انفصل فيه أحمدي وأسرته عن الطفل الرضيع، تسلل السائق صافي عبر بوابات مطار كابول بعدعدما أوصل أسرة شقيقه التي كان من المقرر إجلاؤها أيضاً. قال صافي إنه وجد سهيل يبكي وحيداً على الأرض. وبعد أن فشل في العثور على والدي الطفل داخل المطار، قرر العودة به إلى البيت لزوجته وأطفاله وبناته الثلاث، مضيفاً أن أعظم أمنيات والدته قبل وفاتها أن يكون له ولد.

وأوضح صافي في مقابلة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني: "قررت أن أحتفظ بهذا الرضيع. وإذا ظهرت أسرته فسأعطيه لهم. وإذا لم تظهر فسأربيه"، مشيراً إلى أنه أخذ الطفل إلى الطبيب لفحصه بعد العثور عليه، وسرعان ما أصبح الطفل فرداً من أفراد الأسرة التي أطلقت عليه اسم "محمد عابد"، ونشرت صوره مع صور أطفالها على صفحة على "فيسبوك".

وبعد نشر تقرير عن الطفل المفقود، تعرّف بعض جيران صافي، الذين لاحظوا عودته من المطار قبل أشهر ومعه رضيع، إلى الصور، ونشروا تعليقات عن مكان وجوده على نسخة مترجمة من التقرير.

وطلب أحمدي من أقاربه المقيمين في أفغانستان، ومنهم والد زوجته، محمد قاسم رضوي (67 سنة) الذي يعيش في إقليم بدخشان في الشمال الشرقي، البحث عن صافي، والمطالبة بإعادة الطفل إلى الأسرة.

قال رضوي إنه سافر على مدى يومين وليلتين إلى العاصمة، حاملاً هدايا، من بينها خروف مذبوح وعدة كيلوغرامات من الجوز، وبعض الملابس لصافي وأسرته. لكن صافي رفض التخلي عن سهيل، وأصرّ على أنه يريد أيضاً إجلاءه عن أفغانستان مع أسرته، وقال شقيقه الذي أُجلِيَ إلى كاليفورنيا، إنهم لم يتقدموا بطلبات لدخول الولايات المتحدة.

وطلبت أسرة الرضيع مساعدة الصليب الأحمر الذي تشتمل أهدافه على لمّ شمل من فرقتهم الأزمات الدولية، لكنها قالت إنها لم تتلقّ معلومات تذكر منه، وقال متحدث باسم الصليب الأحمر، إن المنظمة لا تعلّق على حالات فردية.

كانت عملية الإجلاء الجوي من أفغانستان فوضى كبيرة (وكيل كوهسار/فرانس برس)

وفي النهاية، وبعد الشعور بأن كل الخيارات نفدت، اتصل رضوي بشرطة طالبان المحلية، للإبلاغ عن خطف الطفل، وقال صافي إنه نفى الاتهامات في أقواله للشرطة، وإنه يرعى الطفل، ولم يخطفه.

حققت الشرطة في البلاغ، وقال قائد الشرطة المحلية، إنه ساعد في ترتيب تسوية تضمنت اتفاقاً وقعه الطرفان ببصمات الأصابع، وقال رضوي إن أسرة الطفل وافقت في النهاية على تعويض صافي بنحو 100 ألف أفغاني (950 دولاراً) عن المصروفات التي أنفقها لرعاية الطفل على مدار خمسة أشهر.

وفي حضور الشرطة، ووسط دموع منهمرة، عاد الطفل يوم السبت إلى أقاربه. قال رضوي إن صافي وأسرته حزنوا حزناً شديداً لفراق سهيل، وأضاف: "كان حامد وزوجته يبكيان. وأنا بكيت أيضاً. لكني طمأنتهم، قائلاً إنكما شابان وسيمنحكما الله الولد، لا واحداً فقط، بل عدداً من الأولاد. وشكرتهما على إنقاذ الطفل من المطار".

وقال والدا الرضيع إن الفرحة غمرتهما عندما تمكنا من رؤيته، ومشاهدة التئام الشمل بالعائلة عبر مكالمة بالفيديو. والآن يأمل أحمدي وزوجته وأطفالهما أن يُنقَل سهيل قريباً للعيش معهم في الولايات المتحدة، بعد أن تمكنوا في أوائل ديسمبر/كانون الأول، من الانتقال من القاعدة العسكرية للإقامة في شقة بميشيغان.

 

(رويترز)

المساهمون