أطباق شتوية... جزائريون يقاومون البرد على الموائد

أطباق شتوية... جزائريون يقاومون البرد على الموائد

07 مارس 2023
الأطباق الشتوية في الجزائر بسيطة وفخمة في الوقت ذاته (العربي الجديد)
+ الخط -

المطبخ الجزائري غني بالأطباق الشهية، وخاصة في فصل الشتاء، إذ يتميز بمأكولات تقليدية عدة تبعث مكوناتها الدفء في الجسم، وتعزز القدرة على تحمّل انخفاض درجات الحرارة مع تساقط الثلوج والأمطار، وخاصة في المناطق الجبلية.
في قرى مجاورة لعاصمة الشرق الجزائري قسنطينة، يشتهر المطبخ الشتوي بطبق "الجَارِي بِالفول" الذي يُطهى غالباً خصيصاً لوجبات المساء، ويمكن أن يكون الطبق المفضل للضيوف. ورغم بساطة طريقة إعداده، يتصدر الطبق قائمة المأكولات الشعبية.
تقول زبيدة من منطقة قصر الماء بآريس بباتنة لـ"العربي الجديد" إن "تحضير الطبق يتطلب استخدام الفول اليابس والدقيق والبصل المفروم وقطع الدجاج والمرق. وهو يقدم ساخناً في صحون من فخار، ويُتناول غالباً جماعياً في إناء واحد. ومن ميزات هذا الطبق المعروف في مناطق شرقيّ الجزائر، أنه سيد موائد الأسر في فصل الشتاء، خاصة في وقت "القيرَّة" أي فصل تساقط الثلوج، إذ لا ينفع مع الجو البارد إلا هذا الطبق الساخن. 

واللافت أن تسمية هذا الطبق الشتوي تختلف من منطقة إلى أخرى، وخصوصاً في المناطق الجبلية، إذ يطلق عليه أيضاً المْقَرْطْفَة. وبخلاف لون المرق، تضيف بعض العائلات إليه كمية محددة من الطماطم المصنعة، ليصبح لون المرقة أحمر، بينما تحافظ عائلات كثيرة على ميزته الأصلية، فهو سهل التحضير وقليل التكاليف، وتضاف إليه البهارات الخاصة مثل الفلفل الحار، أو القليل من البقدونس".
ويعتبر طبق "البركوكس" أو "البركوكش" والتي تعني "العيش" هو القاسم المشترك بين كل المناطق الجزائرية، إذ إن إعداده سهل، وتكاليفه بسيطة، ويجري تحضيره عبر فتل السميد الخشن لصنع حبات كروية الشَّكل تفوق قليلاً حبَّة العدس لتحضير المرق باللحم المجفَّف المالح الذي يطلق عليه اسم "القَديد". ومع بدء موسم الشتاء، يعتبر تحضير "البَرْكُوكَسْ" واجباً في المطبخ الجزائري، وقد يتم تناوله مرتين في الأسبوع.
وتشدد نعيمة، وهي ربة بيت في الـ56 من العمر، على أن فوائد "البركوكس" لا يختلف عليها اثنان في البرد، لأنه يمنح الجسم القوة والدفء. وتقول لـ"العربي الجديد": "يجمع الطبق العائلة، ويطلق عليه تسمية (الجَفْنَة)، وهو مصنوع من خشب أو فخار".

الصورة
تعكس الأطباق الشتوية سلوك الجماعات وتتأثر بالثقافات القديمة (العربي الجديد)
تعكس الأطباق الشتوية سلوك الجماعات وتتأثر بالثقافات (العربي الجديد)

وتنفرد بعض المناطق بأطباق محددة، حتى إن لكل منها طبقها الشتوي الخاص، إذ تشتهر بسكرة بطبق "الدُّوبَارَة"، وهي أهم أكلة شعبية معروفة أيضاً في مدن الصحراء في موسم الشتاء. ويشرح كريم وافي لـ"العربي الجديد" أن "هذه الأكلة عبارة عن حساء حار يضم أساساً بقوليات، ويجتمع فيها الحمص والفول والبقدونس والثوم وزيت الزيتون ومختلف التوابل والبهارات التي تمنح الأكلة نكهة خاصة". 
يضيف: "في منطقة المسيلة تحضر عائلات مع اشتداد البرد طبق الزّْفِيطِي أو ما يُطلق عليه باللهجة المحلية تسمية المِهْراسْ، خاصة في مناطق أولاد سيدي نايل وبو سعادة. ويحضر هذا الطبق كل يوم خميس من أيام الأسبوع خلال هذه الفترة من السنة، ويرتكز تحضيره على مقادير محددة من الخبز المصنوع في البيت الذي يُقطَّع إلى أحجام صغيرة وخليط من البهارات الشهية والفلفل الحار والطماطم والثوم، تمهيداً لتشكيل خليط من تلك المكونات ووضعها في إناء يدعى المهراس، وهو عبارة عن آنية مصنوعة من الخشب. وهو يقدم ساخناً وحاراً. وحاز طبقا الدُّوبَارَة والمِهْراسْ اهتماماً منقطع النظير لدى الجزائريين بعدما انتشرت مطاعم الخيم الشعبية في المدن، وخاصة في فصل الشتاء".

الصورة
بعض الماكولات كانت تسد جوع ثوار التحرير الوطني خلال فترة الاستعمار (العربي الجديد)
بعض المأكولات كانت تسد جوع ثوار التحرير الوطني (العربي الجديد)

ويتصدر طبق" تيكربابين" أنواع المأكولات التي تخصصت بها مناطق وسط الجزائر وجنوبها خلال فصل الشتاء، وخاصة منطقة القبائل، وهو يُعَدّ بمقادير بسيطة تتضمن السميد الخشن الذي تصنع منه عجينة تضاف إليها النعناع والبقدونس وزيت الزيتون والفلفل الأسود لصنع كريات صغيرة. ويُعَدّ مرق هذا الطبق بمكونات البصل واللحم أو الدجاج، مع إضافة بعض الخضر، وخاصة البطاطاً والجزر والكوسا. وتُطهى كريات العجينة في المرق حتى تنضج، ثم تقدم ساخنة في صحن من الفخار، وغالباً ما تجتمع العائلات حول الطبق خلال أيام البرد.

الصورة
تتضمن غالبية المأكولات الشتوية القمح والخضر (العربي الجديد)
تتضمن غالبية المأكولات الشتوية القمح والخضر (العربي الجديد)

أما طبق "أرَشْمَنْ" أو"أرَكْمَنْ" فتشتهر به مناطق الأوراس والجنوب الجزائري، ويتضمن في الأساس حبوب القمح والفول، ويُطهى عبر نقع القمح في الماء، ثم إضافة الزبدة والعسل إليه حتى يستوي على نار هادئة، وبعدها الحمص المطبوخ والدقيق المحمص. وهذه الأكلة تقليدية في مناطق خنشلة وباتنة وسوق أهراس، وتقدم غالباً خلال فصل الشتاء، لأنها ترمز إلى الوفرة والخير والغيث.
وبين أطباق الشتاء المعروفة أيضاً "الطّْبِيخَة" أو "التّْبِيخَة" الذي يُقال في الجزائر إنه لا يفرّق بين فقير وغني، وتشتهر به خصوصاً مناطق "القصبة العتيقة" ومعظم المدن الساحلية، فيما تتباين مكوناته بين منطقة وأخرى، رغم أنه يحافظ على مكونات أساسية في التحضير، أهمها الفول والجلبانة والخرشوف وغيرها من أنواع الخضر، مع إضافة الفول والحمص. وتقطّع المكونات جميعها مع إضافة البصل والقليل من الثوم وأنواع من البهارات. ويصنع البعض مرقاً أحمر، فيما يترك آخرون المكونات بيضاء، وهو ما تفعله العائلات في مناطق سهول متيجة، كالبليدة وبومرداس والعاصمة الجزائرية. أما في الشرق، فيكون مرق "الطبيخة" أحمر.

وعموماً، يُنظر إلى الأطباق الشتوية بأنها بسيطة وفخمة في الوقت ذاته، وتقدم في أوانٍ فخارية مصنوعة من طين، وتؤكل بملاعق من حطب. وما زالت بعض العائلات تحافظ على هذا الموروث، رغم أن العصرنة طغت على معظم نشاطات البيت اليومية.

ويشكل المطبخ الجزائري في موسم الشتاء أحد جوانب ثقافة الأفراد، ويتأثر بطبيعة المنطقة وتضاريسها، ويحمل رموزاً وأحاديث. وتؤكد أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة البليدة، سعاد بن كرمة، لـ"العربي الجديد" أن الأطباق الشتوية في الجزائر ترتبط أساساً بسلوك الجماعات وتتأثر بجميع الثقافات القديمة التي مرت على الجزائر. وتقول: "غالبية المأكولات الشتوية ترتكز على القمح والخضر، وبعضها موروثة منذ قرون بسبب التعدد الثقافي في البلاد. وكان بعضها يسدُّ جوع ثوار التحرير الوطني خلال فترة الاستعمار، وكانت لأخرى امتدادات ونكهات أمازيغية وعثمانية وإسلامية، وغالبيتها جاءت من القرى إلى المدن".

المساهمون