75 عاماً على النكبة... الكبار ماتوا والصغار لم ينسوا

75 عاماً على النكبة... الكبار ماتوا والصغار لم ينسوا

15 مايو 2023
مريم محسن وعائلتها مع إثباتات عن أراضيهم بالمجدل (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تنسَ اللاجئة الفلسطينية مريم محسن (70 عاماً) ذكريات بلدة المجدل المحتلة، التي هُجرت عائلتها منها قسراً على أيدي العصابات الصهيونية في عام 1948، وقد أورثت تفاصيلها وملامحها التي أخبرها عنها ذووها، لأبنائها وأحفادها. وعلى الرغم من مرور 75 عاماً على النكبة، إلا أن ذاكرة الفلسطينيين المولودين في القرى المهجرة أو عقب النكبة بقيت مُتقدة، على الرغم من تعاقب الأجيال وتتالي العقود. وهو أكبر رد على ادعاء أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال ديفيد بن غوريون، حين مهّد لمرحلة مقبلة من الصراع عشية إعلان تأسيس الكيان بقوله: "الكبار يموتون، والصغار ينسون".

ولا تزال مشاهد النكبة حاضرة لدى الفلسطينيين، في ظل تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية بالكامل، وتشريد نحو 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في 1300 قرية ومدينة فلسطينية خلال عمليات التطهير على أيدي العصابات الصهيونية، التي ارتكبت أكثر من 70 مجزرة، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألفاً من السكان.

عقود على النكبة

ولم تنجح العقود الطويلة منذ تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم المحتلة في تغييب مشهد يوم العودة عن مخيلة مريم محسن، التي شرحت لـ"العربي الجديد" الارتباط الوثيق بين الفلسطيني وأرضه، موضحة أن ذلك الارتباط الروحاني والوجداني لا يمكن أن يُنسى، أو يندثر مع مرور الأعوام.

وتقول محسن، التي بدت مؤمنة بحتمية العودة عبر إظهارها حججاً و"كواشين" (أوراق الطابو) أراضي وأملاك عائلتها وعائلة زوجها في بلدتهم المحتلة، إنها لا تتوقف عن إظهار تلك المستندات والوثائق لأبنائها وأحفادها، حتى يرثوا مبدأ حب الأرض والانتماء إليها. وتعتبر أنه "حين يشعر الطفل بأن له أرضاً محتلة سيبقى ذلك راسخاً في ذهنه حتى يرجع إليها ذات يوم".


مريم محسن: حين يشعر الطفل بأن له أرض محتلة سيبقى ذلك راسخاً في ذهنه

ولا تزال ذكريات الأرض وزراعتها ومحاصيل القمح والذرة والبيت المصنوع من الطين ساكنة في ذهن الستينية فريال كُلّاب، التي عاشت أعوام حياتها على أمل العودة إلى بلدة حَمامة، التي سلبتها العصابات الصهيونية قسراً من أهلها وجيرانها.

وتعتبر كُلّاب، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن أحداث النكبة التي سمعت عنها من والدها ووالدتها، وقرأت عنها في الصحف والكتب القديمة وورثت تفاصيلها، هي أكبر مأساة وعملية تطهير عرقي تعرّض لها الشعب الفلسطيني. وتكشف أنها "لم تكتفِ بسرد التفاصيل لأبنائها وأحفادها فقط، بل نقلت إليهم الحنين والشغف والإصرار على أهمية الرجوع إلى المدن والقرى والحواري السليبة".

كُلّاب، المتزينة بالكوفية السمراء والثوب التراثي الفلسطيني في مسكنها في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، لا تتوقف عن احتضان أحفادها وسرد الحكايات لهم عن بلدة أجدادهم، حمامة وباقي المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة، في محاولة لترسيخ الحق الفلسطيني الخاص بالعودة في نفوس وقلوب الأطفال، ركائز الأجيال الآتية.

وتشدد كُلّاب على أهمية توريث حب وذكريات وتفاصيل الأرض والبلدات المحتلة للأجيال الجديدة، حرصاً على عدم سقوط حق العودة بالتقادم. وتلفت إلى أنه "لم نحظ برؤية بلدتنا أو أشجارها وثمارها وخيراتها التي سمعنا عنها، إلا أننا نحمل الشوق واللهفة للعودة، لذلك ننقل ذلك الشوق لأبنائنا وأحفادنا، على أمل يوم قريب مع العودة والتحرير".

ولا يمرّ يوم من دون أن تجمع الفلسطينية رغدة السيقلي أبناءها وأحفادها الصغار لتحدثهم عن مدينة المجدل، التي هُجر منها أجدادها قسراً، بعد أن كانوا يعيشون في بيت كبير، وينعمون بخيرات الأرض، من ذرة وقمح وحمضيات ومختلف أصناف الشتول الأرضية، في محاولة لاستحضار الذكريات بشكل دائم.

وتوضح السيقلي في حديثٍ مع "العربي الجديد" أنها تحلم بالعودة إلى بلدة أجدادها، لرؤية التفاصيل التي أخبرها عنها والدها، الذي كان يعمل مدرس جغرافيا. وتضيف: "مهنة والدي ساعدته كثيراً في طباعة أدق التفاصيل في مخيلة أبنائه الستة، الذين قاموا بنقلها إلى أولادهم، وأحفادهم فيما بعد".

إشغال الذاكرة الفلسطينية

وتشير السيقلي إلى أهمية إشغال الذاكرة الفلسطينية بتفاصيل البلدات القديمة، التي تشكل بمجملها الجذور التاريخية، قائلة: "أتمنى أن أكحل عينيّ برؤية أرض أجدادي والعيش فيها مع عائلتي. هذا هو الأمل الذي عشنا عليه، وستعيش عليه الأجيال الجديدة، إلى أن نرجع ذات يوم".


فريال كُلّاب:  ننقل شوق العودة لأبنائنا وأحفادنا، على أمل يوم قريب مع التحرير

بدوره، يتحدث خالد البلبيسي، وهو لاجئ من مدينة يافا المحتلة ويسكن حالياً في مخيم الشاطئ، لـ"العربي الجديد"، كاشفاً أن أهله هاجروا من بلدتهم تحت وطأة المجازر الإسرائيلية، التي لم تكن تفرق بين كبير وصغير، أو رجل وامرأة، إذ كان الاستهداف بغرض قتل كل ما يتحرك.

ويوضح البلبيسي أن أهله سردوا له ولأشقائه الـ12 تفاصيل الهجرة ومراحلها، إذ وصلوا إلى غزة وعاشوا في منطقة المغازي وسط القطاع، قبل الانتقال إلى مخيم الشاطئ. ولفت إلى أن الشغف كان يتملك والده ووالدته طوال حياتهما على أمل العودة، وهو الشعور الذي أورثوه لأولادهم.

ودفع الحنين الذي تملك البلبيسي لزيارة مدينة يافا، مسقط رأس عائلته في عام 1968، والمنطقة التي كانت تضم منزل العائلة، إلا أنه لم يجده حسب الوصف، إذ إن الاحتلال هدم المنزل، وقام بتهويد المنطقة بأكملها.

ويشدّد البلبيسي على أن "هذا الحنين الذي ورثته عن أبي وجدي نقلته إلى أبنائي وأحفادي، وسينقلونه إلى أولادهم وأحفادهم، حفاظاً على حقنا في مدننا وقرانا وأراضينا المحتلة غصباً وقهراً".

أما زوجته نوال شوالي، وهي من يافا أيضاً، فتؤكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنها كانت تشعر بالشوق الكبير عند الاستماع إلى أهلها في حديثهم عن يافا، مضيفة: "لا يوجد في الحياة أجمل من بحر يافا".

وتوضح شوالي أن كل المعلومات والذكريات مطبوعة في عقلها وقلبها وعاشت تفاصيلها على أرض الواقع، وقد ساعدها ذلك في نقلها إلى أولادها العشرة وأحفادها. وترى أنّ من الضروري حرص اللاجئين كافة على التحدث للأجيال الجديدة عن أراضيهم ومدنهم المحتلة، حتى لا يسقط حقهم في العودة مع تقادم السنين ومرورها.