اللاجئون السوريون في مرمى انفعالات أحداث لبنان

اللاجئون السوريون في مرمى انفعالات أحداث لبنان

17 ابريل 2024
لاجئون سوريون وقوات أمن لبنانية في منطقة برج حمود (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حادثة قتل باسكال سليمان في لبنان تثير موجة من التوتر والخوف بين اللاجئين السوريين، مع تعرضهم لتهديدات واعتداءات في مناطق مختلفة.
- اللاجئون السوريون يواجهون مخاوف متزايدة، خصوصًا الذين دخلوا عبر طرق التهريب، وسط تحركات من قبل جماعات تهدد بطردهم من لبنان.
- الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي أمام تحديات في التعامل مع أوضاع اللاجئين السوريين، مع اقتراحات لتشكيل لجان خاصة لمعالجة الملف ودعوات لتوفير دعم دولي للبنان.

عاش لاجئون سوريون في لبنان في خوف شديد إثر جريمة قتل منسق حزب "القوات اللبنانية" في منطقة جبيل في 8 إبريل/ نيسان الجاري. وبينما تستمر التحقيقات يُطرح السؤال حول أوضاع السوريين وسط التوتر القديم الجديد.

عاد جمعة لهيب، وهو باحث ولاجئ سوري في لبنان منذ أكثر من 12 عاماً، إلى منزله في منطقة المتن، بعدما غادره لمدة ثلاثة أيام إثر التوتر الذي أعقب مقتل باسكال سليمان، منسق حزب "القوات اللبنانية" في منطقة جبيل، والعثور على جثته في سورية في 8 إبريل/ نيسان الجاري.
لم يتعرض جمعة إلى أية اعتداءات أو تهديدات حضرت خلال التوتر الذي شهدته مدن وبلدات عدة في لبنان، لكنه يوضح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه غادر بعدما تملكه، مثل باقي اللاجئين السوريين الذي يقطنون في مناطق المتن وكسروان وجبل لبنان التي شهدت توتراً، الخوف من تداعيات الجريمة عليهم.
وفيما يتابع، من خلال عمله باحثاً، أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، يشرح جمعة أن "اللاجئين السوريين في مناطق المتن وكسروان وجبل لبنان من مختلف المشارب والمناطق السورية التي لا يمكن تحديد كونها تقع تحت سيطرة النظام أو المعارضة. وفي منطقة برج حمود بجبل لبنان المزدحمة بالدرجة الأولى بسكان من الطبقة الفقيرة، يوجد مثلاً سوريون من حمص وحلب والساحل وإدلب وأكراد وغيرهم".
ولا يزال الغموض يكتنف جريمة قتل سليمان، ومن يقف وراء تنفيذها أو التخطيط لها أو حتى التحريض عليها، لكنّ محللين يرون أن "انتماء الضحية إلى حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع المؤيد للثورة والحراك ضد النظام السوري، قد يضع اللاجئين الذين يقيمون في المناطق التي شهدت توتراً تحت آلة الفرز بين مؤيدي النظام السوري أو معارضيه".
ويشير جمعة إلى أن "معظم اللاجئين السوريين في المناطق التي شهدت التوتر الأخير دخلوا لبنان من طرق التهريب، ما زاد الخوف لدى كثير منهم إثر الحادث الأخير".
ويقول لـ"العربي الجديد" حيان سالم (اسم مستعار للاجئ سوري) الذي يملك محلاً لبيع الدراجات وإصلاحها في منطقة المتن التي اضطر إلى مغادرتها في انتظار استقرار الأوضاع مجدداً في وقت قريب للعودة واستئناف الحياة بصورة طبيعية: "زاد الاحتقان في المناطق تحرك أشخاص ذوي سمعة سيئة يعرفهم السوريون واللبنانيون معاً، وينتمون إلى مجموعة جنود الرب".
يتابع: "بعد جريمة قتل سليمان هدد شخص، وهو متعاطي مخدرات وصاحب سوابق كان أيضاً موظفاً في السفارة السورية بلبنان ويقود سيارة تابعة لها، عبر شريط فيديو نشر على منصات التواصل الاجتماعي ومواقعه، السوريين، وأعطاهم مهلة لمغادرة منطقة برج حمود، ما يطرح تساؤلات عدة حول تصرفه".

وفي منطقة الدكوانة شرق العاصمة بيروت القريبة من برج حمود، اعتدى سكان على شاب سوري يعمل في ورشة خياطة حين غادر لتناول وجبة الغداء. 
ويقول قريب لهذا الشاب الذي رفض التحدث لـ"العربي الجديد" حول ما تعرّض له، إن "صاحب الورشة، وهو لبناني، حذر قريبي من الخروج إلا برفقته لتأمين حماية له. وبعد الاعتداء عليه رفض تقديم شكوى لجهاز الأمن اللبناني لأنه لا يملك إقامة شرعية في البلد".
وبالعودة إلى الباحث جمعة يصف توتر ما بعد قتل سليمان بأنها "فورة حصلت من دون تدخل حزب القوات اللبنانية ضد السوريين. ونفذها قلّة بدليل أنه عندما خرجنا من المنازل حزن جيراننا اللبنانيون، وطالبونا بالبقاء ووعدوا بحمايتنا، لكننا خرجنا لمحاولة درء الشر".
ويذكر جمعة أن "عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين الذين يقطنون في المناطق التي شهدت توتراً أخيراً سيعودون إليها، خصوصاً أن الأطفال ينتظمون في المدارس. وقد تدخلت البلديات وأصدرت بيانات استنكرت تهديد السوريين، كما جعلت أجهزة الأمن اللبنانية مرتكبي الانتهاكات الأخيرة يتعهدون كتابياً بعدم تكرار أفعالهم، وبذلت قيادة الجيش والبطريركية المارونية ومرجعيات من المشايخ جهوداً كبيرة لتهدئة الأوضاع".
وكان حزب "القوات اللبنانية" استنكر، في بيان أصدره، التعدي على اللاجئين السوريين، لكنه أكد ضرورة عودتهم إلى بلدهم.
وأورد البيان: "نادت القوات اللبنانية منذ اللحظة الأولى، ولا تزال، بوجوب عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بعدما استتب الأمن فيها، سواء إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام أو المعارضة، ومن ثم لا حجة لاستمرار وجودهم في لبنان". 
وشدد البيان أيضاً "على أن المطالبة بعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم شيء، والتصرف بحقد وهمجية ضدهم شيء مختلف. بعض التصرفات التي حصلت على مواقع التواصل وأيضاً بعض الممارسات التي نشهدها على الأرض مرفوضة ومريبة شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، وبقدر ما ندعو السلطات اللبنانية إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم نستنكر التعديات الهمجية التي يتعرض لها بعضهم".
ويعلّق الحقوقي اللبناني نبيل الحلبي الذي يهتم بقضايا اللاجئين السوريين في لبنان، بالقول لـ"العربي الجديد": "إثارة ملف اللاجئين السوريين مجدداً أمر مفتعل بهدف لفت الانتباه والتشويش على مجريات التحقيق وإحداث بلبلة أمنية تفوق حجم جريمة القتل".
يتابع: "في مطلق الأحوال، تقع مسؤولية التصدي لهذه المحاولات وحماية المواطنين والمقيمين على عاتق الحكومة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، لكننا اعتدنا قبل انعقاد مؤتمر بروكسيل السنوي لمانحي سورية المقرر في مايو/ أيار المقبل أن تخرج أصوات في لبنان تطالب بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، أو فتح منافذ بحرية أمامهم للهجرة السرّية بهدف ابتزاز المجتمع الدولي ودول الاتحاد الأوروبي تحديداً".

مناصرون لحزب "القوات اللبنانية" يقطعون طريق جبيل بعد مقتل سليمان (جوزف عيد/ فرانس برس)
مناصرون لحزب "القوات اللبنانية" يقطعون طريق جبيل بعد مقتل سليمان (جوزف عيد/ فرانس برس)

ويرى الحلبي أن "حلّ الإشكالات الخاصة باللاجئين السوريين يتمثل في تشكيل الحكومة اللبنانية لجنة خاصة لمعالجة الملف تضم مسؤولين من جهاز الأمن العام وممثلين للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمات المجتمع المدني، وتكليفها تصنيف السوريين في لبنان بين لاجئين معارضين ومهجرين قسراً يجب حمايتهم وإدراجهم ضمن قوائم المفوضية، وبين مهاجرين اقتصاديين لا مشكلات لديهم مع النظام السوري، والذين يجب أن تشطب أسماؤهم من قوائم مفوضية اللاجئين، إذا كانت مدرجة فيها. أيضاً يجب أن تستوفي الحكومة اللبنانية من الموجودين في أراضيها رسوم إجازات العمل وغيرها بحسب قانون العمل وشروط مكتب الاستخدام، أو ترحيلهم في حال لم يمتثلوا للإجراءات القانونية".
ويشير الحلبي إلى أن "هذه الإجراءات سهلة جداً إذا كانت الحكومة اللبنانية جدّية في معالجة الملف. ويجب أن يقترن عمل هذه اللجنة بإقفال جميع المنافذ الحدودية غير الشرعية بين البلدين، ونشر الجيش اللبناني على كامل الحدود. وتستطيع الحكومة اللبنانية توفير الدعم الدولي المالي واللوجستي لهذه المهمة لأنها تندرج في إطار مكافحة الهجرة غير السرّية".
ويؤكد الحلبي أن "غربلة الوجود السوري في لبنان ستكشف أن عدد اللاجئين السوريين لا يتجاوز 800 ألف، في حين أن العدد الأكبر هم دخلوا لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية في بلدهم، وذلك بمساعدة عصابات تهريب ترتبط بحزب الله اللبناني والفرقة الرابعة في الجيش السوري، وكلاهما يسيطران على المنافذ البرية غير الشرعية بين البلدين".
وفي شأن أفق التعامل مع اللاجئين السوريين، يعتبر الحلبي أن "الاستثمار في الوجود السوري في لبنان لا ينتهي، سواء من خلال الحكومة أو التيارات والأحزاب المؤيدة للنظام السوري. وقد أدخل هؤلاء اعداداً كبيرة من النازحين الاقتصاديين إلى لبنان من أجل تأليب الرأي العام اللبناني على اللاجئين الحقيقيين، لأن مسوّقي الأزمة يرددون عبارة لاجئين في خطابات التحريض من أجل اضطهاد هذه الشريحة سياسياً وأمنياً، وتأليب الرأي العام على اللاجئين".

ويعيش في لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، منهم نحو 950 ألفاً مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويعاني اللاجئون السوريون في لبنان أوضاعاً معيشية سيئة جداً، إذ يعيش 9 من كل 10 منهم في فقر مدقع. وتصل نسبة عائلات اللاجئين السوريين التي تعاني انعدام الأمن الغذائي إلى نحو 49 في المائة، في حين تعيش 60 في المائة من العائلات في مساكن مكتظة أو معرضة لخطر أو دون المعايير المطلوبة، وذلك بحسب ما تفيد وكالات ومنظمات دولية.

المساهمون