المناخ العدواني يدمر تنوّع الأطعمة

المناخ العدواني يدمر تنوّع الأطعمة

27 يناير 2023
يصعب اليوم إطعام المزارعين أنفسهم وتوفير الغذاء للباقين (باسكال غويو/ فرانس برس)
+ الخط -

تشير دراسات عدة إلى أنّ طعام عالم اليوم يعتمد في شكل رئيسي على ثلاثة أنواع من النباتات هي الأرز والقمح والذرة. ومع مرور الزمن تقلّص التنوّع الغذائي لوجبات الناس في شكل كبير، وبين ستة آلاف نوع من النباتات التي أكلها البشر على مرّ السنوات، يستهلك العالم الآن تسعة أنواع أساسية فقط، ما يعني أن التنوّع البيولوجي يتدهور في ظلّ التغير المناخي والممارسات الزراعية والصناعية. 
كذلك، أظهر مؤشر سلامة التنوع البيولوجي الذي أعده "متحف التاريخ الطبيعي" في لندن، الحاجة إلى تحسين التنوع البيولوجي، ولفت إلى أنّ ترتيب المملكة المتحدة في ما يتعلق بالحفاظ على أنظمتها البيئية الطبيعية، بين الأدنى على مستوى العالم

من أجل التعرّف على آثار التغير المناخي على الطعام والتنوّع البيولوجي تواصلت "العربي الجديد" مع لويس سالازار، مدير الاتصالات في الصندوق العالمي لتنويع المحاصيل، وهو منظمة دولية تعمل للحفاظ على تنوع المحاصيل وحماية الأمن الغذائي العالمي. ويوضح سالازار أنّ "تغيّر المناخ بين مجموعة عوامل تصعّب إطعام المزارعين أنفسهم وتوفير الغذاء للباقين، لذا تُستخدم ثروة تنوع المحاصيل الموجودة في بنوك الجينات لتكييف المحاصيل مع التحديات الحالية والمستقبلية. وهذا التكيّف يستغرق وقتاً، وقد لا يتمكن العلماء من التحرك بالسرعة المطلوبة لتنفيذه". 
يضيف: "نشهد حالات جفاف وفيضانات وصقيعا وأمراضا، ونحتاج بالتالي إلى الحفاظ على تنوع المحاصيل وإتاحتها، وهذا هو التحدي الذي يواجهه صندوق المحاصيل وبنوك الجينات في أنحاء العالم، لكن ذلك لا يمنع استمرار النجاح في استخدام محاصيل متنوعة، وتقديم حلول للمزارعين".
وأورد تقرير المنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية (IPBES) الذي يسلّط الضوء على النطاق العالمي للتنوّع البيولوجي منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى عام 2050، أنّ "حوالي مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهدّدة بالانقراض، والعديد منها خلال عقود"، لذا يعبّر العديد من الخبراء عن مخاوفهم من تهديد أنواع من الأطعمة بالانقراض، ويشيرون إلى أهمية تنويع الغذاء، لأن أجسام الناس تحتاج إلى فيتامينات ومعادن ومغذيات مختلفة، لكن استمرار ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام هطول الأمطار الناجم عن تغيّر المناخ يدمر المحاصيل، ويزيد قوة كل أنواع أسباب الأمراض الجديدة والأكثر عدوانية". 
وفي إطار محاولات تفادي هذه المشكلة، كشفت دراسة أعدها "معهد الغذاء المستدام" التابع لجامعة شيفيلد البريطانية، ونشرها في 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، أن "الأرز المعدل وراثياً قد يكون الحلّ، كونه أكثر مقاومة للملح، ويمكن تكييفه للبقاء على قيد الحياة في البيئات التي أصبحت أكثر قسوة بسبب تغيّر المناخ".

الصورة
يمكن تكييف زراعة الأرز مع البيئات الأكثر قسوة بسبب تغيّر المناخ (أولكسندر روبيتا/ Getty)
يمكن تكييف زراعة الأرز مع البيئات الأكثر قسوة بسبب تغيّر المناخ (أولكسندر روبيتا/ Getty)

الأطعمة المعدّلة وراثياً
ويعلّق الدكتور روبرت كين، المؤلف الرئيسي للدراسة من كلية العلوم البيولوجية في جامعة شيفيلد البريطانية، لـ"العربي الجديد" على الحلول التي توفرّها الأطعمة المعدّلة وراثياً في ظلّ التغيّر المناخي بالقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التحديات تكمن في الثقافة التي تحيط بالأطعمة المعدّلة وراثياً، لكننا نحاول أن نثبت أنّ هذه الأمور ممكنة، ونأمل في أن تتبنى دول أخرى تعاني بالفعل من التغيّر المناخي هذه التقنيات". 
وأضاف: "بالنسبة إلى الدراسة التي أجريت على الأرز في فيتنام، نسعى إلى تطوير التقنيات والإمكانات لتوفير المياه وتجنّب فشل نمو المحاصيل، في البلدان التي تعاني من الجفاف، أو التي تمتد مياه البحر إلى أراضيها.

وردّاً على الوضع المرتبط بتدهور التنوع البيولوجي للأطعمة مع مرور الوقت، قال كين: "يُحتفظ في أماكن، مثل المعهد الدولي لبحوث الأرز (IRRI) في الفيليبين، ما يعرف باسم بنك البذور الذي يحتوي على أكثر من 100 ألف نوع من بذور الأرز تحديداً، ما يؤكد الاهتمام بالحفاظ على التنوع في المحاصيل، لكن يبقى الهدف الأهم بالنسبة إلى المزارعين الحصول على أكبر كمية من المحصول، ما يدفعهم إلى التركيز على أنواع البذور التي توفر الكمية الأكبر. ومع ذلك هناك وعي لدى الخبراء بضرورة النظر إلى التنوع البيولوجي وأخذه في الاعتبار. ونحن نعلم أنّ أنواعاً عدة قادرة على التعامل مع التغيّر المناخي، ولا نريد أن نخسر هذا التنوع الموجود في الطبيعة، لكن في الوقت ذاته، يمكن أن نحاول إيجاد حلول من خلال النباتات المعدلة وراثياً، ما يعني تنفيذ أمور لا تحدث في شكل طبيعي، مثل تبديل وظيفة جين محدّد، وجعله أكثر مقاومة للتغير المناخي".
وتبقى القدرة على توفير الغذاء والطاقة في معظم الأماكن اليوم الأفضل على مرّ الأزمنة، لكنها تأتي على حساب التنوع البيولوجي والتنوع داخل الأنواع الواحدة والأنظمة البيئية، وهو ما يحصل بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.

المساهمون