الجزائر: أمهات يلجأن إلى دور الحضانة

25 ديسمبر 2021
أمام دار حضانة في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

 

خلال السنوات الأخيرة، عرفت الجزائر انتشاراً كبيراً لدور الحضانة ورياض الأطفال. وبات الكثير من الجزائريين يستثمرون في هذا المجال لتحقيق الربح السريع، في ظل زيادة الحاجة إليها نتيجة للتغيرات الاجتماعية وخروج المرأة إلى سوق العمل وبالتالي حاجتها لمن يهتم بأبنائها خلال فترة غيابها عن المنزل.

ومع اقتحام المرأة الجزائرية أماكن العمل في قطاعات مختلفة، وجدت نفسها مجبرة على الاستعانة بدور تساعدها في تربية أبنائها، هي التي تشكّل في الوقت نفسه فرصة لتطوير مهارات الأطفال. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تعجز كثيرات عن الاستقالة من وظائفهن أو أعمالهن. لكن تفتقر بعض دور الحضانة (القطاع ما قبل المدرسي ابتداء من عمر ما دون السنة) إلى أدنى الشروط القانونية والمعايير اللازمة، الأمر الذي أثر سلباً على تربية الأطفال. كما أنّ كثيرين لا يهتمون إلا بالربح السريع.

وتُفضّل غالبية الأمهات العاملات الاستمرار في العمل بعد الإنجاب لأسباب مهنية ومادية، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الأسعار. وتقول نعيمة، وهي موظفة في الإدارة المحلية في محافظة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، إنها اضطرت إلى وضع ابنيها وسيم ورمزي في دار حضانة. يومياً، تقل طفليها إلى دار الحضانة قبل التوجه إلى مقر عملها، وتدفع نحو 80 دولاراً شهرياً، المبلع الذي يعد كبيراً بالنسبة إليها. لكنّها وجدت نفسها بين خيارين: إما التخلي عن عملها أو الاستعانة بدار حضانة، فوقع خيارها على الثاني.  

وتقول نعيمة إن زوجها يعمل في العاصمة الجزائرية وبيتها بعيد عن منزل أهل زوجها. "وبسبب منصبي الإداري الحساس الذي لا أريد أن أفرط فيه بعدما أفنيت عمري في الدراسة، لجأت إلى دار للحضانة على الرغم من أنني أعلم جيداً أن الطفل لا يكون آمناً إلا في بيته. لكن ما عساني أن أفعل في ظل هذه الظروف؟".

من جهتها، تقول الأربعينية فوزية، وهي طبيبة في المؤسسة العمومية الاستشفائية بالعفرون، إنها تضطر يومياً إلى ترك ابنتها أحلام (3 سنوات) في دار حضانة. ولعملها متطلباته وخصوصاً مع تفشي فيروس كورونا الجديد. وتقول لـ "العربي الجديد": "الضغط المهني الكبير الذي شكلته الجائحة مؤخراً جعلني أتكل على زوجي لتدبر شؤون طفلتنا ونقلها إلى دار الحضانة. هذا الواقع يدفعني إلى التفكير كثيراً في التخلي عن منصبي والاهتمام بتربية ابنتي".

ليس عمل المرأة وحده ما يدفع العائلات إلى تسجيل أبنائها في رياض الأطفال. وترغب بعض الأسر في توفير جو من اللعب والتعليم لأطفالها. ويقول مراد إنّ زوجته لا تعمل، لكنه اختار وضع ابنه في دار حضانة بهدف تعليمه مهارات جديدة وتشجيعه على الاندماج مع الأطفال وتحضيره للمدرسة. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "تعد الحضانة مرحلة مهمة في حياة الطفل، خصوصاً بالنسبة للعائلات المتوسطة الدخل، التي لا تستطيع توفير بعض أساسيات التعليم واللعب للأطفال داخل المنزل" مشيراً إلى أنّ الحضانة تساهم في جعل الأطفال أكثر قدرة على التواصل والاندماج بالمقارنة مع الأطفال الذين لم يرتادوا هذه الدور. 

وغالباً ما تسعى المربيات إلى الاعتناء بالأطفال وتعويضهم عن غياب الأمهات العاملات. وتقول المربية فاطمة، التي تعمل في دار حضانة في بلدية تيبازة، وتحمل إجازة في علم النفس التربوي، لـ "العربي الجديد"، إنّ "المربيات يجهدن لتعويض الأطفال حنان الأم". تضيف: "نتولى تغيير الحفاظات للأطفال وإطعامهم واللعب معهم، ونحرص على أن يحصلوا على قسط من الراحة والنوم، وهو ما يمنح الطفل راحة نفسية. كما نحاول توفير جو عائلي داخل الحضانة". 

وتنشط في الجزائر العاصمة مؤسسة "بريسكو" التي تُشرف على تسيير 43 روضة أطفال موزعة عبر 12 مقاطعة إدارية و25 بلدية. وتختار ليلى حطالي، وهي صاحبة دار للحضانة، المربيات بعناية. وتخضعهن لفترة تجريبية. وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "مسؤولية كبيرة تقع على عاتقها إذا ما وقع أي مكروه للأطفال الموجودين لدينا كأمانة". وتشير إلى أنّ أمهات كثيرات يقصدنها كونها توفر العوامل الأساسية لنمو الأطفال على غرار المنزل، موضحة أن دور الحضانة كانت تستقبل فقط أطفال الأمهات العاملات "لكن لاحظنا خلال السنوات الأخيرة أنّ عدداً من الأمهات غير العاملات يلحقن أطفالهن في دور الحضانة لأسباب عدة، منها الرغبة في الهدوء أو التسوق".  

إلى ذلك، يرى باحثون أنّ هناك دوراً إيجابياً لدُور الحضانة التي توفر عناصر التعليم الأولية قبل الانتقال إلى المدرسة الابتدائية. في الوقت نفسه، يشيرون إلى أنّه لا يمكن للحاضنة والمربية تعويض دور الأم. وتقول المتخصصة في علم النفس نور الهدى رحماني لـ "العربي الجديد"، إنّ دخول الطفل إلى دار الحضانة سيكون أول تحدٍّ يواجهه في سنوات عمره الأولى، إذ يجبر على الانفصال المؤقت عن والديه، وهو ما ينعكس على نفسية الطفل الذي قد يشعر أن عائلته تتخلى عنه. لكن مع  الوقت، يعتاد الطفل على حياته الجديدة، ويكتسب سلوكيات جديدة فيكون أكثر انضباطاً وقدرة على احترام الآخر.

المساهمون