سوء التغذية في إدلب... مرض الأطفال وموتهم

02 نوفمبر 2022
تنتشر أمراض ﺳﻮﺀ ﺍﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﺑﻴﻦ أﻃﻔﺎﻝ سورية (محمد سعيد/الأناضول)
+ الخط -

تنتشر أمراض سوء التغذية في الشمال السوري، وتلاحق الأطفال خصوصاً وتقزّم نموهم نتيجة ﻋﺪﻡ ﺣﺼﻮلهم ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻛﺎﻑٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍلضرورية يومياً، وكذلك بسبب انتشار الفقر والغلاء وقلة المؤن والغذاء، وما تسببت به الحرب من نزوح وتهجير، وتراجع في الخدمات العامة، إضافة إلى الوضع المعيشي المزري الذي يعاني منه النازحون الذين يعيشون متزاحمين وسط ظروف غير صحية، وخدمات طبية أساسية مفقودة.
تجاوز الطفل قيس الحمشو الذي نزحت أسرته من مدينة معرة النعمان إلى مخيم بلدة كللي بريف إدلب الشمالي الثلاث سنوات، لكن حجمه ووزنه يوحيان بأن عمره سنة واحدة فقط، ﻭﻫﻮ ﻻ يتوقف ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻜﺎﺀ، ﻭﻋﻴﻨﺎﻩ ﻏﺎﺋﺮﺗﺎﻥ ﻭﺑﺸﺮﺗﻪ ﺟﺎﻓﺔ. 
تقول والدته مريم الكرامي (36 عاماً) لـ "العربي الجديد": "بعد وفاة زوجي في الحرب، أعيش مع أطفالي الخمسة حياة أقرب إلى الموت في هذا المخيم البائس حيث نعتمد على المساعدات الغذائية المتقطعة التي تصلنا من أهل الخير والمنظمات الإنسانية. وقبل فترة تدهورت الحال الصحية لولدي الأصغر الذي أصيب بارتفاع في درجة الحرارة، وأصبح يتقيأ باستمرار، فعرضته على الطبيب الذي أبلغني ﺃﻧﻪ مصاب بسوء تغذية حاد، وﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أن يدخل ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ ﻓﻮﺭاً. وقد أسعف، وحصل على أﻏﺬﻳﺔ علاجية، لكن صحته سيئة، وﻳﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻠﻌﻼﺝ ببطء شديد.
وإذا كان قيس وُضع على سكة العلاج، فقد فقدت الطفلة روان القدور البالغة 11 شهراً حياتها بتاريخ 23 يونيو/ حزيران الماضي ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻢ الكرامة شمالي إدلب، ﺑﺴﺒﺐ ﺳﻮﺀ ﺍﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﻭﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ التي تمر بها أسرتها، ﻭﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﺍﺀ الحليب الضروري ﻟﻬﺎ.
وقد ﺗﻮﺳﻌﺖ ﺍلإﺻﺎﺑات ﺑأﻤﺮاﺽ ﺳﻮﺀ ﺍﻟﺘﻐﺬﻳﺔ نتيجة غلاء أسعار الحليب المجفف وندرة وجوده، بالتزامن مع احتكاره من قبل بعض التجّار والتلاعب بأسعاره، ما ﻓﺎﻗﻢ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ يحتاجون إلى أﻧﻮاع معينة ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﻴﺐ تتناسب مع أعمارهم وأوزانهم. ويقول والد روان لـ"العربي الجديد": "عانت ابنتي من هزال شديد وسوء تغذية حاد، وساءت حالتها الصحية بشكل أكبر بعد إصابتها بمرض التهاب الأمعاء، ولم يتحمل جسدها المرض، ففارقت الحياة".
إلى ذلك، عانت الطفلة شهد السليم منذ أن وُلدت في مخيم على أطراف مدينة إدلب من تقوس الساقين وتأخر في المشي. وحين عرضتها والدتها على طبيب متخصص بأمراض الأطفال حين كانت في عمر سنتين، تبينت إصابتها بأحد أمراض سوء التغذية. وتقول والدتها لـ"العربي الجديد": "واصلت الرضاعة الطبيعية لابنتي لمدة خمسة أشهر، وبعدها اضطررت لفطامها بسبب معاناتي أيضاً من فقر الدم وسوء التغذية، لكنني لم أستطع دفع ثمن علب الحليب المجفف، لذا أصبحت أحضر لها وجبات رخيصة تتضمن الماء والأرز المسلوق أو الخبز مع الشاي أو مادة النشاء مع السكر لإسكات جوعها، فهبط وزنها وأصيبت بسوء تغذية".

الصورة
قصور العناصر الغذائية لدى أطفال الشمال السوري شائع (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
قصور العناصر الغذائية لدى أطفال الشمال السوري شائع (عمر حاج قدور/ فرانس برس)

وتخبر خبيرة التغذية رؤى البكور(31 عاماً) من مدينة إدلب "العربي الجديد" أن "ظهور سوء التغذية لدى شخص يشير إلى قصور في تناوله العناصر الغذائية، وتنتشر أمراض ﺳﻮﺀ ﺍﻟﺘﻐﺬﻳﺔ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ السوريين ﻣﻦ ﻋﻤﺮ ﺳﺘﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﻭﺣﺘﻰ ﺧﻤﺴﺔ ﺃﻋﻮﺍﻡ نتيجة ﻋﺪﻡ حصولهم ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ في ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ. وسوء التغذية يشكل ﺧﻄﺮاً ﺷﺪﻳﺪاً ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﻄﻔﻞ، ﺧﺎﺻﺔ ﻗﺒﻞ ﻋﻤﺮ ﺴﻨﺘﻴﻦ، ﻓﻴﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﻨﻤﻮه ﻭﺘﻄﻮﺭه ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ ﻭﺍﻟﻌﻘﻠﻲ، ﻭﻳﺰﻳﺪ أيضاً مخاطر إﺻﺎﺑته ﺑﺄﻣﺮﺍﺽ ﻣﺰﻣﻨﺔ، منها ﺍﻟﺴﻜﺮﻱ ﻭﺃﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
وتشير رؤى إلى أنّ أعراض الأمراض تتمثل في عدم زيادة وزن الطفل والوهن والضعف العام، وعدم القدرة على اكتساب الطول، فضلاً عن تناول الطعام بشكل قليل. وتؤكد أن ﻋﺪﻡ ﺗﻮﻓﺮ ﺣﻠﻴﺐ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻟﻠﺮﺿﻊ ﻳﻌﻮﺩ إلى غلاء ﺛﻤﻨﻪ، وعدم ﻗﺪﺭﺓ معظم ﺍﻷهالي ﻋﻠﻰ ﺷﺮﺍئه، فليس خافياً ﺣﺠﻢ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍلصعبة، وﻘﻠﺔ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﻣن الحليب ﻣﺠﺎﻧﺎً. كما ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ السبب في ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ الأمراض إلى ﻘﻠﺔ ﻮﻋﻲ ﺍﻷﻡ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ الرضاعة الطبيعية، ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﺠﺎﻝ في فطام الطفل ﺍﻟﺮﺿﻴﻊ.
وتحذر رؤى من خطر إهمال علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، نظراً إلى ارتفاع معدلات وفاتهم تسع مرات مقابل نظرائهم الأصحاء. وتوضح أن العلاج يكون من خلال ﻣﺪ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺑﺎﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻐﺬﺍﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﺼﻪ تدريجاً، ﻭﻏﺎلباً ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻟﺘﺤﺴﻦ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﻮﻝ ﻗﺪ ﻳﺘﺄﺧﺮ ﻟﻌﺪﺓ ﺃﺷﻬﺮ.

يشار إلى أن فريق "منسقو استجابة سوريا" حذر من زيادة حدة الفقر في مناطق شمال غرب سورية، حيث بلغت نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر حتى تاريخ 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 87.81  في المائة وفقاً للأسعار الأساسية وموارد الدخل، فيما بلغت نسبة العائلات التي ترزح تحت خط الجوع 39.15 في المائة من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر. كما صنف الفريق كل القاطنين ضمن المخيمات المنتشرة في المنطقة تحت خط الفقر، وأشار إلى أن 22.3 في المائة من نازحي المخيمات ضمن حدود الجوع.
وتسببت الحرب السورية للأطفال بمعاناة ستلازمهم ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، وﺗﺘﺮﻙ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﻭﺧﻴﻤﺔ ﻋﻠﻰ صحتهم ﻭﺭﻓﺎﻫﻬﻢ ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻢ، حيث وقعوا فريسة الأمراض ﺍﻟﺘﻲ تفتك بأجسادهم، في ظل غياب ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍلصحية، ﻭﺍلإﻣﺪﺍﺩﺍﺕ ﺍﻟتي تنقذ ﺤﻴﺎتهم.

المساهمون