الانتخابات الرئاسية اللبنانيّة: الغاز ناخب أول

الانتخابات الرئاسية اللبنانيّة: الغاز ناخب أول

09 ابريل 2014
توسّط السفير البريطاني بين عون والحريري ليتم اللقاء (getty)
+ الخط -

ستة أسابيع تفصل اللبنانيين عن انتهاء مهلة انتخابات رئاسة الجمهوريّة. بدأ النقاش الفعلي حول الرئيس العتيد في الدوائر الضيقة، وتراجعت احتمالات التمديد للرئيس الحالي ميشال سليمان بحسب ما تُشير المعلومات المتوافرة.
وصلت بعض رسائل اللاعبين الدوليين المؤثرين في هذه الانتخابات إلى من تعنيهم الأمور لبنانياً. تلقى زعيم تيار المستقبل، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، هذه الرسائل وبدأ العمل على أساسها. وفي هذا الإطار، التقى رئيس التيار الوطني الحرّ، النائب ميشال عون، في باريس. تنبّه النائب وليد جنبلاط لهذا الأمر، وبدأ بالتصرف بناء عليه. كرّر جنبلاط مراراً أمام زواره، أن عليهم فهم ما الذي جرى بين عون والحريري، لفهم مسار انتخابات رئاسة الجمهوريّة.

في كلّ جلسة سياسية يُثار فيها موضوع رئاسة الجمهوريّة، يطاول البحث ملف استخراج الغاز من الشواطئ اللبنانية. الترابط بين الملفين كبير، هذا ما تُكرره مصادر سياسيّة عدّة. يصل الأمر ببعض هذه المصادر إلى ربط ملف تشكيل الحكومة بملف الغاز، ويقول أحد المستشارين في فريق 14 آذار، إنّ جزءاً أساسياً من الضغوط الغربيّة لتأليف الحكومة ونيلها الثقة، يهدف للدفع نحو إقرار ثلاثة مراسيم أساسيّة لبدء التلزيمات في ملف الغاز.

من هنا يأتي الربط بين انتخابات الرئاسة الأولى وملف الغاز: على الرئيس العتيد أن يكون متفاهماً مع الغرب حول هذا الملف. الأهم، هو أن يكون الرئيس قادراً على التواصل مع مختلف الأطراف المؤثرة في الملف اللبناني، لعزل الغاز عن الخلاف السياسي، "كون لا أفق حالي لتسويات كبرى، بل هو وقت حلول جزئية لتمرير ما هو متفق عليه"، بحسب ما يقول أحد المطلعين على مفاوضات تشكيل الحكومة.

في المقابل يقول جنبلاط لـ"العربي الجديد"، إن "الغاز قد يُصبح لعنة إذا لم يُعالج بشكل صحيح، فكابوس الغاز والنفط ضرب بلاداً كثيرة"، ويقترح حول هذا الموضوع إنشاء صندوق سيادي للغاز لحمايته من الفساد.

في هذا السياق، تلقّى الحريري إشارات أميركية واضحة للمرشحين المفترضين. طُرح اسم النائب السابق جان عبيد، إلى جانب النائب ميشال عون، وقائد الجيش جان قهوجي.

ويوضح مقربون من الحريري، أنّ هناك توجهين في الإدارة الأميركيّة. يميل التوجه الأول، وهو بقيادة وزارة الخارجيّة، إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة. أما الرأي الثاني، الذي تقوده وزارة الدفاع، فمتحمّس لانتخاب قائد الجيش جان قهوجي، فيما يُعتبر عبيد مرشحاً مخفياً.

في هذا السياق، جاء لقاء الحريري مع عون. تعرّض الحريري لضغوط غربيّة كثيرة للقبول بلقاء عون، بحسب مقربين من الحريري. وتضيف المصادر عينها أن السفير البريطاني في لبنان طوم فليتشر، هو الذي توسّط بين الرّجلين.

طلب عون أن يبقى اللقاء سرياً، فوافق الحريري. لكن عون بعد عودته سرّب الخبر إعلامياً، الأمر الذي جعل الحريري يتراجع خطوةً إلى الوراء، ويعتبر أنّ عون غير قادرٍ على القيام بأي أمر دون نيل الموافقة الكاملة من حزب الله. لكن هذا لم يؤثّر على العلاقة الممتازة بين نادر الحريري (مدير مكتب سعد الحريري وابن عمته) والوزير جبران باسيل (وزير التكتل والمسؤول السياسي في التيار الوطني الحرّ وصهر عون).

لكن وليد جنبلاط لا يزال عند رأيه القائل بأنّ هناك "طبخة" ما بين الحريري وعون. ويعتقد جنبلاط أن هذه "الطبخة"، المرعيّة أميركياً، يُمكن أن تؤدي إلى "خراب البلد"، إن كان هدفها عزل حزب الله عن حليفه الأهم لبنانياً، ميشال عون. ويُصرّ جنبلاط على مواصفات الرئيس المقبل: "لقد نادينا دائماً بالتقارب السني ــ الشيعي، وهذا أمر أساسي، كما عليه التأكيد على مصالحة الجبل التي جرت برعاية البطريرك (السابق نصرالله) صفير". ويسأل زعيم المختارة، عن البرنامج الاقتصادي الاجتماعي للرئيس، وما سيفعله بملفَّي الإصلاح الإداري والكهرباء.

كما أنّ هناك في لبنان وخارجه، من يعتبر أن عون كرئيس للجمهوريّة لن يقبل بأن تكون سلطة حزب الله أقوى من سلطته، ما سيؤدي إلى صِدام بين الجانبين. لكنّ احتمال مواجهة عون لحزب الله، لا يزال في إطار التمنيّات أكثر منه في الوقائع. واللافت أن حزب الله يتجنب حتى اللحظة إعلان تأييده العلني لعون.

وفي سياق العلاقة المميزة بين باسيل والأميركيين، فإنّ أول زيارة رسميّة لوزارة الخارجيّة اللبنانيّة، كانت للسفير الأميركي في لبنان دايفيد هيل، الذي أصرّ على أن تكون الزيارة في اليوم نفسه الذي يتسلم فيه باسيل مكتبه من سلفه عدنان منصور.

وتؤكّد مصادر معنيّة بملف النفط، أنّ باسيل قدّم أوراق اعتماد عون للرئاسة عبر ملف الغاز. وتلفت هذه المصادر إلى أن باسيل وافق على تأجيل التنقيب عن النفط في المنطقة البحرية المحاذية للحدود اللبنانيّة ــ الاسرائيليّة، "إذا لم يكن قد وافق على نسيان هذا البلوك"، وهو ما يتقاطع مع ما تقوله بعض المصادر العونيّة. وهناك خلاف حادّ بين باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفيّة هذا الأمر، إذ يُصرّ بري على تلزيم جميع "البلوكات" اللبنانيّة دفعةً واحدة، فيما يُريد باسيل البدء بتلزيم "بلوك" تلو الآخر، ابتداءً من الحدود الشماليّة.

لكن الأهم في ملف الغاز، هو غياب الأسماء الروسيّة عن الشركات الـ 12 التي يحق لها أن تتولى عمليّة الحفر والتنقيب، في مقابل وجود ثلاث شركات أميركيّة.

أما جان قهوجي، فهو قائد الجيش، وهو على تواصل مع مختلف القوى، ويثق به الغرب، ومستعد لأن يكون جزءاً من المعركة الدائمة تحت تسمية "مكافحة الإرهاب"، والأهم أنّه لن يُعادي أحداً. وهناك من يقول إن قهوجي مستعد لتأمين الدعم للجيش في أي معركة.

بعيداً عن بعض التفاصيل، فإن النقاش حول الانتخابات الرئاسيّة لا يعني حكماً إجراءها في موعدها، وخصوصاً أن لا مواقف واضحة صدرت عن ناخبين آخرين مثل حزب الله، ومن خلفه إيران، إلى جانب الدول العربيّة كالسعوديّة وقطر والإمارات. لكن هذا لا يعني تأجيلها إلى موعد غير مسمّى.