إنتاج الأطراف الصناعية "بارقة أمل" في نابلس

03 مارس 2023
تطور قسم صناعة الأطراف الصناعية في مستشفى الأمل للتأهيل بنابلس (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يتمالك الخمسيني رائف حسن (اسم مستعار) نفسه من البكاء في اللحظة التي استطاع فيها أن يقف ويسير أمتاراً قليلة لوحده، بعد تركيب طرف صناعي لرجله اليسرى في قسم صناعة الأطراف بمستشفى الأمل للتأهيل بنابلس، وذلك بعد خمس سنوات من بترها من أعلى الفخذ إثر إصابته بداء السكري.
ظل رائف الذي يعمل في مهنة الخياطة بمدينة نابلس، منذ منتصف عام 2018 حبيس غرفته، ولم يخرج من بيته إلا مرات معدودة، بعدما أصيب بانتكاسة نفسية بسبب فقدانه رجله وعمله، واعتمد على أهل الخير لإعالة أسرته، لكن حصوله على الطرف الصناعي، وتركيبه بإتقان أهلّه للمشي وأعاد له الحياة من جديد، خاصة أنه لم يحتج إلى السفر إلى الخارج أو إلى محافظات بعيدة، بعدما صنع مستشفى الأمل للتأهيل طرفاً له بجودة عالية وبسعر منافس.
يقول لـ"العربي الجديد": "اسودّت الدنيا في عينيّ. كنت أبقى أياماً طويلة من دون الخروج من غرفتي، فجسمي الضخم عرقل قدرة من حولي على مساعدتي في التحرك، وأنا أملك كرسياً متحركاً، لكن لم أكن أستخدمه إلا للوصول إلى الحمام والعودة إلى السرير".

والأصعب في قصة رائف أنه فقد عمله في مهنة الخياطة بعد بتر قدمه، في وقت لم يستطع توفير المبلغ المرتفع لثمن الطرف الصناعي الذي ناهز 16 ألف شيكل (4500 دولار)، ما جعله يتوجه إلى جمعية التضامن الخيرية في نابلس التي درست حالته وجمعت المبلغ بكامله من أهل الخير. كما كانت الخيارات قليلة بالنسبة إليه، وبينها البحث عن قدم في مستشفيات توجد في جنوب الضفة أو القدس أو الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، أو السفر إلى الأردن، ما يعني الغياب عن عائلته فترة أسبوع على الأقل، ودفع تكاليف فوق طاقته. يقول: "رغم مرور شهر على تركيبي الطرف الصناعي، ما زلت غير مصدق أنني عدت إلى السير على قدميّ، ومن لا يعرفني، لا يمكنه أن يميّز أنني أسير بقدم طبيعية وأخرى صناعية، والآن عدت إلى العمل والتسوق وزيارة الأقارب". ويعبّر رائف عن فخره بوجود مصنع للأطراف الصناعية في نابلس يديره أطباء متخصصون ومحترفون، ويعملون بجودة لا تقلّ أبداً عن المنتجات المستوردة والأجنبية، وبتكلفة تقلّ عن النصف.
من جهته، يشير مدير القسم المتخصص في الهندسة الطبية ورئيس قسم الأطراف الصناعية في مستشفى الأمل للتأهيل علاء حلاوة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأشخاص الذين كانوا يحتاجون إلى أطراف صناعية كانوا يضطرون إلى الذهاب إلى مدن أخرى أو إلى خارج فلسطين، ما يحتاج إلى مصاريف لا يقدرون عليها".

الصورة
تُصنَّع الأطراف الصناعية وفق أحدث التقنيات العالمية (العربي الجديد)
تُصنَّع الأطراف الصناعية وفق أحدث التقنيات العالمية (العربي الجديد)

ويوضح أن ورشة تجهيز الأطراف الصناعية تطورت من غرفة صغيرة في مستشفى الأمل للتأهيل بنابلس إلى قسم كبير يحتوي على أجهزة ومعدات مختلفة. ويقول لـ"العربي الجديد": "ينتج القسم اليوم أطرافاً مثل أيدي وأرجل وأحذية طبية لتقويم اعوجاج الأقدام، وأجهزة تساعد في المشي وغيرها، ما يشكل بارقة أمل حقيقية لذوي الإعاقات المختلفة والمرضى وسط نجاحات كبيرة. وفعلياً، كانت هناك حاجة ماسة جداً لوجود هذا المركز بسبب تزايد عدد الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم مع تزايد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وتعمده إصابة الأطراف بالرصاص، وهو ما حصل مثلاً في بلدة بيتا جنوب نابلس، وكذلك مع ارتفاع حالات البتر لمصابي السكري وحوادث السير والإعاقات الخلقية وغيرها".
ويوضح حلاوة أن المركز أنتج خلال العام الماضي 37 طرفاً صناعياً و45 جهازاً لمصابين بشلل حركي وعقلي، و6 أجهزة لتقويم العمود الفقري، ووفّر أجهزة تساعد في المشي وأحذية طبية. ويقول: "نحن قادرون على إنتاج أكثر من عشرين نوعاً من الأطراف الصناعية (بتر جزئي في القدم، أطراف سفلية، وأطراف علوية - تجميلي، وظيفي ميكانيكي، إلكتروني، وأطراف صناعية تجميلية لبتر الأصابع)، وكذلك توفير ما لا يقل عن عشرين نوعاً من الأجهزة التعويضية للأشخاص المعوقين وجرحى الانتفاضة، تمهيداً لتخفيف العبء الاقتصادي عنهم وتشغيلهم ودمجهم في المجتمع كي يصبحوا عناصر فاعلة ومنتجة".

الصورة
زادت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي من عدد الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم (العربي الجديد)
زادت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي من عدد الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم (العربي الجديد)

ويؤكد حلاوة أهمية وجود المعمل لدعم الأشخاص المعوقين ومساعدتهم في تجاوز محنهم، ولا سيما أن مجمل الأشخاص المعوقين في فلسطين يعانون من الإهمال ومن صعوبة دمجهم في المجتمع، وتحويلهم إلى أناس منتجين وفاعلين.
ويواكب قسم صناعة الأطراف بمستشفى الأمل للتأهيل بنابلس التطورات المتلاحقة في عالم التأهيل، وهو بات متخصصاً في صناعة الأطراف الإلكترونية التي يصنعها وفق أحدث التقنيات العالمية، ومنها تقنية "القالب المرن" وتقنية "التحكم بحجم قالب الطرف الصناعي".
ويُخضع القسم المريض لجلسات تهدئة نفسية وجسدية، ثم تؤخذ القياسات بدقة متناهية، تمهيداً لإنتاج طرف صناعي تجريبي، ثم يجري تدريب المريض وتأهيله عليه قبل صنع الطرف النهائي لضمان ملائمته له وإفادته منه بفعّالية عالية. ويسلّم هذا الطرف بكفالة، ويتابع المستفيد منه لأشهر حتى التأكد من أدق التفاصيل المتعلقة بملائمته جسمه وعدم وجود أي انحراف خلال السير وغيرها من الملاحظات.

ويرى رئيس الهيئة الإدارية في جمعية التضامن الخيرية علاء مقبول، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن قسم صناعة الأطراف بمستشفى الأمل للتأهيل بنابلس يساهم في إنقاذ عشرات الحالات التي تعاني من إعاقات مختلفة. وإلى جودة المنتجات، يراعي القسم الحالة الاجتماعية للمرضى، ويقدم عروضاً سخية وحسومات لهم".
ويشير مقبول إلى أن الجمعية باتت تعتمد بالكامل على القسم في توفير الأطراف الصناعية للأشخاص الذين يُتبنَّون مالياً من الجمعية، ويقول: "تصلنا عشرات من المناشدات لتوفير أطراف صناعية، وبعد درس الحالة تعرض قصة صاحبها من دون كشف اسمه على الجمهور، من خلال وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي يوفر أهل الخير ثمن الجهاز الطبي أو الطرف الصناعي".
ويؤكد مقبول أن الفرحة التي تعتمر قلوب المستفيدين لدى علمهم بجمع التكاليف لا توصف، ثم تتضاعف حين يتم تركيب الجهاز وتشغيله، وكأنهم ولدوا من جديد.

المساهمون