ذكريات أليمة ترافق المهجرين من ريف حمص الشمالي

ذكريات أليمة ترافق المهجرين من ريف حمص الشمالي

12 مايو 2024
يحلم المهجرون بيوم مغادرة الخيام إلى مناطقهم (رامي السيد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عشرات آلاف المهجرين السوريين يعيشون في مخيمات بريف إدلب منذ أكثر من ست سنوات، حيث يحلمون بالعودة إلى مناطقهم والتخلص من حياة الاعتماد على المساعدات الإنسانية.
- الكثير من المهجرين اضطروا للتهجير كخيار أقل ضرراً لتجنب تهديدات النظام السوري، وقد بدأوا بالتأقلم مع الوضع الجديد، حيث تحولت بعض الخيام إلى منازل من الطوب.
- رغم التحديات والحرمان من الأهل والأرض، يظل الأمل في العودة وإعادة بناء حياتهم في مناطقهم الأصلية حياً في قلوب المهجرين، مع الحنين الدائم للقاء بالأهل والأصدقاء.

يعيش عشرات آلاف المهجرين السوريين بعيدين عن الأهل والأرض منذ أكثر من ست سنوات تلاحقهم فيها الذكريات، ويحلمون بغالبيتهم بالعودة إلى مناطقهم، والتخلص من حياة النزوح، والسعي خلف المساعدات الإنسانية.

اضطر الكثير من سكّان ريف حمص الشمالي إلى قبول التهجير، وهو خيار صعب، لكنه كان أفضل من البقاء تحت رحمة الأجهزة الأمنية للنظام السوري التي تهددهم بالملاحقة والاعتقال، أو تجنيدهم وسوقهم إلى جبهات القتال.
يقول عيسى الحسين المقيم في ريف إدلب منذ مايو/أيار 2018، لـ"العربي الجديد": "لم يكن التهجير خياراً، بل كان بالإجبار.  أقل ما يمكن أن نتعرض له في حال بقائنا هو التجنيد، أو الملاحقة والاعتقال. التهجير كان الأقل ضرراً، وهو خيار مرّ بالتأكيد. عند الوصول إلى الشمال السوري، اختار معظم المهجرين البقاء في مخيمات ريف إدلب، فحينها كانت تقدم مساعدات إنسانية ومأوى، وبعض الخيام تحولت إلى بيت من الطوب".
يقيم الأربعيني المهجر من ريف حمص الشمالي وائل عبد السلام في تجمع مخيمات منطقة دير حسان شمالي إدلب، ويقول لـ"العربي الجديد": "بدأنا التأقلم مع الوضع هنا شيئاً فشيئاً، في البداية، لم نكن نعرف إلى أين نتجه، وكيف سيكون الوضع، لكن ساهمت المساعدات الإنسانية والمأوى في تخطي المحنة، وبعدها بدأنا العمل. أنا صاحب مهنة، وأعتمد على مهنتي لأعيل أولادي وزوجتي إضافة إلى ما كنت أحصل عليه من مساعدات".
يتابع عبد السلام: "بعد خروجنا بفترة، كانت هناك أصوات كثيرة تطالب الناس بالعودة إلى الحولة، وكثيرون ممن نعرفهم فقدوا على طريق العودة، أو اعتقلوا بعد وصولهم، رغم أن المضايقات حينها لم تكن كبيرة، إذ كان النظام يحاول تلميع صورته. لدي أصدقاء أبلغت عائلاتهم بوفاتهم، لكن من دون تسليم الجثث، وأعرف بعض العائدين الذين جرى تجنيدهم".

يضيف عبد السلام: "لم نتأقلم تماماً في ريف إدلب رغم مضي 6 سنوات على وصولنا، ويمكن القول إننا نعمل ونتعب لإعالة أسرنا، وأصعب ما نعانيه هو الحرمان من الأهل والأرض والبيت. لم أتمكن من رؤية أمي وأبي منذ ودعتهما حين غادرت، وعندما أتذكر تلك اللحظة، لا أتمالك نفسي عن البكاء، وأرجو أن أتمكن من لقائهما مجدداً".
يقيم الثلاثيني علي عبد الحميد في مدينة الدانا بريف إدلب، ويقول: "الفارق بين التهجير والحصار شاسع، فالمهجر خسر كل شيء في الحقيقة. كنت محاصراً في بيتي، ورضيت بالقصف وتعايشت معه، إذ كنت أمتلك أرضا أزرعها لأعيش منها، إضافة إلى عمل بسيط كان يمنحني دخلاً يؤمن جزءا من المعيشة، أما في الوقت الحالي، فالأمر صعب، لقد فقدت البيت والأرض وكل ذكريات السنين. التهجير بالنسبة لي خيار مرير، والحصار كان أقل سوءا، لكن ما باليد حيلة، ودائما أحلم بالعودة إلى منطقتي لأعيش أجواء العيد مع أمي وأبي وإخوتي، ويكبر أولادي معهم".

تدعم المساعدات الإنسانية صمود المهجرين في المخيمات (عارف وتد/فرانس برس)
تدعم المساعدات الإنسانية صمود المهجرين في المخيمات (عارف وتد/فرانس برس)

ويروي محسن العبيد المهجر من بلدة الدار الكبيرة لـ"العربي الجديد": "كان أصعب ما حدث قبل التهجير هو الحملة الروسية على المنطقة، والضغط النفسي الذي تعرضنا له، وكانت الحلقة الأصعب عندما انتقلنا بالحافلات من تلبيسة إلى قلعة المضيق، وقد بقينا نحو 24 ساعة على الطريق، وكان الروس وقوات النظام حولنا، وحين مررنا بمدينة حماة كان الشبيحة يطوقونها. كانت الأيام العشرة الأخيرة قبل النزوح هي الأصعب نفسياً، إضافة إلى يوم التهجير، وبعد خروجنا، عشنا نوعاً من الراحة النفسية بسبب تخلصنا من مخاوف الاعتقال والقصف، وفي السنة الأولى لنا هنا، كنا نحاول أن نقف على أرجلنا، لكن حتى اليوم، لم نتأقلم بالكامل مع الحياة في الشمال".

يضيف العبيد: "كنا تحت الحصار راضين بالواقع الذي نعيشه في بيوتنا، وعندنا أرض نزرعها ونأكل منها، ولا نهتم بالمساعدات الإنسانية، بينما يختلف الأمر تماماً بعد التهجير، فقد استأجرت بيتاً بـ60 دولاراً، وهو مبلغ ضخم بالنسبة للنازح، ونحن دائما بحاجة لأغراض، وينقصنا الكثير منها. أنا مجبر على ممارسة عملين أو ثلاثة أعمال لتأمين حياة عائلتي، وفي وقت الحصار لم يكن هذا وضعنا، فقد كنت في بيتي وأرضي، بينما المتطلبات هنا كبيرة، وكل شيء غالي الثمن، واستمرار الحياة هنا يعتمد على توفر المال، والحياة اليومية صعبة، ونعاني حتى اليوم من عدم الاستقرار". 
تعيش المهجرة أمينة البكور مع عائلتها في منطقة عفرين شمال غربي سورية، وهي لم تفقد الأمل في العودة، وتقول لـ"العربي الجديد": "أتذكر دائماً الأوقات التي قضيتها مع شقيقاتي وأشقائي في بيت العائلة الذي عشت تحت سقفه سنوات، ولن أفقد الأمل بالعودة إليه، وكذلك بيت زوجي في دمشق الذي عشت فيه عامين قبل أن ننتقل إلى الريف الشمالي مع انطلاق الثورة. حالنا اليوم حال كثير من السكان. أتينا بملابسنا فقط، وحتى الآن لم نحقق شيئاً، وأتمنى أن أعود ويعود كل المهجرين إلى مناطقهم، وأن يعيش أطفالي الثلاثة في المكان الذي عشت فيه حياتي السابقة".

المساهمون